المادة -183-
المادة 183 – الغاية لا تبرر الواسطة، لأن الطريقة من جنس الفكرة، فلا يتوصل بالحرام إلى الواجب ولا إلى المباح. والوسيلة السياسية لا يجوز أن تناقض طريقة السياسة.
إن الله تعالى قد جعل لمعالجة مشاكل الناس أحكاماً كالبيع والإجارة والشركة وغير ذلك، وجعل لتنفيذ هذه المعالجات بين الناس أحكاماً أخرى، كعقاب الغاش بالبيع تعزيراً، وقطع يد السارق حداً. وكذلك جعل لمعالجة المشاكل التي تحصل بين الدولة الإسلامية والدول الكافرة أحكاماً كأحكام المعاهد والمستأمن، وأحكام دار الحرب، وأحكام تبليغهم الدعوة على وجه يلفت النظر، وغير ذلك. وجعل لتنفيذ هذه الأحكام أحكاماً أخرى، كحفظ دم المستأمن وماله مثل حفظ دم المسلم وماله، وكتحريم قتال الكفار قبل تبليغهم الدعوة على وجه يلفت النظر، وهكذا. فالطريقة في الإسلام أحكام شرعية. ولذلك لا يتوصل للنصر بالغدر، ولا يتوصل للفتح بنقض العهد. فكما أن الغاية يجب أن تكون مما أتى به الشرع كذلك يجب أن يكون ما يوصل إلى هذه الغاية مما أجازه الشرع. لأن الغاية والواسطة كل منهما فعل العبد، والذي يجعل هذا الفعل مباحاً أو ممنوعاً هو الدليل الشرعي وليس النتائج التي تنتج عنه ولا الغاية التي يهدف إليها لأن الله يقول: ((وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)) [المائدة 49] لا بما نتج عن الأعمال، أو بما توصل إليه هذه الأعمال، فيكون حكم الواسطة كحكم الغاية هو الدليل الشرعي، أي أن كون الدليل الشرعي هو الذي يقرر إباحة الغاية أو تحريمها دليل على أن الغاية لا تبرر الواسطة، أي لا تجعلها مباحة إذا كان الدليل الشرعي قد جاء بتحريمها. ولذلك لا تجعل الواسطة مباحة لأن غايتها مباحة أو واجبة أو مندوبة، أو لأن غايتها فيها نفع أو خير أو نصر، بل تكون مباحة إذا أباحها الشرع ومحرمة إذا حرمها الشرع. أي يجب أن تُسيَّر بأحكام الشرع. لأن كل فعل من أفعال المسلم يجب أن يسير بالشرع، وأن يكون وفق حكم شرعي. لأن تعريف الحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، فيجب أن تكون جميع أفعال المسلم وفق حكم شرعي. ومن هنا ينكر المسلمون ويستنكرون قاعدة الغاية تبرر الواسطة. صحيح أن الإسلام قد استنبط من أدلته قواعد أعطت الوسيلة الموصلة للغاية حكم الغاية، مثل قاعدة: (الوسيلة إلى الحرام حرام) ومثل قاعدة: (كل فرد مباح إذا أوصل إلى ضرر حرم ذلك الفرد وبقي الشيء مباحاً). ومثل قاعدة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) ولكن هذا إذا كانت الوسيلة مباحة، أو فرضاً، أما إن كانت حراماً فلا تحلها الغاية إن كانت فرضاً أو مباحة، بل تبقى حراماً. ومن هنا كانت الغاية لا تبرر الواسطة، أي الغاية الواجبة أو المباحة لا تجعل الواسطة المحرمة مباحة. وعلى هذا وضعت هذه المادة وكان ذلك دليلها.