نعم، الديمقراطية كفر والخلافة واجب شرعي
كان الموقع الإلكتروني لمركز تطوير الفكر السني قد نشر رسالة وردته موجهة إليّ باعتباري رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في مصر، ردا على البيان الذي كان قد أصدره المكتب الإعلامي عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الدكتور مرسي، وكان البيان يحمل عنوان “الجيش ينقلب على الديمقراطية المزعومة”. الرسالة تم نشرها في 5 تموز/يوليو ولكن لم يتسنَ لي الاطلاع عليها سوى هذا اليوم أثناء تصفحي للإنترنت، فرأيت أن أرد على كاتب الرسالة الأستاذ عبد السلام المباحي المحترم، وليعذرني على التأخير في الرد حيث إنه لم يكن لي علم برسالته تلك، ولو أرسلها على حسابي على الفيسبوك أو على موقعنا الإلكتروني لحصل على الرد مباشرة.
لقد وقع الأستاذ عبد السلام في عدة مغالطات في رسالته تلك، أورِدها أولًا، ومن ثَمَّ سأرد عليها واحدة تلو الأخرى:
1- يرى أن الخلافة الإسلامية ليست واجبة على المسلمين، وأن الله لم يأمرنا بإقامة دولة إسلامية.
2- يعتبر أن الديمقراطية هي الشورى، فهو يقول: “إنكم لا زلتم ترفضون الديمقراطية وتعتبرونها فكرة كفر، في حين تسعون إلى تطبيق مبدأ الشورى”. كما أن قوله “أنكم لا زلتم ترفضون الديمقراطية” يُشعر وكأننا يجب أن نغير رأينا في الديمقراطية، وكأن رأينا فيها عفا عليه الزمن وأصبح في غُبار الماضي، وبالتالي هو يستغرب أننا ما زلنا نرفض الديمقراطية. بينما هو يرى “أن الديمقراطية السليمة ممكنة وأنفع للناس من غيرها كما يبدو لحد الآن وهي قابلة للتطور، والتطبيق، والضبط”.
3- يساوي بين الانقلاب وطلب النصرة وكأنهما شيء واحد، فهو يقول: “… من أجل صنع خليفة للمسلمين عن طريق انقلاب عسكري أو ما يسمى بالنصرة”.
4- يرى أن الخليفة القادم – إن جاء – سيكون مستبدا وظالما.
5- يدعي أننا نفتخر “بالخلافات الإسلامية اللاراشدة”، ونعتبر الخلافة العثمانية نموذجًا يُفتخر به.
ونحن نرد على الأستاذ الفاضل فنقول:
أولًا: عندما قرر الأستاذ أن الخلافة ليست واجبة على المسلمين صدَّرَ كلامَه بالقول “ما نفهمه نحن أهل القرآن”، وهذا يوحي بأحد أمرين: فصاحب الرسالة إما أنه ممن يسمون أنفسهم “بالقرآنيين”، وبالتالي هو لا يعترف بالسنة كدليل شرعي بعد كتاب الله، وإما أنه ينفي عمن يقول بوجوب الخلافة أنه من أهل القرآن!
يا أخي الفاضل: الخلافة فرض عظيم فرضه الله على المسلمين، بل هي تاج الفروض الذي بإقامته تقام كل الفروض، والأدلة على ذلك مستفيضة من كتاب الله – الذي تقول أنك من أهله – وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن إجماع الصحابة، وإليك البيان بشيء من التفصيل:
من الكتاب: إن الله تعالى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين المسلمين بما أنزل الله وكان أمره له بشكل جازم حيث قال تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة48] وقال: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة49]، ولفظ “ما” في قوله ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ من ألفاظ العموم، أي فاحكم بينهم بكل ما أنزل الله، والقاعدة الشرعية أن الخطاب للرسول خطاب لأمته ما لم يرد دليل يخصصه به عليه الصلاة والسلام. وهنا لم يرد دليل فيكون خطابا للمسلمين وأمرًا لهم بالحكم بكل ما أنزل الله أي بأحكام الشريعة جمعاء، وتطبيق الأحكام على الناس منوط بالحاكم، إذ إنه لا يجوز للعامة أن يطبقوا الأحكام من حدود وعقوبات وفصل الخصومات بين الناس من تلقاء أنفسهم، فيكون أمر الله تعالى في كتابه بالحكم بما أنزله من أحكام هو أمر ضمني بإيجاد الحاكم الذي يطبقها، وهذا الحاكم هو عينه الخليفة الذي يبايعه الناس عن رضى واختيار ليطبق أحكام الإسلام عليهم، وهذه من دلالة الاقتضاء في القرآن الكريم كما يسميها علماء الأصول، حيث إن أمر الله تعالى بالحكم بما أنزل يقتضي إيجاد الحاكم الذي يطبق هذه الأحكام.
