هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – طريقة إقامة الدولة متعبّد بإقامتها لأنها حكم شرعي
هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
(الحلقة التاسعة – طريقة إقامة الدولة متعبّد بإقامتها لأنها حكم شرعي)
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا
طريقة إقامة الدولة مُتَعَبَّدٌ بإقامتها لأنها حكم شرعي!:
الفقرة الثانية من كلام الدكتور المطيري قال فيها:
“2- كما إن القول بأن إقامة الخلافة عبادة كإقامة الصلاة، مجرد رأي لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، فالخلافة فرض واجب كفروض الكفايات التي لا تعبد في طريقة أدائها، وإنما التعبد في أدائها وإقامتها بذاتها، وهي في ذلك كالأمر بالمعروف، والجهاد في سبيل الله، فليس هناك طريقة محددة للأمر بالمعروف، ولا كيفية معينة، بل الواجب إزالة المنكر بكل وسيلة يستطيعها المكلف، فالمقصود إقامة هذه الواجبات، أما كيفية أدائها فهذا تركه الشارع للمكلف، يستعمل من الطرق والوسائل ما يحقق به مطلوب الشارع، فإذا دهم العدو أرض الإسلام وجب على الأعيان دفعه عنها بكل وسيلة وطريقة يمكنهم دفعه بها، إذ المقصود إخراج العدو، دون النظر إلى كيفية تحقق هذا المطلوب، ولم يقل أحد قط بأن فريضة الجهاد عبادة كالصلوات يجب الالتزام بأدائها على نحو محدد وطريقة معينة[1] لا تسوغ إلا بها!” انتهى
أقول وبالله التوفيق:
عمل حزب التحرير
حتى نتمكن من إيضاح الحكم الشرعي المتعلق بطريقة إقامة الدولة الإسلامية، جريا على طريقة المجتهدين في استنباط الأحكام الشرعية، فلا بد لنا من فهم واقع الدولة ما هو، وواقع الأعمال التي تصب في تغيير الدولة من دولة كفر إلى دولة إسلامية، ومن ثم فهم الأعمال التي قام بها الرسول ﷺ في دعوته المكية والمدنية قبل إقامة الدولة، ثم ننزل هذه الأعمال على الواقع المبحوث فنأصل ونستنبط طريقة إقامة الدولة بشكل شرعي، وهو المطلوب.
من المعلوم عند من يدرس ثقافة حزب التحرير أن غاية الحزب التي قام من أجل تحقيقها هي: حمل الدعوة الإسلامية لاستئناف الحياة الإسلامية، (أما استئناف الحياة الإسلامية فهو عودتها بعد انقطاع، واستخدمت كلمة استئناف ولم تستخدم كلمة إيجاد وذلك للإيحاء بأن الحياة الإسلامية كانت موجودة ولكنها انقطعت ونحن بصدد استئنافها[2]، ومفهومها: أن يُسَيِّرَ الناس علاقاتهم وسلوكهم بأحكام الإسلام على أساس العقيدة الإسلامية، فيعود لهم سلطانهم الذي اغتصب منهم، ويحتكموا إلى الإسلام بإعطاء سلطانهم لولي أمرهم، فيرعى الإمام شؤونهم بأحكام الإسلام، وهي دعوة لإيجاد الإسلام في واقع الحياة، وليست دعوة لاعتناق الإسلام[3])، عن طريق إقامة دولة الخلافة التي تضع أحكام الإسلام موضع التطبيق، (أما الدولة فهي الطريقة الشرعية لاستئناف هذه الحياة الإسلامية، فهي (أي الحياة الإسلامية) لا يمكن أن تُستأنف وتُوجَد من جديد إلا بكيان سياسي تنفيذي يقوم على أساس العقيدة الإسلامية، ويطبق أحكام الإسلام عملياً في الواقع، وهذا الكيان هو الدولة[4]). فيتمكن الدين، وتغدو أحكام الإسلام هي الظاهرة في الدولة والمجتمع، ويأمن المجتمع بأمان الإسلام، وتنقلب الدارُ فيها دارَ إسلام.
