التغيير وإقامة الخلافة الراشدة: طرفان في معادلة واحدة
من المؤسف أن من يجلد ظهر المسلمين على عجزهم وسكوتهم عن تغيير الأوضاع المزرية التي يعيشونها لأنهم “ابتعدوا عن الإسلام وتركوه”، من هو نفسه لا يقوم بأي عمل يُذكر للتغيير على هذا الواقع الفاسد! فمن السهل الانتقاد لتبرير التقاعس. فالتغيير عمل عالمي يشمل جميع الناس وهو فرض على كل مسلم ويكون على طريقة سيدنا محمد رسول الله ﷺ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة، والنتيجة منه رعاية شؤون الناس بما أنزل الله تعالى الذي أنزل الأحكام الشرعية النافذة لتحكم بين جميع البشر بمختلف عقائدهم بحكم رب العباد. فنظام الحكم المطبق على الناس يجب أن يكون الحكم بما أنزل الله تعالى فقط لا غير:
قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً﴾. [النساء: 60]. وقال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾. [النساء: 65]. وقال سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. [المائدة: 49-50].
وكل اللوم يقع على من كبَّل هذه الأمة الإسلامية بقيود من حديد جعلتها عاجزة عن العمل للتغيير. والقيود التي نقصدها هي قيود فكرية فرضها الغرب الكافر المستعمر على المسلمين منذ أن هدم دولة الخلافة الإسلامية في عام 1342ه الموافق 1924م من خلال الأنظمة الحاكمة الخائنة للإسلام والتي طبقت أنظمة الرأسمالية والعلمانية الغربية وخدرت عقول المسلمين؛ بالغزو الثقافي الفكري الغربي بمناهج التعليم التي فصلت الأجيال عن دينهم، وبالإعلام الفاسد، وبالقوانين الوضعية والدساتير الاستعمارية… وكانت النتيجة خلال المائة عام الأخيرة انحدار واقع البشرية وفساده بغياب أحكام الله، وأُجبر الناس على العيش حياة غير إسلامية وعلى الابتعاد عن منهج الخالق عز وجل وعلى تركه حينما انفرط العقد، عن النبي ﷺ أنه قال: «لتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ، عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ، تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنّ نَقْضًا الْحُكْمُ، وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ». أخرجه الإمام أحمد والطبراني.
إن العمل للتغيير عمل سياسي يدفع بصاحبه لمحاسبة من بيده القرار السياسي وتغيير القوانين والنظام بأكمله. ولذلك استهدف العاملون للتغيير نظام الحكم، وقد أثبتت الثورات التي اشتعلت في بلاد إسلامية عدة أن المسلمين يريدون التغيير وأنهم يريدون إسقاط هذه الأنظمة الحاكمة التي لا تحكم بما أنزل الله تعالى، وأي عمل لا يستهدف إسقاط النظام الحاكم لن يؤدي إلى التغيير المنشود، والأهم من ذلك أن أي عمل لا يحتكم إلى الشرع ولا يُطالب بتطبيقه لن ينجح. ويجب على المسلمين أن يعوا تماماً أن ثورتهم ثورة على الطاغوت وعلى الحكم بغير ما أنزل الله، وأن هذا هو معنى التغيير الحقيقي. أما من يلوم المسلمين على أنهم تركوا دينهم وابتعدوا عنه بمحض إرادتهم فهو مخطئ، فالأمة اليوم قد قطعت شوطاً كبيراً في طريق التغيير وكسرت قيود الاستعمار وحطمت حواجز الخوف والصمت، وعليها أن تتمسك بالتغيير على أساس العقيدة الإسلامية السياسية الواعية، وأن تعمل لتحقيقه على طريقة رسول الله ﷺ لإقامة الحكم بما أنزل الله وتطبيق نظام الإسلام في دولة المسلمين: قال رسول الله ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ. ثُمَّ سَكَتَ». رواه أحمد. فعندما هتف المسلمون في الشام وتونس ومصر والسودان “الشعب يريد إسقاط النظام”، سالت دماء الشهداء الطاهرة لتدفع الأمة ثمناً باهظاً لغياب الخلافة وللمطالبة بالتغيير على أنظمة الكفر الغربية؛ فأبناء الأمة لم يستشهدوا من أجل دولة مدنية علمانية ولا ديمقراطية غربية ولا حريات منحلة؛ بل من أجل كلمة حق إلى سلطان جائر؛ فلا أقل من أن ترفع الأمة صوتها عالياً بـ”الأمة تريد خلافة من جديد”، بهذا التسلسل وعلى هذا الأساس للوصول إلى الأهداف، فالنصر الحقيقي أن تنجح الثورة في تنصيب إمام يحكم الأمة بالإسلام، وعلى الأمة أن تلتف حول المخلصين العاملين للتغيير الحقيقي…
قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـاهُمْ فِى الأرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَاتَوُاْ الزَّكَـوةَ وَأَمَرُواْ بِلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَـاقِبَةُ الأمُورِ﴾. [الحج: 40-41].
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي – ولاية السودان