هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – أدوار عمل الحزب الثلاثة
هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
(الحلقة الحادية والعشرون – أدوار عمل الحزب الثلاثة)
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا
أدوار عمل الحزب الثلاثة:
1) مرحلة التثقيف:
إقامة الكتلة وتثقيفها، تثقيفا مركزا في الحلقات للأفراد لتنميةجسم الحزب وتكثير أفراده، وبناء الشخصية الإسلامية وتزكيتهاعقلية ونفسية، وتهيئة الكتلة للقيام بأعمال حمل الدعوة، وتثقيف من آمن بفكرة الكتلة ثقافة مركزة تؤهله لأن يصبح عضواً فيها لأنها كلّ فكري شعوري، وتهيؤه لأن يصبح قائداً للأمة وبانياً لها بما تركز عنده من أفكار وما تبلور عنده من مفاهيم. وبعبارة أخرى أن يصبح من انتمى لهذه الكتلة هو الكتلة كما فعل رسول الله ﷺ حين كان يثقف أصحابه بما نزل عليه من الوحي، حتى تكون خيرة البشر بعد الأنبياء[1].
ففي مرحلة التثقيف قام الرسول ﷺ بأعمال (كالاتصال بالأفراد، وجمع من آمن معه في مكان سري والمداومة على تثقيفهم، وكان خباب يعلم سعيد بن زيد وفاطمة بنت الخطاب وهكذا) فنحن نلتزم أصل هذه الأعمال كأحكام شرعية هي من عند الله ونختار لها ما يلزم من وسائل وأساليب من عند أنفسنا.[2]
ففعل الرسول ﷺ للتثقيف وإرساله من يثقف قرينة على أن التثقيف فرض، لأنه دلت قرينة على أن القيام بالتثقيف فرض، وهي أن معرفة ما يلزم المسلم في معترك الحياة فرض عين، وهو لحمل الدعوة إلى الناس فرض كفاية[3]، فهذا دليل على أن القيام بالتثقيف فرض.
2) مرحلة التفاعل مع المجتمع (تفضي إلى نقطة الارتكاز)
وفي مرحلة التفاعل قام الرسول ﷺ بأعمال فيها صراع فكري مع أفكار الكفر وأهله، وفيها تبنٍ لمصالح المسلمين، ومن معالم هذه المرحلة: (الصدع بما أُمِرَ به، وإعلان الدعوة على رؤوس الأشهاد، ومفاصلة الجاهلية، ونزول مئات الآيات التي تهاجم العقائد والعادات الفاسدة، وتهاجم زعماء قريش بأسمائهم أو أوصافهم، وعرض نفسه على القبائل) وكان واضحا للعيان ولقريش، وللقبائل التي طلب النصرة منها، أن الهدف كان: إقامة المجتمع على أساس كيان تنفيذي لقيم غير قيمهم، ودين غير دينهم، وسلطان يحكم غير شرائعهم، فهي أعمال تهدف لإقامة دولة، لإقامة سلطان نصير، لذلك فهي تشريعات واجبة الإتباع، ونحن نلتزم أصل هذه الأعمال كأحكام شرعية. ونضيف إلى أعمال المرحلة الأولى التي هي التثقيف أعمال المرحلة الثانية حيث يتجلى فيها الصراع الفكري والكفاح السياسي وتبني مصالح الأمة على أساس الإسلام وكشف خطط الكفار المستعمرين مع أذنابهم الحكام العملاء. تماماً كما كان يفعل الرسول ﷺ ومن ثم نختار لهذه الأعمال ما يلزم من وسائل وأساليب من عند أنفسنا،[4].
ومن أعمال هذه المرحلة: التفاعل مع المجتمع، لمخاطبتة بأفكار الإسلام وأحكامه، لتحميل الأمةِ الإسلام حتى تتخذه قضيةً لها كي تعمل على إيجاده في واقع الحياة، وأن الإسلام فيه الأنظمة التي تُعالج جميع مشاكل الإنسان في الحياة، وأن الإسلام دين منه الدولة والحكم والسياسة، ويُفهمهم أن الدعوة إلى الإسلام من خلال تكتل أو حزب سياسي لإعادة حكم الإسلام إلى الأرض هو فرض على كل مسلم، والدولة كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم و المقاييس والقناعات التي تقبلتها مجموعة من الناس، فلبناء أية دولة كيفما كانت بما فيها دولة الخلافة وجب:
أ- إيجاد مجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات عند الناس
ب- إيجاد الكيان الذي ينفذ هذه المفاهيم والمقاييس والقناعات.