دار الإسلام ودار الكفر
مصطلح دار الإسلام ودار الكفر فقهيا هما نظير دولة الإسلام ودولة الكفر سياسيا
ابتداء لا بد من الإشارة إلى أن “دار الكفر أو دار الشرك أو دار الحرب”، كلها ذات معنى واحد، ودار “الإسلام ودار الهجرة” بمعنى واحد.[5]
لقد امتلأت أمهات كتب الفقه بأبحاث متعلقة بدار الإسلام ودار الكفر، وأفرد لها جهابذة فقهاء الأمة أبوابا وفصولا ونقاشات بحثوا أحكامها التفصيلية، ولعل مصطلح الدولة الإسلامية ودولة الكفر اليوم يمثلان النظير لمصطلحي دار الإسلام ودار الكفر عند الفقهاء! فحين نبحث في أحكام إقامة دولة الإسلام[6]، فإننا لا بد سنرجع لأحكام دار الإسلام ودار الكفر!
وإنه لمن الطبيعي حين نبحث في أحكام تغيير أنظمة الحكم أن نبحث الأحكام السلطانية، وحين بحث الفقهاء المسلمون الأحكام المتعلقة بالحكم، (الأحكام السلطانية)، مثل أحكام السلطان (وما يتفرع عنه من بحث البيعة، وصلاحيات الخليفة، وأجهزة الدولة…)، والأمان، (أهو أمان ذاتي بقوة المسلمين أم بغير قوتهم)، وتطبيق الأحكام، لم يجدوا بداً من تأطير البحث بإطار: واقع دار الإسلام ودار الكفر،
وتعريف دار الإسلام في الفقه: دَارُ الْإِسْلَامِ هِيَ: كُلُّ بُقْعَةٍ تَكُونُ فِيهَا أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: هِيَ كُلُّ أَرْضٍ تَظْهَرُ فِيهَا أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ – وَيُرَادُ بِظُهُورِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ: كُلُّ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ غَيْرِ نَحْوِ الْعِبَادَاتِ كَتَحْرِيمِ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ [7]، ومعنى ظاهرة: أي أن أحكام الإسلام هي العليا في المجتمع، أي أنها هي الأعراف في المجتمع، وما خالفها تكون في نظر المجتمع منكرات، بالمقابل دار الحرب أو دار الكفر: وهي كل بقعة تكون فيها أحكام الكفر ظاهرة[8].
يؤخذ مفهوم دار الإسلام “من الآية التي يَعِدُ فيها رب العزة سبحانه المؤمنين بالإستخلاف، ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، فتمكين الدين: سيادته وتطبيقه، والأمن بعد الخوف: معطوفان على الاستخلاف في الأرض، من باب عطف الخاص على العام، لأن الإستخلاف في الأرض ومنه الحكم بالإسلام، لمن آمن وعمل صالحا، من مستلزماته وجود الأمان وتمكين الدين أي تطبيقه وظهوره وسيادته، وهما الأمران اللازمان للدار لتكون دار إسلام”.[9]
فالآية: بينت معالم دار الإسلام: وهي تمكين للدين، تتمثل بسيادة أحكام الإسلام؛ وتتمثل في توحيد الله في العبادة فلا مصدر للتشريع غير الذي من لدنه جل وعلا، وأمان بعد خوف، ومفهوم الدار يؤخذ أيضا من الحديث الشريف: «عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمّ َادْعُهُمْ إِلَى الإسلام فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ[10]) الحديث، وفي رواية أبي داود وأحمد: « ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا وَاخْتَارُوا دَارَهُمْ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُوا كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ»، بداية: غُزيت دارهم لأنها دار كفر، ثم عرض عليهم الإسلام فأسلموا، فهؤلاء أسلموا وتميز وضعهم بوجود دار لهم، أمروا بالتحول عنها أو ضمها لدار الإسلام، أي أن تخضع لسلطان الإسلام، وتتبع الدولة الإسلامية، وتطبق فيها أحكامه ويكون أمانها بأمان الدولة الإسلامية، فيترتب على ذلك حقوق معينة تميزهم عن أعراب المسلمين الذين لا يعيشون في دار الإسلام.
ونستنبط من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ الأنفال 72، أن الله تعالى ميز بين المؤمنين من مهاجرين وأنصار بعضهم أولياء بعض، وبين من آمن ولم يهاجر، فليس له حق الولاية حتى يهاجر، إلا النصر في الدين، وقد قسمت الآيات من 72- 75، المؤمنين أربعة أقسام:
1- من هاجر الهجرة الأولى،﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ﴾،
2- ﴿وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ﴾،
3- ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ﴾،
4- ﴿وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ﴾.
