المادة -103-
المادة 103 – جهاز الإعلام دائرة تتولى وضع السياسة الإعلامية للدولة لخدمة مصلحة الإسلام والمسلمين، وتنفيذها، في الداخل لبناء مجتمع إسلامي قوي متماسك، ينفي خبثه وينصع طيبه، وفي الخارج: لعرض الإسلام في السلم والحرب عرضاً يبين عظمة الإسلام وعدله وقوة جنده، ويبين فساد النظام الوضعي وظلمه وهزال جنده.
الإعلام من الأمور المهمة للدعوة والدولة، فهو ليس مصلحةً من مصالح الناس تتبع إدارة مصالح الناس، بل إن موقعها مرتبط مباشرةً مع الخليفة كجهاز مستقل، شأنه شأن أي جهاز آخر من أجهزة الدولة.
إن وجود سياسة إعلامية متميزة تعرض الإسلام عرضاً قوياً مؤثراً، من شأنه أن يحرِّك عقول الناس للإقبال على الإسلام ودراسته والتفكر فيه، وكذلك يسهِّل ضم البلاد الإسلامية لدولة الخـلافة. هذا فضلاً عن أن كثيراً من أمور الإعلام مرتبط بالدولة ارتباطاً وثيقاً، ولا يجوز نشره دون أمر الخليفة. ويتضح ذلك في كل ما يتعلق بالأمور العسكرية، وما يلحق بها، كتحركات الجيوش، وأخبار النصر أو الهزيمة، والصناعات العسكرية. وهذا الضرب من الأخبار يجب ربطه بالإمام مباشرة ليقرر ما يجب كتمانه، وما يجب بثه وإعلانه.
ودليله الكتاب والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) [النساء 83]. وموضوع الآية الأخبار.
وأما السنة فحديث ابن عباس في فتح مكة عند الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وفيه: «وَقَدْ عَمِيَتِ الأَخْـبَارُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَلاَ يَأْتِيهِمْ خَبَرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ يَدْرُونَ مَا هُوَ صَانِعٌ». ومرسل أبي سلمة عند ابن أبي شيبة وفيه: «ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ: جَهِّزِينِي وَلاَ تُعْلِمِي بِذَلِكَ أَحَداً، … ثُمَّ أَمَرَ بِالطُّرُقِ فَحُبِسَتْ، فَعَمَّى عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ لاَ يَأْتِيهِمْ خَبَرٌ». وحديث كعب المتفق عليه في غزوة العسرة وفيه: «وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ غَزْوَةً إِلا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْـتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّـبُوا أُهْـبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْـبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ». وحديث أنس عند البخاري «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَعَيْـنَاهُ تَذْرِفَانِ، حَتَّى أَخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَـتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ».
ومن تطبيقات الراشدين لهذا الحكم ما رواه ابن المبارك في الجهاد، والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب «أنه بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام، وقد تألب عليه القوم، فكتب إليه عمر: سلام عليك، أما بعد، فإنه ما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة إلا جعل الله له بعدها فرجاً، ولن يغلب عسر يسرين، و ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [آل عمران 200]. قال فكتب إليه أبو عبيدة: سلام عليك أما بعد، فإن الله يقول في كتابه: ((اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ)) [الحديد 20] الآية، قال فخرج عمر بكتابه، فقعد على المنبر، فقرأه على أهل المدينة، ثم قال: يا أهل المدينة، إنما يعرِّض بكم أبو عبيدة أن ارغبوا في الجهاد».
ومما يلحق بالأخبار العسكرية أخبار المفاوضات والموادعات والمناظرات التي تجري بين الخليفة أو من يستنيبه وممثلي دول الكفر. ومن أمثلة المفاوضات ما جرى بينه صلى الله عليه وسلم وبين مندوبي قريش في الحديبية، حتى استقر الاتفاق على بنود الصلح. ومن المناظرات المباشرة مناظرته صلى الله عليه وسلم لوفد نجران والدعوة إلى المباهلة. ومناظرة ثابت بن قيس وحسان لوفد تميم بناء على أمره صلى الله عليه وسلم، وغيرها. وكل هذا كان علنياً ولم يكن منه بند سري.
وإنه وإن كـانـت الأنـواع الأخـرى مـن الأخـبـار ليست ذات مساس مباشر بالدولة، وليست مما يتطلب رأي الخليفة المباشر بها، مثل الأخبار اليومية، والبرامج السياسية والثقافية والعلمية، والحـوادث العالمية، إلا أنها تتداخل مع وجهة النظر في الحياة في بعض أجزائها، ومع نظرة الدولة للعلاقات الدولية؛ ومع ذلك فإن إشراف الدولة عليها يختلف عن النوع الأول من الأخبار.
وعليه فإن جهاز الإعلام يجب أن يحوي دائرتين رئيستين:
الأولى: عملها في الأخبار ذات المساس بالدولة، كالأمور العسكرية والصناعة الحربية، والعلاقات الدولية الخ.
ويكون عمل هذه الدائرة المراقبة المباشرة لمثل هذه الأخبار، فلا تذاع في وسائل إعلام الدولة أو الخاصة إلا بعد عرضها على جهاز الإعلام.
والثانية: مختصة بالأخبار الأخرى، وتكون مراقبتها لها غير مباشرة، ولا تحتاج وسائل إعلام الدولة، أو وسائل الإعلام الخاصة، أي إذن في عرضها.