وطبيعة مرحلة التفاعل أنها مرحلة سياسية فكرية، تقتضي التحدي الصارخ، والصدام بما يناسب الموقف (لينًا ونقاشا فكريا أو شدة وفضحا)[5]،
يقول الحزب في كتاب التكتل الحزبي، عن دور التفاعل ما يلي ” إن هذا التفاعل مع الأمة ضروري لنجاح الحزب في مهمته، لأنه مهما كثر أعضاء الحزب في الأمة، ولم يتفاعلوا معها لا يستطيعون أن يقوموا بعمل وحدهم، مهما كانت قوتهم، إلا إذا سارت الأمة معهم. ولا يستطيعون أن يسوقوا الأمة معهم إلى العمل، ولا تسير معهم إلا إذا تفاعلوا معها، ونجحوا في هذا التفاعل”.
وردت كلمة الأمة والإشارة إليها في هذه الفقرة الصغيرة في عباراتها العميقة في معانيها، ثماني مرات!! كيف لا وهو يتحدث عن تفاعل. والتفاعل هو عبارة عن احتكاك بين مادتين احتكاكاً متداخلاً كتفاعل المواد الكيماوية. فالمادة الكيماوية إن لم تتفاعل مع المواد الأخرى، ستظل مادة كيماوية منفردة، لا تستطيع أن تُنشئ مواد جديدة ولا تستطيع أن تُنشئ مركباً جديداً. وأقصد بالمواد الجديدة الخلايا الحزبية الجديدة، وبالمركب الجديد المجتمع الجديد. وبغير التفاعل مع المواد الأخرى، تبقى الخلايا الأصلية تقفز في مكانها وتدور حول نفسها، ولربما أدى بها الحال لأن تشتغل بنفسها وتأكل نفسها!!
نعم، إنه بغير الأمة وبغير الاشتغال مع الأمة، يبقى العاملون في الحزب، يعملون من برج عاجي عالي، يصفقون بيد واحدة، يقفزون في ذات النقطة، ينتقدون هذا الشخص وذاك، وينتقدون هذه الجماعة أو تلك، يصيحون في واد عميق غير ذي قرار، فيصير العمل انتقاداً مجرداً ويتحول حامل الدعوة إلى منتقد سلبي، عنده كل المقومات لأن ينفضّ الناس من حوله.
إن الصعوبات التي تقف في وجه التفاعل مع الأمة عديدة، ذكرها الحزب بشكل مركز في كتاب التكتل الحزبي. ومن تلك الصعوبات ما سماه الحزب بـ”اختلاف الثقافة”.
يقول الحزب في هذا الصدد ” تكون في المجتمع ثقافات مختلفة، وتكون في الأمة أفكار متباينة، إلا أنه يكون لها إحساس واحد. وتكون الثقافات المتعددة، ولا سيما الثقافات الاستعمارية، تعبيراً معكوساً عن هذه الأحاسيس، في حين أن ثقافة المبدأ، أي الثقافة الإسلامية، تكون تعبيراً صادقاً عن أحاسيس الأمة. غير أن الرأي العام الثقافي في المجتمع والمنهاج الثقافي في المدارس والمعاهد، وسائر الأمكنة الثقافية، يكون سائراً مع الثقافة الأجنبية. وكذلك تكون سائر الحركات السياسية والثقافية سائرة مع الثقافة الأجنبية. ولهذا لا بد للحزب في ثقافته من الدخول في دور من الكفاح مع الثقافات الأخرى، والأفكار الأخرى، حتى يظهر للأمة التعبير الصحيح عن أحاسيسها وشعورها، فتسير معه. ومن هنا كان لا بد أن يكون في هذا الدور تصادم بين الحزب في ثقافته وفكره، وبين غيره من الثقافات والأفكار الأخرى. وهذا تصادم بين أبناء الأمة، ولذلك لا يأخذ دور الجدل العقيم، بل تسير جماعة الحزب على طريقة رسم الخط المستقيم عند الخط الأعوج. ولا يدخلون في جدل عقيم مطلقاً، لئلا يؤدي إلى الأنانية التي تعمي وتصم عن الحقيقة، بل تشرح أفكار الحزب، وتبين ما في الأفكار الأخرى من زيف، وما في الثقافات الأخرى من باطل، وما في نتائجها من أخطار. وحينئذ تنصرف الأمة عنها، وتتجه نحو ثقافة الحزب وفكره، بل ينصرف عنها أيضاً أصحابها، بعد أن يظهر لهم زيفها، إذا كانوا من المخلصين الواعين النزيهين. إلا أن هذه العملية من أشق العمليات على الحزب.” انتهى[6].
[1] مجموعة النشرات التكتلية
[2]الدعوة إلى الإسلام، أحمد المحمود، بتصرف
[3]مجموعة النشرات التكتلية أجوبة أسئلة
[4]الدعوة إلى الإسلام، أحمد المحمود، بتصرف
[5]أنظر: جواب سؤال لأمير حزب التحرير عطاء بن خليل أبو الرشتة بعنوان:الكفاح السياسي والصراع الفكري http://archive.hizb-ut-tahrir.info/arabic/index.php/HTAmeer/QAsingle/2772/
[6]من مقالة للأستاذ أسامة الثويني في منتدى العقاب بعنوان: دردشة في أخذ قيادة الأمة ورعاية الناس، إلى حملة الدعوة خاصة