علماء وأمراء
من أمجاد الخلافة
علماء وأمراء
ذكر ابن الجوزي في المنتظم قال: أخبرنا أبو منصور القزاز . . . عن عمر بن الهياج بن سعيد قال: أتت امرأة يوماً شريكاً وهو في مجلس الحكم فقالت: أنا بالله ثم بالقاضي، امرأة من ولد جرير بن عبد الله صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ورددت الكلام، فقال: إيهاً عنك الآن، من ظلمك؟ فقالت: الأمير موسى بن عيسى، كان لي بستان على شاطئ الفرات لي فيه نخل ورثته عن آبائي، فقاسمت إخوتي، وبنيت بيني وبينهم حائطاً، وجعلت فيه فارسياً، في بيت يحفظ النخيل، ويقوم ببستاني، فاشترى الأمير موسى بن عيسى من إخوتي جميعاً، وساومني وأرغبني، فلم أبعه، فلما كان في هذه الليلة، بعث بخمسمائة فاعل فاقتلعوا الحائط، فأصبحت لا أعرف من نخلي شيئاً، واختلط بنخل إخوتي.
فقال شريك: يا غلام، طينه بختم، ثم قال لها: امضي إلى بابه حتى يحضر معك. فجاءت المرأة بالطينة فأخذها الحاجب، ودخل بها إلى موسى، فقال أعدى شريك عليك. فقال: ادع لي صاحب الشرط، فدعا به، فقال امض إلى شريك فقل: سبحان الله، ما رأيت أعجب من أمرك، امرأة ادعت دعوى لم تصح أعديتها علي!! فقال له صاحب الشرط: إن رأى الأمير أن يعفيني فليفعل. فقال:امض ويلك، فخرج فأمر غلمانه أن يتقدموا إلى الحبس بفراش وغيره من آلة الحبس، فلما جاء وقف بين يدي شريك فأدى الرسالة، قال: خذ بيده فضعه في الحبس، قال: قد عرفت والله إنك تفعل بي هذا، فقدمت ما يصلحني إلى الحبس.
وبلغ موسى بن عيسى الخبر، فوجه الحاجب إليه فقال: هذا رسول أي شيء عليه؟ فلما وقف بين يديه وأدى الرسالة، قال شريك : ألحقه بصاحبه، فحبس. فلما صلى الأمير العصر بعث إلى اسحق بن الصباح الأشعتي، وجماعة من وجوه الكوفة من أصدقاء شريك، فقال لهم: امضوا إليه وأبلغوه سلامي وأعلموه أنه استخف بي، وإني لست كالعامة، فمضوا وهو جالس في مسجده بعد العصر، فدخلوا عليه فأبلغوه الرسالة فلما انقضى كلامهم قال لهم شريك: ما لي لا أراكم جئتم في غيره من الناس فكلمتموني؟ من ههنا من فتيان الحي فليأخذ كل واحد منكم بيد رجل، فيذهب به إلى الحبس، لا ينم والله إلا فيه. قالوا: أجادّ أنت؟ قال: حقاً حتى لا تعودوا برسالة ظالم، فحبسهم. فركب موسى بن عيسى في الليل إلى باب الحبس فأطلقهم جميعاً. فلما كان من الغد، وجلس شريك للقضاء، جاء السجان فأخبره، فدعا بالقمطر فختمه، ووجه به إلى منزله، ثم قال لغلامه: الحقني بثقلي إلى بغداد، فوالله ما طلبنا هذا الأمر منهم، ولكن أكرهونا عليه، ولقد ضمنوا لنا الإعزاز فيه، إذ تقلدناه لهم، ومضى نحو قنطرة الكوفة إلى بغداد.
وبلغ موسى بن عيسى الخبر، فركب في موكبه فلحقه وجعل يناشده الله ويقول: يا أبا عبد الله تثبت. انظر إخوانك تحبسهم؟ دع أعواني. فقال شريك: نعم لأنهم مشوا لك في أمر لم يجب عليهم المشي فيه، ولست ببارح أو يردوا جميعاً إلى الحبس وإلا مضيت إلى أمير المؤمنين فاستعفيته مما قلدني، فأمر بردهم جميعاً إلى الحبس، وهو والله واقف مكانه حتى جاءه السجان فقال له: قد رجعوا إلى الحبس. فقال لأعوانه: خذوا بلجامه فردوه بين يدي إلى مجلس الحكم. فمروا به بين يديه حتى أدخل المسجد، وجلس مجلس القضاء، ثم قال: علي بالجويرية المتظلمة، فجاءت، فقال: هذا خصمك قد حضر، وهو جالس معها بين يديه، فقال: أولئك يخرجون من الحبس قبل كل شيء. قال: أما الآن فنعم، أخرجوهم، ثم قال له: ما تقول فيما تدعيه هذه؟ قال صدقت، فقال: فرد جميع ما أخذ منها، وتبني حائطها في وقت واحد سريعاً كما هدم. قال: أفعل: قال: بقي لك شيء؟ قال: تقول المرأة بيت الفارسي ومتاعه. قال موسى بن عيسى: ونرد ذلك، بقي لك شيء تدعينه؟ قالت: لا وجزاك الله خيراً. قال: قومي. ثم وثب من مجلسه فأخذ بيد موسى بن عيسى فأجلسه في مجلسه ثم قال: السلام عليك أيها الأمير ، تأمر بشيء؟ قال: أي شيء آمر؟! وضحك.