سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الثانية والأربعون: إجماع الصحابة على وجوب إقامة الخلافة ونصب خليفة! – ج2
سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الثانية والأربعون: إجماع الصحابة على وجوب إقامة الخلافة ونصب خليفة! – ج2
ج- وقال أبو الحسن الأشعري: أثنى الله -عز وجل- على المهاجرين والأنصار والسابقين إلى الإسلام، ونطق القرآن بمدح المهاجرين والأنصار في مواضع كثيرة وأثنى على أهل بيعة الرضوان فقال عز وجل: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ [سورة الفتح: 18]. قد أجمع هؤلاء الذين أثنى الله عليهم ومدحهم على إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وسمّوه خليفة رسول الله وبايعوه وانقادوا له وأقروا له بالفضل وكان أفضل الجماعة في جميع الخصال التي يستحق بها الإمامة من العلم والزهد وقوة الرأي وسياسة الأمة وغير ذلك([1]).
دـ- وقال عبد الملك الجويني: أما إمامة أبي بكر رضي الله عنه فقد ثبتت بإجماع الصحابة فإنهم أطبقوا على بذل الطاعة والانقياد لحكمه… وما تخرص به الروافض من إبداء علي شراساً[2]، وشماساً[3] في عقد البيعة له كذب صريح، نعم لم يكن رضي الله عنه في السقيفة وكان مستخلياً بنفسه قد استفزه الحزن على رسول الله ﷺ ثم دخل فيما دخل الناس فيه وبايع أبا بكر على ملأ من الأشهاد[4].
هـ – وقال أبو بكر الباقلاني في معرض ذكره للإجماع على خلافة الصديق رضي الله عنه: وكان رضي الله عنه مفروض الطاعة لإجماع المسلمين على طاعته وإمامته وانقيادهم له حتى قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه مجيبا لقوله رضي الله عنه لما قال: أقيلوني فلست بخيركم، فقال: لا نقيلك ولا نستقيلك قدمك رسول الله ﷺ لديننا ألا نرضاك لدنيانا يعني بذلك حين قدمه للإمامة في الصلاة مع حضوره وإستنابته في إمارة الحج فأمَّرَكَ علينا وكان رضي الله عنه أفضل الأمة وأرجحهم إيماناً وأكملهم فهماً وأوفرهم علماً[5][6].
و – قال الشهرستاني: (واصفا حال الصحابة حين اقتربت وفاة أبي بكر رضي الله، واختياره لعمر رضي الله عنه) “وما دار في قلبه (أي أبي بكر) ولا في قلب أحد أن يجوز خلو الأرض عن إمام، فدل ذلك كله على أن الصحابة، وهم الصدر الأول كانوا على بكرة أبيهم متفقين على أنه لا بد من إمام، فذلك الإجماع على هذا الوجه، دليل قاطع على وجوب الإمامة”[7]
ز– قال الإيجي في المواقف في علم الكلام: وأما وجوبه علينا سمعا فلوجهين: الأول: أنه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول من وفاة النبي ﷺ على امتناع خلو الوقت عن إمام، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته: ألا إن محمدا قد مات، ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به، فبادر الكل إلى قبوله، وتركوا له أهم الأشياء، وهو دفن رسول الله ﷺ، ولم يزل الناس على ذلك في كل عصر إلى زماننا هذا من نصب إمام متبع في كل عصر، فإن قيل: لا بد للإجماع من مستند ولو كان لَنُقِلَ، لِتَوفُّرِ الدَّوَاعِي، قلنا: استغني عن نقله بالإجماع أو كان من قبيل ما لا يمكن نقله من قرائن الأحوال[8] التي لا يمكن معرفتها إلا بالمشاهدة والعيان لمن كان في زمن النبي ﷺ.
الثاني: أن فيه دفع ضرر مظنون وأنه واجب إجماعا.
بيانه: أنا نعلم علما يقارب الضرورة أن مقصود الشارع فيما شرع من المعاملات والمناكحات والجهاد والحدود والمقاصات وإظهار شعار الشرع في الأعياد والجمعات إنما هو مصالح عائدة إلى الخلق معاشا ومعادا، وذلك لا يتم إلا بإمام من قبل الشارع يرجعون إليه فيما يَعِنُّ لهم، فإنهم –مع اختلاف الأهواء وتشتت الآراء، وما بينهم من الشحناء – قلما ينقاد بعضهم لبعض فيفضي ذلك إلى التنازع والتواثب، وربما أدى إلى هلاكهم جميعا.[9]
ح – وقال الماوردي (في الأحكام السلطانية): “وعقدها لمن يقوم بها واجب بالإجماع[10] وإن شذ عنهم الأصم”.
ط – قال النووي 12/205 شرح صحيح مسلم: “أجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة”
[1] الإبانة عن أصول الديانة، ص66.
[2] الشراس: شدة المعاملة. مختار الصحاح، ص346.
[3] وشماساً: أي صعب الخلق. لسان العرب (6/111).
[4] كتاب الإرشاد، ص361.
[5] الإنصاف فيما يجب اعتقادة ولا يجوز الجهل به، ص65.
وتجدر الاشارة إليه أن الذي ذكرت فيه النصوص التي فيها الاشارة الى خلافة الصديق من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية وذكر الإجماع اختصرتها من كتاب عقيدة أهل السنّة والجماعة في الصحابة الكرام للدكتور ناصر بن عائض حسن الشيخ.
[6] علي الصلابي: الخليفة الأول: أبو بكر الصديق: شخصيته وعصره ص 119
[7] النظريات السياسية الإسلامية للدكتور ضياء الدين الريس ص 133، نقلا عن نهاية الإقدام للشهرستاني ص 480.
[8] وكما أسلفنا: لم يحتج للنقل لبداهة المسألة في ذلك الزمن، وضربنا مثالا بالحديث في الهاتف النقال اليوم حيث يعتبر شرح ذلك من التكلف، بينما لو كان قبل مائة عام لاحتيج للشرح!
[9] الإيجي في المواقف في علم الكلام: المرصد الرابع في الإمامة ومباحثها ص 396
[10] يعني إجماع الأمة عصرا بعد عصر، لأن الأصم لم يكن في عصر الصحابة، وكان الأصم عن الشريعة أصما كما وصفه القرطبي!