ما معنى تطبيق الشريعة؟!!
شريعة الإسلام ليست هي مجرد حدود تقام، أو نظام عقوبات يطبق على الناس، فالإسلام قبل ذلك كله هو نظام رعاية، فقبل أن تقيم الدولة حدًا على أحد من رعيتها تنظر لماذا فعل الجريمة وما الذي دفعه ذلك، وتعمل على إزالة أسبابها وكل ما يثيرها أو يدفع إليها، فتصوير الشريعة الإسلامية على أنها مجرد تطبيق العقوبات، وجعل ذلك حصرا هو تطبيق الإسلام في الواقع وفي الأذهان، هو خطأ قاتل وإساءة للإسلام، وليس فهما صحيحا له.
ومما يجب أن يُلفت النظر إليه أن اعتناق العقيدة الإسلامية معناه الإيمان بكافة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إجمالا وما ثبت بالدليل القطعي تفصيلا، وأن يكون تقبل ذلك عن رضا وتسليم. ويجب أن يعلم أن مجرد المعرفة لا يغني، وأن التمرد على أصغر شيء ثابت يقينا من الإسلام يخرج الشخص من الإسلام ويفصله عن العقيدة. والإسلام هو كلٌّ غير قابل للتجزية من حيث الإيمان والتقبل ،فلا يجوز في الإسلام إلا أن يُتقبَّل كاملا، والتنازل عن بعضه كفر، ومن هنا كان الاعتقاد بفصل الدين عن الحياة أو بفصله عن الدولة كفرا صراحا. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾.
والشريعة هي مجموعة الأحكام الشرعية العملية التي جاء بها الوحي كتابا وسنة وما أرشدا إليه بدليل قطعي من إجماع الصحابة والقياس الشرعي، سواء وردت هذه الأحكام في تلك المصادر بطريقة قطعية أو بغلبة الظن فكلها توجب العمل بالحكم الشرعي والتسليم به، ولا يشترط في ثبوت الشريعة أو الأحكام الشرعية القطع بل يكفي في ثبوت الحكم الشرعي غلبة الظن، فقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على وجوب العمل بخبر الأحاد وبالدليل الأقوى الراحج وترك المرجوح وساروا على ذلك في أقضيتهم وأثناء حكمهم في دولة الخلافة الراشدة، علاوة على كثير من الأدلة التي توجب أخذ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والتزام طريقته وسنته.
فالإسلام عقيدة عقلية انبثق عنها نظام، بل نظام شامل متكامل لا يغني تطبيق بعضه دون بعض وهو كل غير قابل للتجزئة من حيث الإيمان والتقبل، كما لا يغني أخذه كمجرد أنظمة وقوانين دون أخذه مع العقيدة الإسلامية التي انبثق عنها، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وقال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾.
ففي الإسلام أنظمة وحلول لكل مشكلات الحياة، فمن خلال استقراء النصوص الشرعية نجد أن الإسلام فيه (نظام حكم، ونظام اقتصادي، ونظام اجتماعي، وسياسة خارجية وسياسة التعليم…، فهو يحوي أنظمة المعاملات والعقوبات وليس هو مجرد نظام عقوبات فقط).
كما أن الإسلام نظام رعاية للناس، أحكام الرعاية فيه كالبستان، فيها كل ما يحقق السعادة للرعية، والعقوبات فيه هي سور ذلك البستان، فإذا قمنا بإيجاد السور فقط فهذا يعد مجرد سجن للبشرية يجعلها تضيق منه دون أن تشعر بالسعادة، أما إن قمنا بإيجاد البستان وحميناهُ بسورِ العقوبات لكل من يحاول هدمه أو تجاوزه أو تنغيص حياة الناس فيه ومخالفة النظام العام، فإن هذا يعد هو التطبيق الصحيح الذي يحافظ على المجتمع وعلى أمن الناس وسعادتهم.
وهناك حاجات أساسية للأفراد كالمأكل والملبس والمسكن وهناك حاجات أساسية للمجتمع منها التعليم والتطبيب والأمن والكرامة… الخ، ويجب على الدولة توفير تلك الحاجات للرعية وتمكين كل فرد من أفراد الرعية من إشباع الحاجات الأساسية إشباعا كليا، والعمل قدر المستطاع على تمكينه من إشباع الكماليات اللازمة له.
فلا يعقل أن تقوم الدولة (بمعاقبة الزاني مثلا) مع أن البارات والمراقص وأسباب الجريمة التي تثير الغرائز، قائمة ومقننة ومحمية كما هو في البلاد الإسلامية في ظل الأنظمة الوضعية والحكام العملاء! أو أن (تقطع يد السارق) مع أن الفقر والعوز والمجاعة، تضرب أطنابها بين المسلمين، ولا أدل على ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا قطع في زمن مجاعة»!!! أي لا تقطع يد سارق في زمن مجاعة، ومن المعلوم أن الحدود تدرأ بالشبهات، فتأملوا رعاكم الله أيها المسلمون نعمة الإسلام ورحمته وعدله؟!!
فمن كان يريد تطبيق الإسلام على الرعية فعليه أولا إقامة دولة إسلامية حقيقية تملك سلطانا وأمانا من المسلمين يكون إقامة السلطان فيها منهم برضاهم واختيارهم، وحمايته ذاتية بقوة أهل القوة منهم، إن اشتراط الحكم والأمان في الدار لتكون دار إسلام هي شروط جوهرية وواجب تحقيقها، فدار الحرب لا تقام فيها الحدود لانعدام الحكم والأمان فيها وهذا أيضا يدل على أن تطبيق الشريعة ليس مجرد نظام عقوبات فقط؟!
وفقنا الله وإياكم للعمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وحقق ذلك عما قريب إنه سميعٌ مجيب.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المؤمن الزيلعي
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن