حوار مفتوح حول دستور دولة الخلافة المادة 24-31
حوار مفتوح:
حوار مفتوح حول دستور دولة الخلافة
الخليفة
المادة 24: رئيس الدولة هو الذي ينوب عن الأمة في السلطان وفي تنفيذ الشرع.
شرح المادة:
الخلافة رئاسة عامة للمسلمين في الدنيا، لإقامة أحكام الشرع، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. والذين ينصبون من يتولى هذه الرئاسة، أي ينصب الخليفة، إنما هم المسلمون. ولما كان السلطان للأمة وتنفيذ الشرع واجباً على المسلمين، وكان الخليفة رئيساً لهم، لذلك كان واقعه أنه نائب عنهم في السلطان، وفي تنفيذ الشرع، ولذلك لا يكون خليفة إلا إذا بايعته الأمة، فبيعتها له دليل على أنه نائب عنها، ووجوب طاعته دليل على أن هذه البيعة التي يتم بها انعقاد الخلافة له قد أعطته السلطان، وهذا يعني أنه نائب عنها في السلطان. وعلى هذا الأساس وضعت هذه المادة.
المادة 25: الخلافة عقد مراضاة واختيار، فلا يجبر أحد على قبولها، ولا يجبر أحد على اختيار من يتولاها.
شرح المادة:
ودليلها هو دليل أي عقد شرعي يتم بين عاقدين، لأنها عقد شرعي كسائر العقود، وفوق ذلك فإن حديث الأعرابي الذي بايع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جاء يطلب منه إقالة بيعته فرفض الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك دليل على أن الخلافة عقد.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن أعرابياً بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأصابه وعك فقال: اقلني بيعتي، فأبى ثم جاء فقال: اقلني بيعتي، فأبى، فخرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها».
ولما كانت البيعة بالخلافة بيعة على الطاعة لمن له حق الطاعة من ولاية الأمر، فإنها تكون عقد مراضاة واختيار، فلا تصح بالإكراه، لا بإكراه من يبايع، ولا بإكراه الذين يبايعون، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»، وهذا عام في كل عقد من العقود ومنها عقد الخلافة. فكل عقد جرى عقده بالإكراه فهو باطل، لأنه لم ينعقد. وكذلك الخلافة لا تنعقد بالإكراه كسائر العقود.
وكذلك لا تتم الخلافة إلا بعاقدين كأي عقد من العقود، فلا يكون أحد خليفة إلا إذا ولاه أحد الخلافة، فإذا نصب أحد نفسه خليفة دون بيعة من تنعقد الخلافة ببيعتهم لا يكون خليفة، إلا إذا بايعوه عن رضا واختيار فإنه يصبح خليفة بعد البيعة، أما قبلها فلا. فإذا اكرههم على البيعة لا يكون خليفة بهذه البيعة التي أخذت بالإكراه، ولا تنعقد له الخلافة بها. لأنها عقد لا ينعقد بالإكراه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وما رفع يعد باطلاً.
وأما السلطان المتغلب الذي يستولي على الحكم بالقوة فإنه لا يكون خليفة بمجرد استيلائه على السلطة بالقوة، ولكنه يصبح حاكماً، وفي هذه ينظر فإن كان الخروج عيه وإرجاع السلطان للأمة لا يوجد فتنة بين المسلمين فإنه يخرج عليه ويعاد السلطان للأمة، لأنه يعتبر مغتصباً للسلطان من الأمة وعمله هذا منكر تجب إزالته، وتكون إزالته فرض كفاية على الأمة.
وإن كان الخروج عليه لإعادة السلطان للأمة يوجد فتنة دامية في البلاد فإنه لا يجوز الخروج عليه، لأن وقوع الفتنة بين المسلمين حرام، فما يؤدي إليه كان حراماً، عملاً بقاعدة «الوسيلة إلى الحرام حرام» وحينئذ تجب طاعته ويجب الجهاد معه دفعاً للفتنة. إلا إذا لم يقم الصلاة أو ظهر الكفر البواح، أي إلا إذا لم يحكم بالإسلام فحينئذ يجب قتاله لإعادة حكم الإسلام، قال في الفتح: «وقد اجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث أ هـ».
وعلى أي حال يظل أميراً، ولا يصبح خليفة إلا إذا أخذ البيعة من الناس عن رضا واختيار دون أي إكراه. وهذا معنى قول المادة: الخلافة عقد مراضاة واختيار.
المادة 26: لكل مسلم بالغ عاقل رجلاً كان أو امرأة الحق في انتخاب رئيس الدولة وفي بيعته، ولا حق لغير المسلمين في ذلك.
