إقامة الدولة في ظل قانون السببية: الغائية والسببية كجناحي الطائر، فالأسباب تدفع الحدث من الخلف والغايات تجر الهدف إلى الأمام
إقامة الدولة في ظل قانون السببية
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
(الجزء الثالث عشر: الغائية والسببية كجناحي الطائر،
فالأسباب تدفع الحدث من الخلف والغايات تجر الهدف إلى الأمام)
للأنظمة السببية العاقلة كالإنسان والدول والأحزاب دوافع إرادة، وغاية وراء كل فعل سببي تقوم بأدائه، وتكون هذه الغايات سابقة للأفعال السببية، إذ إنه لا بد أن يكون وراء الأسباب غاية تدفعها إلى تحقيق وظيفة معينة، فالأسباب تدفع الحدث من الخلف والغايات تجر الهدف إلى الأمام.
لكننا نعلم أن السببية حتى تتفاعل مع الأسباب وتحدث العمل المطلوب، لا بد أن تمتلك القدرة على إحداث التغيير أو إنتاج المسبب، فلا بد لها أن تمتلك الطاقة الكافية للتغيير، ولا بد لها من القدرة على التفاعل مع الشروط المحيطة اللازمة لإحداث التغيير، لا بد لها من أن تكون عللا للتغيير، بحيث إن التغيير (المعلول) محتاج لها لحدوثه! أي لا بد أن تكون هي الأسباب الحقيقية للتغيير (فمثلا: المجتمع لا يمكن أن يرقى برقي الأخلاق فقط، بل يرقى بتغير المفاهيم المؤثرة في العلاقات القائمة فيه، وبتغير الأنظمة الحاكمة له، وبتغير المشاعر والأفكار التي يمتلكها أفراده كما بينا سابقا في هذا الكتاب، فإذا ما أراد حزب ما أن ينهض بالمجتمع متخذا الأخلاق وحدها سببا للتغيير، فإنه سيفشل حتما، فلا بد له من الأخذ بالأسباب الحقيقية المؤثرة في المجتمع ليحدث التغيير! ومثلا: النهضة هي الارتفاع الفكري، فهذه سنة مجتمعية ثابتة راسخة).
على أن نظام الأسباب لا يمكن أن يعمل وحده دون وجود الطاقة الدافعة التي تجرها الغايات ليؤثر الفاعل في الفعل على نحو معين بناء على التصميم الذي وجد لدى القادر على إحداث التغيير، (ففي مثال الطائرة السابق: لو لم يستغل المصمم الحسابات الدقيقة التي تحسب له القوة اللازمة لدفع الطائرة للأمام، فإن تصميمه لن ينجح في دفعها، وبالتالي، فعلى الرغم من أن القوانين الناظمة للكون والتي في طياتها تحمل العلاقات بين الأشياء، مثل كمية الوقود اللازم إحراقها لإنتاج كم معين من الطاقة يستطيع دفع الطائرة، إلا أن المصمم إذا لم يستغل هذه المعلومات والعلاقات السببية الموجودة في سنن الطبيعة، فإنه لن يستطيع الاستفادة من تصميمه، لذلك فالغايات تدفعه للبحث عن العلاقات السببية وتفعيلها) فيما لا يستطيع التغير وحده (أي القاصر ذاتيا) دون وجود السبب أو العلة، (بمعنى آخر، فإن العلاقات السببية الموجودة في الطبيعة مثل كمية الوقود اللازمة لإنتاج طاقة معينة وحدها، من دون تصميم ذكي، لن تستطيع أن تنهض لتصمم وتصنع طائرة تطير! فلا بد من الغايات والأسباب![1]
[1] بتصرف كبير عن الأستاذ المفكر يوسف الساريسي!