وأما السنة: فقد روى مسلم عن طريق نافع قال لي ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» والبيعة لا تكون إلا لخليفة لا غير. فالواجب هو وجود بيعة في عنق كل مسلم، أي وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة، لأن الذي ذمَّه الرسول هو خلوُّ عنق المسلم من بيعة حتى يموت ولم يذم عدم البيعة. وروى مسلم عن أبي حازم قال: “قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال«كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر»، قالوا: فما تأمرنا، قال: «فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم».
وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء أخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» فالأمر بطاعة الإمام أمر بإقامته والأمر بقتال من ينازعه قرينه على الجزم في دوام إيجاد خليفة واحد.
وأما إجماع الصحابة: فإنهم رضوان الله عليهم أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله بعد موته وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر ثم لعمر ثم لعثمان بعد وفاة كل منهم، وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن الرسول صلى الله عليه وسلم عقب وفاته واشتغالهم بنصب خليفة له، مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض، ويحرم على من يجب عليهم الاشتغال في تجهيزه ودفنه الاشتغال في شيء غيره حتى يتم دفنه، وقد تأخر دفن الرسول صلى الله عليه وسلم ليلتين مع إجماع الصحابة على عدم إنكار ذلك ومع قدرتهم على دفن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك إجماعًا على الاشتغال بنصب الخليفة عن دفن الرسول، ولا يكون ذلك إلا إذا كان نصب الخليفة أوجب من دفن الميت. فكان إجماع الصحابة دليلا صريحا وقويا على وجوب نصب الخليفة. فالقعود عن إقامة خليفة للمسلمين معصية من أكبر المعاصي لأنها قعود عن القيام بفرض من أهم فروض الإسلام ويتوقف عليها إقامة أحكام الدين بل يتوقف عليه وجود الإسلام في معترك الحياة.
وهنا سأورد بعضا من أقوال أهل العلم وأهل القرآن ليتدبر فيها الأستاذ عبد السلام عسى أن يفتح الله من خلالها ما غمّ عليه، وأن ينير بها بصيرته:
قال أبو المعالي الجويني (في غيَّاث الأمم): “… فإذا تقرر وجوب نصب الإمام فالذي صار إليه جماهير الأئمة أن وجوب النصب مستفاد من الشرع المنقول”.
قال ابن حزم (في الفصل في الملل والأهواء والنحل): “اتفق جميع أهل السنة وجميع الشيعة، وجميع الخوارج (ما عدا النجدات منهم) على وجوب الإمامة”.
وقال الماوردي (في الأحكام السلطانية): “وعقدها لمن يقوم بها واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم”.
وقال ابن حجر العسقلاني (في فتح الباري): “وقال النووي وغيره: …وأجمعوا على أنه يجب نصب خليفة وعلى أن وجوبه بالشرع لا بالعقل”.
وقال ابن حجر الهيثمي (في الصواعق المحرقة): “اعلم أيضا أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على أن نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب، بل جعلوه أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
ثانيا: نعم أخي الكريم نحن قلنا الديمقراطية كفر وما زلنا نقول ذلك وسنظل نؤكد على ذلك، وقولنا هذا ليس رأيا في مهب الريح أو أصبح في غبار الماضي، بل هو الفهم الذي يرتكز على إدراك عميق لواقع الديمقراطية التي انبهرت بها وغيرك من أبناء الأمة، برغم أنه ليس بها ما يبهر…، كما أنه فهم يرتكز على أدلة شرعية واضحة، وإليك البيان:
إن الديمقراطية فكرة ناتجة عن تصور كلي عن الحياة والكون والإنسان، ناجم عن حضارة تختلف اختلافاً جذرياً عن حضارة الإسلام. فالحضارة الغربية التي أنتجت الديمقراطية تقوم على مبدأ فصل الدين عن الدولة والحياة، وإذا فُصل الدين عن الدولة، فمن الذي ينظم المجتمع والدولة بالأنظمة والأحكام والقوانين؟ إنه الشعب أو من ينوب عنه حسب ادعاء هذا المبدأ، إذن فقد جعل المبدأ العلماني الرأسمالي التشريع للإنسان من دون الله، وأوجد الديمقراطية كوسيلة ليقوم الإنسان بهذا التشريع، بينما في الإسلام فإن الحاكم والمشرِّع هو الله سبحانه وتعالى، والأمة هي صاحبة السلطان فقط فهي التي تختار الحاكم الذي ينوب عنها في تطبيق أحكام الله عليها.
