إيمانويل فالس وحكومته الفرنسية
لن تخرسهم إلا الخلافة الراشدة على منهاج النبوة
الخبر:
إثر استضافته في برنامج سياسي على فرانس 2 أبدى إيمانويل فالس استياءه من تنامي ظاهرة الزي الإسلامي في فرنسا وتونس، فيما وقع 30 عضوا من نواب مجلس الشعب في تونس على عريضة ضدّ تصريحاته مشددين على ضرورة تقديم فالس اعتذارته حين قال “إن الحجاب مفروض على النساء في تونس مثلما هو الحال في إيران”. فيما نشر بعض رواد مواقع التواصل صورا لنساء من تونس من دون غطاء للرأس حتى يبينوا زيف ادعاءات فالس ومذكرين بأن تونس تُعتبر رائدة في مجال حقوق المرأة في العالم العربي.
التعليق:
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتجرّأ فيها مرشّح انتخابات الرئاسة الفرنسية “إيمانويل فالس” على المرأة المسلمة ويتطاول على لباسها الشرعي وينتقده بانتظام، فقد وصل به الأمر حين كان وزيرا للداخلية أن نعت أحكام الإسلام بالفاشية والظلامية التي استعبدت المرأة المسلمة وخاصة في تونس.
إيمانويل فالس الذي يقارنه كثير من الفرنسيين بالرئيس السابق نيكولا ساركوزي لسلطويته وتشدده ودفاعه المستميت عن العلمانية يضرب في كل مرة بفكرة “الحرية” عرض الحائط ليُبين لفرنسا مهد “الديمقراطية” أن الحريات وهم وخرافة لا يُصدّقها إلا السذّج، فهو يمارس مبدأ العلمانية الانتقامية ويُعلن حربه على الإسلام في إطار مكافحة (الإرهاب والتطرف) وكان من الموقعين وبقوة على قانون حظر البرقع في الشارع الفرنسي، وهو اليوم يُدين ما يحصل من تزايد للزي الإسلامي في تونس ويُبدي تخوّفه من تنامي هذا التيار في الوقت الذي كان فيه هو وحكومته يدعمان النظام الدكتاتوري لابن علي الذي كان يقمع الزي الشرعي والملتزمات به، تحت شعار “فلتذهب الحريات إلى الجحيم حينما يتعلق الأمر باستعمار الشعوب”. هذه التناقضات المبدئية لا يخجل فالس من إبدائها والإفصاح عنها، لأنه لا زال يعتبر تونس وسائر بلدان الشمال الأفريقي، حدائق خلفية لبلاده، ومُستعمَرات بلا سيادة، ومن حق فرنسا المتعجرفة أن تتدخّل في شأنها الخاص والعام، وبعدما رأوه من تصاعد الثورات، صار التخوّف أكبر من خروج تونس عن السيطرة بعد قرن من الاستعمار الفرانكفوني المتوحّش، ممّا جعل من مرشح الرئاسة يتجهّز حتى قبل تسلمه للمنصب، فعوض الحديث عن القضايا المتراكمة لفرنسا والانشغال بالشأن الداخلي المتعثّر، يتجاوز فالس ذلك بالحديث عن المرأة الملتزمة بالزي الشرعي في تونس، حتى يُغطّي عن إفلاسه السياسي المترقب في الداخل بشمّاعة (الإرهاب والتطرّف).
ولم يكن “فالس” ليتجرّأ على تونس وعلى المرأة المسلمة العفيفة الطاهرة لو أنه رأى في حكومتها شوكة أو مهابة، وهكذا هم الأعداء، حينما يأمنون العقاب يسيئون الأدب، وإلاّ فهل يكون الردّ بجمع التواقيع لمطالبته بالاعتذار؟؟!
هذه الردود اليائسة تزيد من تكريس معنى الانهزامية والتبعية والهوان، ولا تعبّر إلا على مدى العجز السياسي للحكومة التونسية وفقدانها لكل معنى سيادي مستقل أمام فرنسا المستعمرة الحاقدة، حتى صارت أعراض المسلمين وأحكام الإسلام تُسَاوَم ببعض التوقيعات المرتعشة لطلب الاعتذار، أو ببعث صور لنساء غير ملتزمات باللباس الشرعي على الفيسبوك لتكذيب زيف الادعاءات وبيان مكاسب المرأة، في الوقت الذي تفرح فيه فرنسا أكثر بأن نجحت في اختطاف المرأة المسلمة وهتك سترها والتفريط في حكم شرعي عظيم نعتبره في الإسلام خطّا أحمر لا يُغفَر لمن يحاول العبث به، فالمرأة المسلمة عرض يجب أن يُصان وصيانته واجب على الفرد والمجتمع والدولة… ولا تكافؤها اعتذارات ولا مُساومات، ففرنسا لن تُخرسها إلا دولة عظيمة وحاكم عظيم يُحيي سيرة المعتصم بالله حينما حرّك الجيش العرمرم لصرخة امرأة مسلمة لطمت على وجهها.
أما ما يظنه البعض مكسبا للمرأة، فهو في أصله هزيمة فكرية وتشريعية كرّستها ديكتاتورية بورقيبة حيث اعتبر منع غطاء الرأس انتصارا ومكسبا ضد الإسلام وليس ضد الاستعمار، ورهانه كان على المرأة المسلمة العفيفة في تونس بدعم قوي ومباشر من فرنسا، لكنه خسر الرهان إذ لم تقدر سياسته ولا سياسة أسياده أن تفصل المرأة في تونس عن أحكام ربها رغم وهم الحداثة والحرية ورغم القمع والتنكيل.
أما مجلس الشعب وعريضة التوقيعات فلا تمثل إرادة الشعب ولا مواقفه، لأن حسابه مع فرنسا لا يقبل التفاوض والحوار والاعتذار، بل هو حساب حضاري قديم، على الدين والدماء والأعراض والأنفس والثروات… وإن كانت فرنسا تحكم قبضتها على الحكومة في تونس وتستضعفها، فالشعب عصيّ عليها وهو لن ينسى إجرامها ووحشيتها، ولن يغفر لها عشرات السنين من الاستعمار والقهر والظلم، وهذا التعجرف الحاقد لن يُخرسه إلا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وجيوشها المزلزلة التي ستعيد فرنسا إلى حجمها الأصلي صاغرة ذليلة وتدفن حضارة “الفرانكفونية” في عقر بيتها.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ، ولا وَبَرٍ، إلَّا أدخله الله كلمة الإسلام، بِعزِّ عَزِيزٍ، أو ذُلِّ ذَلِيلٍ، إمَّا يُعِزُّهم الله، فيجعلهم من أهلها، أو يُذِلهُّم، فيدينون لها».
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين بوظافري