سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة السابعة والستون: تفكيك مفهوم السلطة في الإسلام
سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة السابعة والستون: تفكيك مفهوم السلطة في الإسلام
وأما السلطة السياسية فالدولة كيان تنفيذي للحكم بما أنزل الله، والحكم والسلطان والملك معناه تنفيذ الأحكام وقدرة الملك، وإن أول ما تقوم به الدولة الإسلامية: السلطة، ويمكن تفكيكها[1] إلى ستة مسائل: 1) طريقة نشوء الدولة، 2) طريقة أخذ السلطة، 3) طبيعة السلطة، 4) صلاحيات السلطة، 5) واجبات السلطة. 6) موقف الرعية حين إخلال السلطة بما سبق.
فأما طريقة نشوء الدولة وأخذ السلطة، فإن إقامة الدولة ليست مجرد استلام الحكم أو القهر عليه، إذ لا بد أن يسبقه تغيير المفاهيم والمقاييس والقناعات عند الأمة حتى يتغير الرأي العام عند القادرين على تسليم الحكم ليتم بناء على تلك المفاهيم، فأخذ السلطة إنما هو طريقة لجعل الحياة حياة إسلامية، أي جعل العلاقات القائمة بين الناس علاقات إسلامية، ولا يجوز أن ينظر إلى الحكم على أنه أكثر من طريقة فقط ليس أكثر، فالقضية ليست العمل فقط لتحطيم رجال الحكم، بل القضية هي جعل أفكار الإسلام طاغية في المجتمع حتى يجري هذا التحطيم لرجال الحكم واسترجاع السلطان منهم، عن طريق طغيان هذه الأفكار. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن الدولة تنشأ بنشوء أفكار جديدة تقوم عليها، ويتحول السلطان فيها بتحول هذه الأفكار، لأن الأفكار إذا أصبحت مفاهيم، أثرت في سلوك الإنسان وجعلت سلوكه يسير وفق هذه المفاهيم، فتتغير نظرته إلى الحياة، وتبعاً لتغيرها تتغير نظرته إلى المصالح؛ والسلطة إنما هي رعاية هذه المصالح والإشراف عليها وتسييرها، ولا تكون إلا للفئة الأقوى من فئات المجتمع، فإذا كان الناس في منطقة متفقين في نظرتهم إلى المصالح، أقاموا هم من يتولى رعاية شؤونهم، أي أقاموا هم السلطة التي تسير مصالحهم أو انقادوا لمن أقاموا أنفسهم في السلطة لتسيير مصالحهم، ومن هنا يأتي الحكم من الأمة قطعاً، إما باختيارها الفعلي، أو بسكوتها عن قيامه، والسكوت نوع من أنواع الاختيار. وأما حين اختلافهم فإن الحكم سيستقر للفئة الأقوى زمنا ثم لا يلبث أن ينهار، لذا كان على من يسعى لإقامة الخلافة أن يقيمها طبيعيا في الأمة بتغيير مفاهيم الأمة وأن لا ينظر إليها على أنها استلام حكم وقهر عليه، أو تطبيق قوانين وحمل الناس عليها، فالعمل يجب أن ينصب على استئناف الحياة الإسلامية وهو ما لا يتم إلا بتغيير القناعات، واستلام الحكم طريقة لإقامة السلطان يسبقها عمل كثير، وأخذ السلطة لا يكون إلا بالبيعة عن رضا واختيار.
وأما طبيعة السلطة، فالسلطة في الإسلام سياسية رعوية، وليست قوة غاشمة، جاء في طبقات ابن سعد أن عميراً بن سعد رضي الله عنه، وهو الذي ولاّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمص، كان يقول: «ألا إن الإسلام حائط منيع وباب وثيق فحائط الإسلام العدل وبابه الحق، ولا يزال الإسلام منيعاً ما اشتد السلطان، وليس شدة السلطان قتلاً بالسيف ولا ضرباً بالسوط ولكن قضاء بالحق وأخذاً بالعدل» وكان عمر رضي الله عنه إذا بعث عماله إلى الأمصار قال لهم: إني لم أبعثكم جبابرة، ولكن بعثتكم أئمة، فلا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم فتفتنوهم ـ ولا تمنعوهم فتظلموهم.
[1] أنظر: العددين 28 و 29 من مجلة الوعي