لقد قرر الشرع الحنيف أن الحاكم هو الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فإن مصدر الأحكام هو الوحي المنزل على سيدنا محمد، قال تعالى: ﴿إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ﴾[يوسف:40]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ﴾[المائدة:44]، وقال تعالى: ﴿وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة:49].
فكل حكم غير حكم الله هو طاغوت: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاَ بَعِيدًا﴾ [النساء:60]. وطريق معرفة حكم الله في مسألة من المسائل، هو استقراء النصوص الشرعية وأدلتها من قرآن وسنة وما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس شرعي، واستنباط الأحكام منها.
أما الذي يريد أن يسوِّق لنا الديمقراطية اليوم، فإنه بهذا يدعي أن لا حكم لله. ويعتبر الإسلام كالنصرانية دينًا ناقصًا محدودًا، يقتصر على العبادات وبعض الإرشادات الأخلاقية، وليس له علاقة بتنظيم أمور الدولة والحياة والمجتمع، ولكن هيهات هيهات، فشتان بين النصرانية وغيرها من الأديان وبين مبدأ الإسلام العظيم، الذي أرسله الله كرسالة خاتمة شاملة كاملة، لا فيها نقص ولا بطلان، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة، 3]، وقال: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت، 42].
والذي يجب أن نعلمه أن عقل الإنسان ناقص ومحدود، ينصاع لأهوائه وميوله، فإذا تُرك التشريع ووضع الأنظمة له، فسيأتي بتشريعات ونُظم خاطئة متناقضة تؤدي إلى شقاء الإنسان، وهذا مشاهد محسوس، فبعد أن أصبحت الأنظمة العلمانية الوضعية هي السائدة في العالم أجمع، أصبحت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية تلاحق الإنسان في كل مكان، في الغرب قبل غيره من البلاد، فثبت بذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يضع النظام الصحيح لحياته من عنده، بل يحتاج أن يضعه له من هو ليس بناقص ولا محدود، يعرف الإنسان واحتياجاته أفضل مما يعرفها الإنسان نفسه، لأنه هو الذي خلقه وأنشأه، وخلق وأنشأ الكون الذي يعيش فيه، وهو الله جل وعلا، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾، وهذا النظام الإلهي إذا طُبق سيؤدي إلى سعادة البشرية ورخائها، لأنه النظام الصحيح لها، قال جل وعلا: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يونس، 96].
إذن فالديمقراطية تعطي الشعب حقَّ التشريع ووضع الأنظمة، أما في الإسلام فإن التشريع لله وحده سبحانه وتعالى، وشتان بين الأمرين، فالأول كفر والثاني إيمان!
ثم إن الذين يحصرون مفهوم الديمقراطية في اختيار الحاكم من خلال صناديق الاقتراع ومحاسبته في البرلمان يقزّمون المسألة ويتقزّمون معها، ويُخرجون اللفظ عن معناه الحقيقي الذي حدده له واضعوه، فتعريف الديمقراطية أنها جعل التشريع للشعب يشرع لنفسه ما يريد، أمرًا بدهيًّا عند الغربيين الذين وضعوا هذا النظام ويروجون له، وهو تعريف مكتوب في كل كتبهم ومراجعهم القانونية، ومعلق على جدران المدارس الابتدائية عندهم يلقنونه للأطفال من الصف الأول الابتدائي.
فالديمقراطية تعني أن التشريع ينبثق من الشعب، وليس للدين أو الإرادة الإلهية أي دخل في ذلك، وتعزل الدين في الزاوية أو المسجد، والحديث عن الاستفادة من آليات اختيار الحاكم في الديمقراطية تلاعبٌ بالألفاظ وخروج عن أساس الموضوع، وهذا لا ينطلي على أصحاب الفكر المستنير. فالمفكر العميق يفرق دائماً بين أساس المسألة وآلياتها، والإسلام ليس خالياً من هذه الآليات…
فقد تم اختيار عثمان بن عفان رضي الله عنه بالانتخاب كما هو معلوم، وقد أدار عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هذه العملية للاختيار بين خمسة مرشحين.