ولا شك أن الهجرة هي الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام، وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين مشركين، قالوا يا رسول الله ولم؟ قال لا تتراءى ناراهما» فالهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام باقية لم تنقطع. وأما ما روي من قوله ﷺ: «لا هجرة بعد فتح مكة» وقوله: «لا هجرة بعد الفتح» وقوله: «قد انقطعت الهجرة ولكن جهاد ونيَّة» وأمثال هذه الأحاديث فهي معللة بعلة شرعية تستنبط من الحديث نفسه، إذ قوله: «بعد فتح مكة» جاء على وجه يتضمن العلية، ويؤيد ذلك ما رواه البخاري عن عائشة، وسئلت عن الهجرة فقالت: «لا هجرة اليوم كان المؤمن يفر بدينه إلى الله ورسوله مخافة أن يفتن. فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، والمؤمن يعبد ربه حيث يشاء» مما يدل على أن الهجرة كانت من المسلم قبل الفتح فراراً بدينه مخافة أن يفتن، ونفيت بعد الفتح لأنه صار قادراً على إظهار دينه والقيام بأحكام الإسلام. فيكون الفتح الذي يترتب عليه ذلك هو علة نفي الهجرة وليس فتح مكة وحدها. ويؤيد ذلك ما روى أحمد من طريق معاوية قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب» وروى أحمد أيضاً عن النبي ﷺ أنه قال: «إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد» وفي رواية أخرى عنه «لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار» فدل ذلك على أن الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام باقية لم تنقطع[11]. وعليه فالآيات والأحاديث تبين بوضوح التمييز بين دار الإسلام التي تظهر فيها أحكام الإسلام وأمانه وبين دار الكفر.
قال المالكية، والحنابلة، وصاحبا أبي حنيفة ( أبو يوسف، ومحمد ): تصير دارُ الإسلامِ دارَ كفرٍ بظهورِ أحكامِ الكفرِ فيها. وذهب أبو حنيفة والزيدية إلى أنه لا تصير دارَ كفرٍ إلا بثلاث شرائط:
1 – ظهور أحكام الكفر فيها.
2 – أن تكون متاخمة لدار الكفر.
3 – أن لا يبقى فيها مسلم، ولا ذمي آمنا بالأمان الأول، وهو أمان المسلمين[12].
ووجه قول أبي حنيفة: أن المقصود من إضافة الدار إلى الإسلام والكفر ليس هو عين الإسلام والكفر، وإنما المقصود هو:
الأمن، والخوف، ومعناه: أن الأمن إن كان للمسلمين في الدار على الإطلاق والخوف لغيرهم على الإطلاق فهي دار إسلام، وإن كان الأمن فيها لغير المسلمين على الإطلاق والخوف للمسلمين على الإطلاق فهي دار كفر، فالأحكام عنده[13] مبنية على الأمان والخوف، لا على الإسلام والكفر، فكان اعتبار الأمن والخوف أولى.[14]
قال الدكتور وهبة الزحيلي:” وقال الصاحبان (صاحبا أبي حنيفة) وجمهور الفقهاء: ينقلب وصف الدار أو يتحول من دار إسلام إلى دار حرب بإجراء أحكام الشرك فقط، وقال الزحيلي: وهذا يدل على أن زوال الدولة الإسلامية[15] يحدث بزوال سيادة الأحكام والسلطة الإسلامية وهو الأمر الغالب”.[16]
من هنا تم استنباط اصطلاح دار الإسلام، ودار الكفر أو دار الحرب، فتكون إضافة الدار للإسلام، أو للكفر، أو للحرب هي إضافة للحكم والسلطان، لا إضافة إلى السكان، فإن كان غالبية الرعية من المسلمين، ولم يتحقق الأمان أو لم تتحقق رعاية الشئون وفقا لأحكام الإسلام، فالدار تسمى دار كفر؛ وإن بقي وصف سكانها بالإسلام،
وبطبيعة الحال ظل الناس مسلمين وإن كانوا تحت ظل حكم الكفر. ومن ذلك يتبيّن أن اعتبار الدار لا بدّ أن يتحقق فيها السلطان لمن تنسب إليه. والمقصود بالسلطة هي السيطرة والتمكن والقهر والتحكم، ومنه مصطلح( السلطان) وهو من له ولاية التحكم والسيطرة في الدولة، فإن كانت سلطته قاصرة على ناحية خاصة فليس بخليفة، وإن كانت عامة فهو الخليفة.[17]
ومن ذلك يتبيّن أن اعتبار الدار لا بدّ أن يتحقق فيه السلطان لمن تنسب إليه.
