زوال دولة الخلافة أوقع العالم في تناقض بين الاعتراف بالله في أوقات المصائب وعدم تحكيم شرعه
والعالم يتهدده فيروس كورونا، غرد الرئيس الأمريكي ترامب عبر “تويتر” إنه “لشرف عظيم أن أعلن الأحد 15 آذار/مارس يوما وطنيا للصلاة نحن بلد على مر تاريخنا، نتوجه إلى الله من أجل الحماية والقوة في أوقات كهذه”. يذكرنا ترامب بلجوء فرعون مصر إلى الله في لحظة الهلاك حينما قال: لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل قبل أن يغرق، قالها ليتخلّص من الغرق. وعلى غرار ذلك وجه الأمين العام للمجلس الأعلى للدعوة والإرشاد بولاية الخرطوم النعيم الطاهر أئمة وخطباء المساجد بتخصيص خطب الجمعة لنشر التوعية وطرق الوقاية من خطر مرض كورونا وأشار إلى أن التوجيهات تأتي تأكيدا لتوجيهات حكومة الولاية وقرارات مجلس وزراء حكومة الولاية الخاصة بالتدابير الاحترازية والإجراءات الاحتياطية لمواجهة مرض كورونا. (صحيفة السوداني الخميس 19 آذار/مارس2020م).
إن معرفة الله سبحانه، والإيمان به، وتعظيمه، ليس شيئاً طارئا لينقذ الإنسان نفسه من التهلكة كما فعل عدو الله فرعون حينما أدركه الغرق لجأ إلى الله وقال: ﴿آَمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ فيجيبه الله سبحانه وتعالى: ﴿آَلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾. ومعنى الآية أنك لم تتذكر أن لك إلهاً تؤمن به إلا الآن، لأن فرعون كان غافلاً قبل المحنة، لذلك لم تنفعه عند المحنة.
إن الله تعالى جعل قصص الأمم السابقة للعبرة، ولكن لمن يعتبر، فقد أصيب العالم بالتناقض المزري الذي يخيم على مجريات الأحداث، ويعتبر جزءاً من النفاق، الذي تعيش فيه البشرية، ففي الأحوال العادية يحارَب شرع الله وكل من دعا إليه، أما في حالة البلاء فالجميع يدعو الله الفرج مثل ما فعله فرعون الذي تردى في هلاكه لأنه كان غافلاً إلا في وقت المصيبة، أفلا يعتبر حكام اليوم وهم يخصصون خطبة الجمعة للدعاء والتضرع لله وهم يعطلون شرع الله؟!
بعد زوال دولة الخلافة التي كانت تطبق الإسلام، في كل أجهزتها ونظمها الداخلية ويشكل الأساس لسياستها الخارجية وتعاملها مع كل شعوب العالم، ما أوجد رأياً عاماً يربط تعاليم السماء بما يحدث على الأرض في انسجام وتناغم تامين، فمنذ 1924م ظهر التناقض بصورة جلية في العالم بسيطرة النظام الرأسمالي الذي يفصل الدين عن الحياة ولا يعترف لله بحق التشريع، حيث تم تقليص مساحة الشريعة في القوانين، وإعطاء حق التقنين بلا قيد الرجوع إلى أحكام الله، والخضوع عن رضا وافتخار للقانون الغربي، والتصريح بإحالة القضايا لغير الشريعة لا تبارح خطابات المسؤولين، تيمنا بالرأسمالية وإفرازاتها مثل الديمقراطية والتعددية، وتمت تنحية شرع الله، وتبديله بقانونٍ وضعي، وبدستور بشري، يستمد موادّه من القانون الفرنسي أو القانون البريطاني أو القانون الأمريكي، وتحتكم بلادنا شأنها شأن بقية بلاد المسلمين في كل المجالات إلى جملة من القوانين الوضعية التي لا تقتصر على كونها مخالفة لأحكام الشريعة المطهرة، بل هي محادّة ومعادية لها في كثير من الأصول القطعية، ومن هذه القوانين:
1/ ميثاق الأمم المتحدة ومعاهداتها وقراراتها الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية ومحكمة الجزاء الدولية وسائر فروع هذه المنظمة، كمنظمة اليونسكو، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان، ومنظمة التجارة العالمية وغيرها كثير، ولا تخفي الحكومة التزامها بهذا، بل هي تفخر بذلك إعلاميا، وتقرره دراسيا في مناهجها التعليمية حتى في كتاب الدراسات الإسلامية (كتاب الصف الأول في فصل كامل يتحدث عن حقوق الإنسان بأسسها بشكل مفصل).