إذن فإن ما يسميه بعضهم بـ”الآليات” إنما هي مجرد إجراءات عملية تتم بها عملية اختيار الخليفة قبل أن يُبايَع، وهي مما يجوز أن تأخذ أشكالاً مختلفة، كما حصل مع الخلفاء الراشدين، إذ لم يُلتزم في اختيارهم شكلٌ واحد معيّن، وصندوق الاقتراع هو إجراء عملي لاختيار الخليفة من بين عدد من المرشحين لهذا المنصب، والعمل به ليس معناه تبني الديمقراطية وإيهام الأمة أن الديمقراطية “بضاعتنا رُدّت إلينا”!
إن الديمقراطية ليست شكلاً مدنياً – كالطائرة والصاروخ والإنترنت – لا يخضع لوجهة النظر في الحياة حتى يجوز للمسلمين أخذه من أيٍّ كان بغض النظر عن عقيدته، بل هي نتاج لوجهة نظر معينة تقوم على أساس فصل الدين عن الدولة.
إن الديمقراطية ليست هي كما يقول البعض “التعبير العصري عما نسميه بلغة الفقه والثقافة الإسلامية بالشورى”، وكأن المبدأ الإسلامي قاصر عن وضع المصطلح الصحيح، عدا عن كون اللفظ المستعار منافياً لمعنى الشورى.
فالشورى هي حكم شرعي له تفصيلات تتعلق بتنظيم عملية أخذ الرأي في الدولة الإسلامية في الأمور المباحة، أي التي خيّر فيها الشارع المسلمين بين الفعل أو الترك، وأما الديمقراطية فهي قرار بشري يعطي الشعب حقَّ التشريع وسن القانون الذي يريد، وفي ظلها يتاح للملحد أن يدعو إلى إلحاده، وللعلماني أن يعلن أن الإسلام غير صالح للعصر، وأن القرآن كتاب بشري يمكن نقده… إلى غير ذلك من دعوات الكفر والإلحاد!!
كما أنه ليس معنى رفض الديمقراطية المطالبةَ بالدكتاتورية، فنحن لسنا ديمقراطيين، ولسنا دكتاتوريين، ولا يمكن أن نكون رأسماليين، أو اشتراكيين، ونحن ضد الحرية بالمفهوم الغربي، وكذلك نحن ضد الاستبداد.
فنحن مسلمون، والإسلام هو الأصل وليس البديل، والحاكم في الإسلام ليس دكتاتوراً يحكم بما يريد، بل هو مقيد بالأحكام الشرعية، وهو منصَّبٌ لتنفيذ الشرع، ولا يملك إلا أن يُسَيِّر أعماله حسب الأحكام الشرعية، كما أن طاعته واجبة، إلا أن يأمر بمعصية، فلا طاعة له فيها.
وأنا لا أفهم عن أي ديمقراطية يتحدث الأستاذ عبد السلام… وقد ديست بالأقدام من قبل دعاتها والمروجين لها، وانقلب عليها من كانوا يتغنون بها ويبشرون بها، أم أنه لا يشاهد التليفزيون المصري ورجالاته “الديمقراطيين” الذين أكلوا الديمقراطية وابتلعوها كما كان يؤكل إله العجوة عند الجاهليين، ولا أدري عن أي ديمقراطية يتكلم ويدافع في ظل نظام قمعي أسفر عن انقلاب دموي يقتل من يقتل ويعتقل من يعتقل…، بل ويشن حربا شنعاء على لاعب كرة قدم لمجرد رفعه شعارًا يذكّر النظام بمجازره التي ارتكبها في حق شعبه.