شرح المادة:
إن واقع الخلافة دليل على أن لكل مسلم الحق في انتخاب الخليفة وبيعته، إذ جاءت الأحاديث تدل على أن المسلمين هم الذين يبايعون الخليفة، الرجال والنساء سواء، فعن عبادة بن الصامت قال:: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم…» الحديث، وعن أم عطية قالت: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم…» الحديث، وقال عبد الرحمن بن عوف حين وكل إليه أخذ رأي المسلمين فيمن يكون خليفة: «ما تركت رجلاً ولا امرأة إلا أخذت رأيه» ولم ينكر عليه أحد من الصحابة. فلكل مسلم رجلاً كان أو امرأة الحق في انتخاب الخليفة وبيعته، أما غير المسلم فلا حق له في ذلك لأن البيعة على الكتاب والسنة وهو لا يؤمن بهما فإن آمن بهما كان مسلماً.
المادة 27: إذا تم عقد الخلافة لواحد بمبايعة من يتم انعقاد البيعة بهم تكون حينئذ بيعة الباقين بيعة طاعة لا بيعة انعقاد فيجبر عليها كل من يلمح فيه إمكانية التمرد.
شرح المادة:
ودليلها ما حصل في بيعة الخلفاء الأربعة، لأنه إجماع من الصحابة. ففي بيعة أبي بكر اكتفي بأهل الحل والعقد في المدينة وحدها، وكذلك الحال في بيعة عمر، وفي بيعة عثمان اكتفي بأخذ رأي المسلمين في المدينة وبيعتهم، وفي بيعة علي اكتفي ببيعة أكثر أهل المدينة وأكثر أهل الكوفة، مما يدل على أنه لا ضرورة لبيعة جميع المسلمين حتى تنعقد الخلافة، بل يكفي بيعة أكثر الممثلين لهم. وأما الباقي فإذا بايع فإنما يبايع على الطاعة. وأما إجبار من يلمح منه التمرد على البيعة بعد بيعة أكثر الممثلين فهو إصرار سيدنا علي على معاوية أن يبايع ويدخل فيما دخل فيه الناس، وإجباره لطلحة والزبير على بيعته، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك، مع نصيحة بعضهم له أن لا يعزل معاوية عن ولاية الشام وسكوت الصحابة عن عمل أحدهم إذا عمل ما ينكر مثله، كالإجبار على البيعة وهي عقد مراضاة واختيار، يعتبر إجماعاً سكوتياً، ويكون دليلاً شرعياً.
المادة 28: لا يكون أحد خليفة إلا إذا ولاه المسلمون، ولا يملك أحد صلاحيات رئاسة الدولة إلا إذا تم عقدها له على الوجه الشرعي كأي عقد من العقود في الإسلام.
شرح المادة:
ودليلها كون الخلافة عقد مراضاة واختيار. لأن كونها عقداً يجعلها لا تتم إلا بعاقدين، فلا يكون أحد خليفة إلا إذا ولاه إياها من يتم انعقادها بهم شرعاً، فإذا نصب أحد نفسه خليفة دون بيعة من تنعقد الخلافة ببيعتهم لا يكون خليفة. حتى تجري بيعته بالرضا والاختيار ممن تنعقد بهم. فكون الخلافة عقداً يقتضي وجود عاقدين، استكملت في كل منهم الأهلية الشرعية، لتولي العقد وإتمامه.
المادة 29: يشترط في القطر أو البلاد التي تبايع الخليفة بيعة انعقاد أن يكون سلطانها سلطاناً ذاتياً يستند إلى المسلمين وحدهم لا إلى أي دولة كافرة، وأن يكون أمان المسلمين في ذلك القطر داخلياً وخارجياً بأمان الإسلام لا بأمان الكفر. أما بيعة الطاعة فحسب من البلاد الأخرى فلا يشترط فيها ذلك.
شرح المادة:
ودليلها هو امتناع أن يكون للكفار سلطان على المسلمين مصداقاً لقوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) فإذا وجد سلطان للكفار على قطر من الأقطار الإسلامية لا يحقق لذلك القطر أن يقيم خليفة، لأنه بإقامة خليفة إنما يقيم سلطاناً، وهو أي ذلك القطر لا يملك السلطان، فلا يعطيه. وسلطانه سلطان كفر، ولا يقوم الخليفة بواسطة سلطان الكفر.
هذا من حيث السلطان، أما من حيث الأمان فإن دليله هو دليل دار الكفر ودار الإسلام، فإن إقامة الخليفة إنما هي لجعل الدار إسلام. ولا تكون الدار دار إسلام بمجرد إقامة حكم الإسلام بل لا بد أن يكون أمانها بأمان الإسلام لا بأمان الكفر. لأن الدار حتى تكون دار إسلام يشترط أن يجتمع فيها أمران: أحدهما أن تحكم بالإسلام والثاني أن يكون أمانها بأمان الإسلام لا بأمان الكفر.
المادة 30: لا يشترط فيمن يبايع للخلافة إلا أن يكون مستكملاً شروط الانعقاد ليس غير، وإن لم يكن مستوفياً شروط الأفضلية، لأن العبرة بشروط الانعقاد.