[1] سوف نأتي على تفصيل هذه الأحكام بعد قليل ان شاء الله، ونقول هنا على عجالة: يوجد طريقة لهذا الجهاد أي جهاد الطلب وهي واجبة الإتباع ولها ثلاث مراحل كما هو معروف ومشهور من السنة وهي دعوة الناس إلى الإسلام ثم دفع الجزية ثم القتال ولا يمكن إنكار ذلك ويكفي استئناسا ذكر حادثة فتح سمرقند وحكم قاضي المسلمين زمن عمر بن عبد العزيز بخروج جيش المسلمين منها، إذ لم يلتزموا هذه الطريقة، للاستدلال على وجوب اتباع هذه الطريقة.
[2] أبو الحارث نور الدين التميمي، استئناف الحياة الإسلامية والعمل السياسي، بحث على الانترنت.
[3] فرق بين الدعوة إلى الإسلام والدعوة إلى استئناف الحياة الإسلامية، فالدعوة إلى الإسلام: دعوة غير المسلمين لاعتناق العقيدة الإسلامية، وأما الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية فهي دعوة للمسلمين ليوجدوا الإسلام في معترك الحياة وتطبيقه عملياً. وعلينا التفريق بين وظيفة الدولة ووظيفة الحزب في مجال دعوة الناس ـ لا سيما غير المسلمين ـ للإسلام والدخول فيه، فواجب الدولة حمل الإسلام رسالة وتبليغه للعالمين، أما حزب التحرير فحصر مهمته في العمل لإعادة الدولة الإسلامية التي ستستأنف دعوة الناس للإسلام، وهذا لا يمنع من قيام أفراد من الحزب بصفتهم الشخصية من حمل الإسلام لغير المسلمين وتبليغهم إياه.
[4] أبو الحارث نور الدين التميمي، استئناف الحياة الإسلامية والعمل السياسي، بحث على الانترنت.
[5] محمد خير هيكل: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، دار البيارق، بيروت، ط 2، 1417هـ = 1996م، ج 1، ص 660
[6] وليس المقصود هنا دويلات الضرار التي تسمي نفسها اليوم بالإسلامية ولا تطبق من الإسلام إلا قليلا من أحكام الميراث وأحكام النكاح والطلاق، أو تزيد عليه قليلا بأن تقطع يد السارق الفقير، وتطبق الرأسمالية فيما عدا ذلك من أنظمة الحياة والدولة، بل المقصود إقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة.
[7] الموسوعة الفقهية الكويتية: تعريف دار الإسلام
[8] الموسوعة الفقهية الكويتية: تعريف دار الحرب.
[9]: محمد حسين عبد الله: الطريقة الشرعية لاستئناف الحياة الإسلامية ص 10-11.
[10] رواه الإمام مسلم في كتاب الجهاد والسير واللفظ له والترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي.
[11] من كتاب «الشخصية الإسلامية» ج2 للامام تقي الدين النبهاني ومجلة الوعي الصادرة في بيروت العدد 28.
[12] وهبة الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر، 2008، ج6، ص 815 وانظر أيضاً: محمد خير هيكل: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، دار البيارق، ج 1؛ ص 659 وما بعدها ففيه تفصيل ممتاز.
[13] بحسب فهم الموسوعة الفقهية، وهذا الاعتبار فيه نظر وسيأتي خبره بعد قليل إن شاء الله.
[14] (الموسوعة الفقهية الكويتية: دار الإسلام.)
http://islamport.com/d/2/fqh/1/35/829.html
[15] وهذا يصدق ما قلناه آنفا من أن اصطلاح دار الإسلام فقهيا هو نظير اصطلاح الدولة الإسلامية سياسيا حديثا.
[16] وهبة الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر، 2008، ج6، ص 815
[17] الموسوعة الفقهية الكويتية الجزء السادس، الإمامة الكبرى في الاصطلاح: رئاسة عامة في الدين والدنيا خلافة عن النبي ﷺ، وسميت كبرى تمييزا لها عن الإمامة الصغرى وهي إمامة الصلاة. الموسوعة الفقهية الكويتية الجزء السادس.