ثالثًا: فارق كبير بين الانقلاب العسكري وطلب النصرة، فطلب النصرة هو حكم شرعي يقوم بموجبه طالب النصرة بطلبها من أجل أن يمكن ليقيم شرع الله تعالى في كيان سياسي تنفيذي هو الدولة، وهذا الحكم لا يتحقق إلا إذا حقق مناط تطبيقه، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال للعباس (لا أجد فيك ولا في أخيك منعة) وطلب النصرة بعدها من القبائل، وهذا يبين لنا كيف يحقَّق مناطُ الحكم، ومن تتبع سيرته عليه الصلاة والسلام في طلبه للنصرة نجده قد طلبها ممن يستطيع أن يمكنه من السلطان والحكم لتطبيق الإسلام، فقد حصر رسول الله طلب النصرة بزعماء القبائل وذوي الشرف والمكانة ممن لهم أتباع يسمعون لهم ويطيعون، لأن هؤلاء هم القادرون على توفير الحماية للدعوة ولصاحبها. أما الانقلاب فإنه ليس حكما شرعيا، والقول أنه بعينه طلب النصرة يعني أنه حكم شرعي وأنه من الطريقة الشرعية التي يجب أن نلتزم بها، فلا بد من أخذ الحكم بالانقلاب، وهذا غير صحيح، إذ إن الانقلاب أسلوب من أساليب أخذ الحكم يقوم به أهل النصرة (وفق ما يرونه باعتبارهم القادرين على إعطاء الحكم) فقد يقول أهل النصرة لطالبها نعطيك الحكم بانقلاب، وقد يقولون له لا حاجة لانقلاب. فالانقلاب وسيلة يقررها أهل النصرة، أي من بيدهم إعطاء الحكم وهم أهل القوة والتأثير في البلد، وقد أعطى الأنصار الرسول عليه الصلاة والسلام النصرة دون أن يقوموا بانقلاب لأنهم كانوا الحكام الفعليين في يثرب.
ولذا لا بد من التركيز على بناء القاعدة الشعبية أو القاعدة الكبرى وإيجاد الرأي العام الكاسح للفكرة في المكان المراد إقامة الدولة فيه، وهذا ما لا يراعيه الانقلاب العسكري، فهو لا يحسب حسابًا للناس ولا لآرائهم، ولا يستند إلى قاعدة شعبية تكونت من خلال وعي عام على الفكرة التي تحرك من أجلها أهل القوة والنصرة، وهي هنا الخلافة.
رابعًا: إن الخلافة التي يسعى لها حزب التحرير هي الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي بشرنا بها رسول الله في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» ثم سكت.
فلا يمكن أن نُتهم بأننا نفتخر “بالخلافات الإسلامية اللا راشدة”، ونعتبر الخلافة العثمانية نموذجًا يُفتخر به، وأنها هي الخلافة التي نسعى لإقامتها، فقد وصفها رسول الله بالملك العضوض، وهذا الوصف لا يأتي في معرض المدح، بل نحن نسعى لإقامة الخلافة الموصوفة في الحديث بأنها على منهاج النبوة، وهي التي آن أوانها وأظل زمانها بعد الملك الجبري الذي عشنا في ظل قهره وطغيانه عقودًا طويلة.
خامسًا: أما القول بأن الخليفة القادم سيكون مستبدًّا ودكتاتورًا، فهذا قول مردود لأن الخليفة مقيد في التبني بالأحكام الشرعية؛ فيحرم عليه أن يتبنى أو يسِنَّ حكماً لم يُستنبط استنباطاً صحيحاً من الأدلة الشرعية، وهو مقيد بما تبناه من أحكام، وبما التزمه من طريقة استنباط، فلا يجوز له أن يتبنّى حكماً استُنبط حسب طريقة تناقض الطريقة التي تبناها، ولا أن يعطي أمراً يناقض الأحكام التي تبناها. وبهذا فإن عينيه ترقب رضى الأمة وسخطها بشكل مستمر، لأنها تراقبه وتحاسبه، لأن ذلك فرض عليها وليس فقط حقا لها، كما توجد أعين أخرى تحاسب وتراقب، هي أعين الأحزاب السياسية التي تقوم على أساس الإسلام، وكذلك مجلس الأمة الذي يقوم على الشورى والمحاسبة، وأخيرا محكمة المظالم التي تنظر في كل القضايا والشكاوى التي ترفع على الحكام بمن فيهم الخليفة.
وتتجلى عظمة مفهوم الحكم في الإسلام في المقولة التالية لعُمير بن سعد، عامل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على حمص، حيث قال وهو على المنبر: “لا يزال الإسـلام منيعاً ما اشتدَّ السُـلطان. وليست شدَّة السُلطان قتلاً بالسيف أو ضرباً بالسَوْط، ولكن قضاءً بالحق وأخذاً بالعدل”.
هذه هي الخلافة التي نريدها وهي التي ستنقذ الأمة من مستنقع الفقر والعوز والفوضى والأزمات المتلاحقة التي وقعت فيها، وهي مشروع الأمة العظيم الذي ستلتف حوله بكل تأكيد، لأنه يشكل حضارة وتاريخ هذه الأمة فضلا عن أنه حكم شرعي واجب الاتباع وبذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيقه.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر