سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الخامسة والسبعون: القانون الدستوري، والدستور، والقوانين الإدارية والجنائية – ج2
سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الخامسة والسبعون: القانون الدستوري، والدستور، والقوانين الإدارية والجنائية – ج2
وحتى نعقد المقارنة قمنا باستقراء أنظمة الحكم الوضعية ومقارنتها بالأحكام الشرعية المتعلقة بالدولة الإسلامية وغايتنا هي التدليل على أن الأحكام الشرعية قد بَيَّنَتْ بالتفصيل الأحكام المتعلقة بالدولة والتي تشكل أساس نظام الخلافة، لندلل بهذا على أن نظام الخلافة نظام رباني، كذلك سنجد تفرد نظام الإسلام وسموه على الأنظمة الوضعية في مجال الدولة وتنظيمها، فقمنا باستقراء أنظمة الحكم الوضعية من حيث الأنظمة الأسياسية التي على أساسها يتحدد شكل الدولة، ومسئولياتها، ولمن السيادة؟ وبقية الأسئلة التي على أساسها تأخذ الدولة صبغة معينة، وأسقطنا من هذه المفاهيم ما هو عام تم استنباطه أحكاما دستورية صاغها حزب التحرير في مشروع دستور للدولة الإسلامية[1]، وأما الأحكام التفصيلية فقد امتلأت بها كتب الفقه والقضاء، مما يشكل ثروة فكرية نفيسة ليس لها في تاريخ البشرية مثيل!
وقد رأينا أن تلك الدول القائمة على القوانين: أي الدولة القانونية[2]، والتي تسمى بالأنظمة الدستورية[3]، تقوم الدولة فيها بوضع “القانون الدستوري”[4]، أي القانون الذي يطبق على النظم والمؤسسات السياسية وهو القانون الذي تسير عليه الدولة في حياتها السياسية. ومن ثم الدستور[5]، أي الوثيقة الدستورية الخاصة بدولة معينة التي تتضمن أحكام الدولة وتنظيمها السياسي وبالأخص تنظيم السلطة التشريعية وعلاقتها بالسلطة التنفيذية وحقوق الأفراد وحرياتهم العامة، وفي مقابل القانون الدستوري، يوجد القانون الخاص، وعلاقة القانون الدستوري بالقانون الخاص ضعيفة نسبيا كون الأول يهتم بنظام الحكم في الدولة وشكلها وسلطتها بينما يهتم الثاني بالعلاقات القائمة بين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة والدولة بوصفها شخصا عاديا لا بوصفها صاحبة سلطة عامة وسيادة.[6]
كما تلاحظ، فإن هذه الأفكار تتعلق بشكل الدولة العام ونظامها، وسلطاتها وطريقة المحافظة عليها، من هنا، فنستطيع التمييز بين نظام الحكم في الإسلام، وبين الأنظمة الوضعية، من حيث دساتيرها، وقوانينها الدستورية، وسنرجئ الحديث عن القوانين الخاصة، أي التشريعات التي تحكم علاقات الأفراد وتنظم سلوكهم إلى ما بعد قليل إن شاء الله.
نلاحظ وجود أفكار تفصيلية في القرآن والسنة تتناول هذه الأفكار، كما أسلفنا من قليل،
[1] أنظر: مشروع دستور دولة الخلافة لحزب التحرير. وانظر: مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له – القسم الأول، مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له – القسم الثاني، من إصدارات حزب التحرير.
[2] مقومات الدولة القانونية: مبدأ الفصل بين السلطات (وهو مبدأ مضلل لا ينطبق على الواقع، إذ أن السلطات تتداخل بشكل فج في كل الأنظمة الديمقراطية، فالحزب الحاكم هو الذي يحصل على أعلى نسبة أصوات في الانتخابات النيابية، ومن ثم هو يشكل الحكومة، فهنا تداخلت السلطة التشريعية (البرلمان)، بالسلطة التنفيذية، (الحكومة) وهكذا ستجد عشرات الأمثلة التي تبين تكريس عدم الفصل بين السلطات!)، والرقابة على دستورية القوانين، والرقابة على أعمال الإدارة.
[3] النظام الدستوري ويقصد به ذلك النظام الحر أي الحكومة الدستورية في الدولة. أنظر منتدى رجال القانون.
[4] القانون الدستوري هو مجموعة من المبادىء و الأحكام و القواعد التي تتعلق بالأسس التي تنبني عليها الدولة و كذلك بتنظيم الحكم وسيره داخله و تشكل هذه المبادىء و القواعد والاحكام أهم المعطيات القانونية المتصلة بالحكم داخل الدولة. و توجد هذه المعطيات،غالبا، ضمن وثيقة مكتوبة أي دستور نظرا لما يتميز به من الناحية الشكلية و ما يتضمنه. فالقانون الدستوري إذن هو مجموعة من القواعد القانونية الأساسية التي توضح ما يلي:-
1- الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة. (مصدر السيادة: شرعية، فردية، أقلية، الشعب…)،
2- من الذي يحكم ؟ (خليفة؟ رئيس وزراء؟ ملك؟) وكيف يحكم ؟ (خلافة، حكومات ملكية أو جمهورية) وطريقة اختيار رئيس الدولة (بيعة، انتخاب مباشر…)،
3- مسئوليات الحكم ونطاق هذه المسئوليات وسلطاته وحدودها. (تركيز السلطة أو توزيعها على الحكام (حكومات مطلقة أو مقيدة) مدى الخضوع للقانون (دولة فوق القانون، استبدادية، قانونية)
4- واجبات وحقوق المحكوم وكيفية أدائه لواجباته وضمانات حصوله على حقوقه.
و قد ظهر إصطلاح “قانون دستوري” في أوائل القرن العشرين في البلاد العربية أما في الغرب فقد ظهر في إيطاليا في القرن الثامن عشر و ظهر في فرنسا بصفة رسمية سنة 1834 على يد وزير المعارف في عهد حكومة “لويس فيليب جيسو” الذي قرر إنشاء أول كرسي يحمل اسم قانون دستوري بكلية الحقوق بباريس و ذلك بهدف تدريس أحكام الدستور الفرنسي لسنة 1930، أنظر: ويكيبيديا.
[5] الدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (خلافة، ملكي أم جمهوري…) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية…) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة. أنظر: ويكيبيديا.
والقانون الإداري: يقتصر دوره على وضع المبادئ والقواعد الدستورية موضوع التنفيذ، وللقانون الدستوري علاقة بالقانون الجنائي الذي هو الآخر يستمد ويستلهم أحكامه من القواعد والمبادئ الدستورية وغايته هي حماية نظام الحكم ككل من الاعتداء عليه من قبل الأفراد أو الحكام.
[6] أنظر منتدى رجال القانون