شرح المادة:
ودليلها هو الأدلة التي وردت في صفات الخليفة فقد وردت في صفاته أدلة كان الطلب فيها طلباً جازم كقوله عليه السلام: «إن هذا الأمر في قريش» فإنه إخبار بتضمن الطلب فإذا قرن ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين عرض نفسه على قبيلة عامر بن صعصعة وقالوا له: «أيكون لنا الأمر من بعدك» قال: «إن الأمر لله يضعه حيث يشاء» فإنه يدل على أن الطلب غير جازم، وأيضاً فإن الرسول حين ذهب إلى تبوك ولىّ مكانه محمد بن مسلمة، وقد ولاه خليفة له لبينما يرجع من المعركة ولم يوله والياً على المدينة، وهو ليس من قريش فدل على أن الطلب غير جازم.
ووردت في صفاته أدلة كان الطلب فيها طلباً جازماً كرفضه صلى الله عليه وسلم أن يبايعه صبي حين رفض بيعة عبد الله بن هشام، وعلل ذلك لصغره. فإنها دليل على أنه يشترك في الخليفة أن يكون بالغاً، لأنه إذا كانت البيعة لا تصح من الصبي فمن باب أولى أنه لا يصح أن يكون الصبي خليفة.
فما ورد من الصفات بصيغة الطلب الجازم تعتبر شرطاً في انعقاد الخلافة له، وما عداها لا يشترط حتى ولو ورد فيها نص ما دام الطلب فيه غير جازم.
المادة 31: يشترط في الخليفة حتى تنعقد له الرئاسة ستة شروط وهي أن يكون: رجلاً، مسلماً، حراً، بالغاً، عاقلاً، عدلاً.
شرح المادة:
فقد بيّنت هذه المادة الشروط التي يجب أن يستكملها الخليفة حتى تنعقد الخلافة له. ودليل هذه الشروط بالقرائن التي صحبت الطلب دليل جازم، فإن دليل اشتراط أن يكون الخليفة رجلاً هو ما روي عن الرسول عليه السلام أنه لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» فهذا الحديث فيه نهي جازم عن تولية المرأة رئاسة الدولة، لأن التعبير بـ «لن» يفيد التأبيد، وهو مبالغة بنفي الفلاح، وفيه كذلك الذم، فيكون طلب ترك أن يكون الخليفة امرأة طلباً جازماً، ولهذا يشترك فيه أن يكون رجلاً.
وأما شرط أن يكون مسلماً فلقوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وهو كذلك فيه نهي جازم لأن التعبير بـ «لن» التي تفيد التأبيد، وهو إخبار بمعنى الطلب، وما دام الله قد حرم أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيل فإنه يحرم أن يجعلوه حاكماً عليهم، إذ الحكم أعظم سبيل على المسلمين. وأيضاً فإن الخليفة هو ولي الأمر، والله تعالى قد اشترط أن يكون ولي الأمر مسلماً قال تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) وقال: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ) ولم ترد في القرآن كلمة أولي الأمر إلا مقرونة بأن يكونوا من المسلمين فدل على أن ولي الأمر يشترط فيه أن يكون مسلماً، ولما كان الخليفة هو ولي الأمر وهو الذي يعين أولي الأمر فإنه يشترط فيه أن يكون مسلماً.
وأما شرط أن يكون حراً فلأن العبد مملوك لسيده فلا يملك التصرف بنفسه، ومن باب أولى أن لا يملك التصرف بغيره، فلا يملك الولاية على الناس.
وأما شرط أن يكون بالغاً فلما روي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المبتلى حتى يعقل» ومن رفع القلم عنه لا يصح أن يتصرف في أمره، فلا يصح أن يكون خليفة. وأيضاً فقد روي عنه لا يصح أن يتصرف في أمره، فلا يصح أن يكون خليفة. وأيضاً فقد روي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعوذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان» ففيه دليل أنه لا يصح أن يكون الخليفة صبياً، وأيضاً فقد حدث أبو عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وذهبت به أمه زينب ابنة حميد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله بايعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هو صغير فمسح رأسه ودعا له» وما دام الصبي لم يجز منه أن يبايع فعدم جواز أن يبايع من باب أولى.
وأما شرط أن يكون عاقلاً فلحديث علي المار «رفع القلم عن ثلاث…»، إلى أن يقول: «والمبتلى حتى يعقل» وفي رواية «والمجنون حتى يفيق» ومن رفع عنه القلم لا يصح أن يتصرف في أمره، فلا يصح أن يكون خليفة يتصرف في أمور الناس.
وأما شرط أن يكون عدلاً فلأن الله تعالى اشترط في الشاهد أن يكون عدلاً قال تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ) فمن هو أعظم من الشاهد وهو الخليفة من باب أولى أنه يلزم أن يكون عدلاً، لأنه إذا شرطت العدالة للشاهد فشرطها للخليفة من باب أولى.