سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الثامنة والثلاثون: أهمية استخلاف الله للأمة الإسلامية وقوة الخلافة لتكون سببا أساسيا في حفظ الدين[1] – ج2
سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الثامنة والثلاثون: أهمية استخلاف الله للأمة الإسلامية وقوة الخلافة لتكون سببا أساسيا في حفظ الدين[1] – ج2
وإليك التفصيل، ولنبدأ بالإجماع، ثم التواتر المعنوي:
الإجماع في اللغة: العزم على الشيء والتصميم عليه، أو الاتفاق.
أما الإجماع في اصطلاح الأصوليين فهو الاتفاق على حكم واقعة من الوقائع بأنه حكم شرعي، في عصر غير عصر الرسول ﷺ، فالإجماع يقوم مقام الدليل الشرعي (من السُّنَّةِ)[2] والإجماع بعد عصر الصحابة: هو اتفاق المجتهدين في عصر التابعين أو تابعيهم وهكذا، من أمة محمد ﷺ على أمرٍ من الأمور،
ولا بد من التفريق بين الإجماع، وبين الحكم الشرعي الذي يتوصل إليه بالاجتهاد، إذ أنه في عقلية كثير من العلماء اليوم، وكذلك في السابق فكرة الاجتهاد الجماعي، بحيث تعطي كثرة الآراء قوة للاجتهاد، فيتصورون الإجماع بهذه الصورة، كأنه اجتهاد جموع كثيرة، أو إطباق المجتهدين في عصر على حكم شرعي معين، فلذلك هو حكم شرعي يتميز بقوة كثرة من استنبطوه، فهم بهذا التصور يخرجون الإجماع عن صفة الدليل، إلى وصف الحكم الشرعي! فيصبح الإجماع أداة لترجيح الاجتهاد لا أكثر بفعل كثرة من اتفقوا على ذلك الرأي!
وهذا التصور ليس هو مفهوم الإجماع، فالإجماع نقلٌ لحكم، أو بصورة أدق: الاتفاق على حكم واقعة من الوقائع بأنه حكم شرعي، فحجيته في المحصلة بمعنى نصب الاتفاق الحاصل في أي عصر على أمر، أو أمر ديني أو حكم تكليفي دليلا شرعيا على الأحكام! فما أجمع عليه الصحابة، أو ما أجمع عليه علماء الأمة- عند من يقول بهذا الشكل من الإجماع- ينصب دليلا على الأحكام! فيستنبط منه، كما يستنبط من القرآن أو السنة، فهو يكشف عن وجود دليل، فالإجماع دليل من الأدلة يستنبط منه، فهذا ما يفرقه عن الحكم الشرعي الذي وصلنا إليه بالاجتهاد!
تذكر يا رعاك الله أن الحكم لله وحده، ولا يؤخذ الحكم إلا من الوحي، ولا تقوم النذارة إلا بالوحي، ولا يوصف مثقال الذر من العمل بالخير والشر ويصلح الحساب عليه إلا أن يكون مستندا إلى الوحي، ولا تقوم الحجة على الناس إلا بما نزل في الوحي، ولم يترك الناس سدى، وهذا كله يدل على أننا لا ننتظر من البشر أن يجمعوا على أمر “أغفلته الشريعة” أو “نسيته”، وعليه فالإجماع لا بد أن يصل الرأي بالوحي حتى يكون مشروعا، والوحي قد انقطع بعد الرسول ﷺ، فيبقى أن يكون معنى الإجماع فقط: الكشف عن دليل، أو نقل دليل من السنة!
ولعل أهم الإشكاليات المتعلقة بالإجماع هي:
- ما هو الإجماع المعتبر؟ (إجماع الصحابة، إجماع الأمة، إجماع العترة، إجماع مجتهدي عصر…)
- بمن ينعقد الإجماع؟ وكيفية اعتبار رأي المخالف.
- هل الحكم الناشئ عن الإجماع هو بيانٌ أو نقلٌ لدليلٍ على حكمٍ شرعيٍّ مُتَّصِلٍ بالوحي أم إنشاءٌ لحكمٍ جديدٍ مصدرُهُ آراءُ وعقولُ المجمعينَ؟
-
[1] الأستاذ المفكر يوسف الساريسي.
[2] أنظر تيسير الوصول إلى الأصول للعلامة عطاء أبو الرشتة، الجزء الأول ص 82. وكما أسلفنا نقل الصحابة القرآن والسنة، فالقرآن الكريم لا شك أنه نقل كاملا، لذلك فمادة الاجتهاد لاستنباط الأحكام منه متوفرة في نصوصه، يستطيعها أي مجتهد في أي عصر، ليس فيه باطن مجهول، والسنة نقلوها لنا قولا وفعلا وتقريرا، وبعض هذه السنة تمثل في قضايا أضحت من البدهيات في المجتمع بحيث لا يحتاج معها إلى القول قال رسول الله ﷺ كذا وكذا، فنقلت على صورة إجماع كشف لنا عن وجود دليل من السنة استند إليه الصحابة حين إجماعهم!