2/ القانون الدستوري وهو القواعد التي تحكم شكل الدولة ونظام الحكم فيها والسلطات وتوزيعها ويمثله في السودان النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الوزراء، وكلاهما – عند التحقيق – لم يوضعا استمدادا من الشريعة ولا على منهاجها، وإنما وضعا على منوال الدساتير العربية المنقولة عن الدساتير الغربية عدا عبارات إسلامية عامة في النظام الأساسي لا يحال إليها عند إصدار النظم، لأن مقتضى الإحالة الموافقة والاستمداد، فهي شعار لا مصدراً للقرار.
3/ موالاة الكفار من العلمانيين والأنظمة الصليبية الغربية، مع أن تلك الدُّول هي التي تُظهر عداءها لأي تحرّك سياسي أو عسكري له غايات وأهداف إسلامية مُعلنة. فتقوم بمقاتلته وتصفيته عسكريا وجسديا وماليا أينما وُجد، وثالثة الأثافي مهادنة الصهاينة وهم أعداء محاربون، ومغتصبون حقيقة وفعلاً، لا مجرد ظنون. مع أن الشرع يوجب مقاتلتهم وإخراجهم من الأرض المقدسة. وإذا كنا في حالة ضعف فأقلها أن لا نعقد معهم الهدن ولا نعطيهم العهود كما هو اليوم بعد لقاء رئيس مجلس السيادة برئيس وزراء كيان يهود، الذي بموجبه فتح المجال الجوي لطائرات يهود، بل لأن إدخالهم لبلادنا يعني إطلاعهم على مكامن قوتنا وضعفنا، وهذا قد يساعدهم في السيطرة على بلاد المسلمين.
4/ تشريع الكبائر، وسن القوانين التي تُنظّمها، ففي النظام الاقتصادي تم تشريع التعامل بالربا للناس، وذلك بالترخيص لمؤسسات ربوية، وسن قوانين للتحاكم إليها عند اختلاف المرابين. والله سبحانه يقول لنا: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، وتشريع الضرائب والمكوس، روى مسلم في صحيحه عن نبينا e أنه قال عن امرأة زنت فأقيم عليها الحد وتابت: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» قال القرطبي في كتابه (المُفهم): “ولا شك في أن المكس من أعظم الذنوب وأكبرها وأفحشها”، وبمثله قال النووي. وذكرها الذهبي في كتابه الكبائر… وفي النظام الاجتماعي يجري الآن في السودان تهيئة الأجواء للمصادقة على اتفاقية سيداو التي تعارض الإسلام جملة وتفصيلاً.
5/ ظلم الناس بعدم إعطائهم حقوقهم وهذا لا يخفى على أحد، فما يلاقيه الإنسان من جور وظلم بوضعه في دائرة الثلاثي الفتاك (الفقر والجهل والجوع) بعدم توزيع الثروات بالقسط، وتكدسها في أيدي الجشعين ظلم ما بعده ظلم.
إن سبب هلاك الأمم السابقة هو تلاعبهم بحدود الله تعالى. قال e: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ» فهؤلاءِ كان سبب هلاكهم إقامة الحدود على الضعفاء دون الأقوياء، فما بالك بمن ترك الحدود بالكلية واستبدل بها الأحكام الوضعية؟!
لن ينجو العالم من البلاء والهلاك إلا بدولة الخلافة الراشدة التي تطبق شرع الله في كل الأحوال والتي تستحق من الله كشف الضر وتجنيبها المهالك.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب)