يا أهل النصرة: إن لم تكن نصرتكم لإقامة الخلافة على منهاج النبوة الآن، فمتى؟!
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى الدين الإسلامي العظيم على خير البشر محمد ﷺ، وقد مكّن له في الأرض، وأرسل معه القرآن الكريم، ليحكم به بين الناس، لذلك هيأ الله سبحانه وتعالى الظروف المحلية والإقليمية والدولية لميلاد الدولة التي أقيمت على غير إرادة من الكفر وأهله، لذلك هيأ الله سبحانه وتعالى الظروف المناسبة لإقامة دولة الحق في الأرض، في المدينة المنورة، وقد أخبرنا سبحانه وتعالى عن شكل الموقف الدولي وعن الصراع الدائر حينها بين قطبيه، الفرس والروم، فقال تعالى: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾، وقد نزلت هذه الآيات الكريمات على النبي ﷺ وهو في مكة المكرمة، والآية تقول إن الروم قد غُلبت في أدنى الأرض أي أقرب الأرض للحجاز، وهي بلاد الشام وتحديدا في القدس، ونزلت بعد آخر هزيمة للروم في مصر عام 621 للميلاد، وبعد أن أصلح هرقل ملك الروم جيشه سنة 622م، أي في نفس وقت الهجرة النبوية، أما قبل الهجرة فكان الفرس منتصرين بكل المعارك على الروم، ولم يكن لدى الروم أدنى أمل في الانتصار. وكانت معركة بدر عام 624م، وفي الوقت نفسه انتصر الروم على الفرس واستولوا على أذربيجان ودمروا أقدم معبد نار مجوسي. فكما انتصر الفرس سنة 614م واستولوا على القدس، قابله انتصار الروم عام 624م واستيلاؤهم على مسقط رأس زرادشت ومعبد النار “المقدسة”، وصادف هذا فرح المسلمين بانتصارهم على المشركين في بدر. والمعركة الفاصلة بين الفرس والروم حصلت في آخر عام 627م في نينوى حيث انتصر الروم بأهم معركة طوال الحرب، وبعدها بأربعة أشهر حصل صلح الحديبية عام 628م وكذلك وقّع الفرس معاهدة الصلح مع الروم بعد اغتيال شيرويه لأبيه كسرى. وهكذا، فإنه بينما كانت القوى الدولية متصارعة فيما بينها، وبينما كان ميزان القوى ينتقل من الفرس إلى الروم، كان المسلمون يقيمون دولتهم، وبينما كان قطبا الموقف الدولي يتصارعان على النفوذ في مختلف مناطق العالم، كان المسلمون منشغلين في التمكين لدولتهم في الجزيرة العربية.
أما عن شكل المشهد السياسي بين الأمم الأوروبية المتوغلة في الشمال الأوروبي والغربي، فكانت تغط في دياجير الظلام والجهل المطبق، والحروب الدامية، وكانت بين نصرانية وليدة، ووثنية شائبة، ولم تكن ذات رسالة في الدين، ولا بذات راية في السياسة. يقول هـ. ج. ويلز في كتابه “التاريخ المختصر للعالم”: “ولم تكن في أوروبا الغربية في ذلك العهد أمارات الوحدة والنظام”، ويقول روبرت بريفولت في كتابه “صناعة الإنسان”: “لقد أطبق على أوروبا ليل حالك من القرن الخامس إلى القرن العاشر، وكان هذا الليل يزداد ظلاماً وسواداً، وقد كانت همجية ذلك العهد أشد هولاً وأفظع من همجية العهد القديم؛ لأنها كانت أشبه بجثة حضارة كبيرة قد تعفنت، وقد انطمست معالم هذه الحضارة وقضي عليها بالزوال، وقد كانت الأقطار الكبيرة التي ازدهرت فيها هذه الحضارة وبلغت أوجها في الماضي كإيطاليا وفرنسا فريسة الدمار والفوضى والخراب”.
أما عن المشهد السياسي في شبه القارة الهندية، فقد كانت الهند في هذه الحقبة من التاريخ متمزقة الأحشاء بفعل الحروب الداخلية والخارجية، وبالتالي فهي لم تكن أفضل حالاً عن سائر الدول الأخرى، وقد خلَّفت هذه الحروب عدداً هائلاً من الرقيق، وكان الهنود يعتقدون أن الرقيق خُلِقوا من قدم الإله، ومن ثَمَّ فهم بخلقتهم خُرقاء مهينون، ولا يمكن أن يرتفعوا عن هذا الوضع المقسوم لهم إلا بتحمل الهوان والعذاب عسى أن تنسخ أرواحهم بعد الموت في مخلوقات أفضل!! وبذلك تضاف إلى لعنة الوضع السيئ الذي يعيشون فيه لعنة أخرى روحية تقضي عليهم أن يرضوا بالذل ولا يقاوموه، ومن ثم لم تكن معاملة الرقيق في الهند تختلف كثيراً عما كان شائعاً في ذلك الوقت من حيث إهدار إنسانية الرقيق إهداراً كاملاً وتحميله بأثقل الواجبات دون إعطائه حقاً مقابلها.
أما عن المشهد السياسي في شبه الجزيرة العربية ومنها القبائل العربية في مكة ومحيطها، فقد تفشت في العرب مثالب أخلاقية كثيرة قبل الإسلام، ولا شك أن هذه المثالب قد ظهرت بشكل مكثَّف في الحروب بين القبائل، وقد كانت هذه الحروب تقوم لأتفه الأسباب، كحرب البسوس التي نشبت بين بكر وتغلب بسبب ناقة جرحت، وحرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان، واستمرت كل منهما أربعين سنة، كما قامت بين الأوس والخزرج، وهم أبناء عمومة، حروب استمرت طويلاً كان أشهرها يوم بعاث الذي انتهى لصالح الأوس، ومن أشهر أيام العرب حرب الْفِجَارِ التي كانت بين قريش وكنانة من جهة، وقيس عيلان من جهة أخرى، وكان رسول الله r صبياً، وسُمي الفجار لما استحل الحيَّان كنانة وقيس فيه من المحارم، ومما يدل على كثرة الحروب بين العرب أن ابن الأثير بدأ باب ذكر أيام حروب العرب في الجاهلية بقوله: “نحن نذكر الأيام المشهورة والوقائع المذكورة التي اشتملت على جمع كثيرة وقتال شديد، ولم أُعَرِّج على ذكر غارات تشتمل على النفر اليسير لأنه يكثر ويخرج عن الحصر، وبلغ من تعلقهم الشديد بالحرب والقتال وتأصلها في نفوسهم؛ أن قال شاعرهم عمرو بن كلثوم بيتاً من الشعر يُعبِّر عن هذه النفسيات المعقَّدة، والعقول الجاهلة:
أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا *** فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَ
هكذا كان حال العالم إبّان البعثة وأثناء التمكين لها، صراع وقتال بين قطبي الموقف الدولي، وتناحر في أوروبا وجهل وقتال في الجزيرة العربية وشبه القارة الهندية، فكان بزوغ حضارة الإسلام العظيمة في الزمان والمكان المناسبين، حيث كانت القوى الدولية والإقليمية منشغلة في الحروب، والفراغ الحضاري أوسع ما يكون، حيث كانت البشرية في أمس الحاجة إلى المبدأ الذي يخرجها من هذه الحالة المأساوية التي يعيشون فيها أشقياء، وهذه التقادير هي تقادير من تهيئة العليم الحكيم وليست محض صدف، لذلك لم تكن إقامة دولة الرسول r معجزة خارجة عن القوانين الأرضية المعمول بها بين البشر، بل جاءت بشكل طبيعي، منسجم مع سنن التغيير في المجتمعات وقوانين نشأة الدول، وليس بمعجزة إلهية.
إنّ الناظر إلى الوضع الحالي على مختلف الصعد، الدولي والمحلي والإقليمي والحضاري، يجد أن هناك تشابها كبيرا يصل حد التطابق بين الظروف التي أقام فيها رسول الله ﷺ الدولة الإسلامية، وبين الظروف التي نعيش فيها في الوقت الحالي، وهذه أمارة على أن الله سبحانه وتعالى قد أعاد التاريخ مرة أخرى، حتى يستغلها أولو النهى من أمة الإسلام، فيعيدوا سيرة النبي محمد ﷺ، فيقيموا الدولة التي بشر بقيامها النبي ﷺ، كما أقامها الرسول ﷺ أول مرة، لتشابه الظروف بين الزمانين، فيقيموا الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، حيث أخبرنا رسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه حُذَيْفَةُ، حيث قَالَ، قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضّاً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ» (أحمد).
فلا يخفى على عاقل أن الصراع الدائر بين الدول العظمى، أمريكا من جهة والصين من جهة أخرى، جعل كليهما منهكين اقتصاديا وعسكريا، ومنشغلين سياسيا وحضاريا، وكذلك الأمر الحرب الباردة الدائرة بين أمريكا وأوروبا وبين أوروبا وروسيا، ولا يفوتنا التذكير أن الوضع الداخلي في أمريكا وأوروبا مفكك حضاريا، فالعلمانية والديمقراطية ومبدأ حقوق الإنسان قد انفضح أمرها، حيث أشقت الشعوب وأفقرتهم، ومزقتهم عرقيا واجتماعيا وعقائديا، وظهرت فيهم كل الأمراض الاجتماعية والإنسانية، من عنصرية وقومية ووطنية وفردية وصحية وغيرها، فأصبح هناك فراغ حضاري كبير، ينتظر أي حضارة لتملأه. أما عن الوضع السياسي في دول الشرق الأوسط ومنها الدول العربية، فحالها لا يختلف عن حال دولة الغساسنة ودولة المناذرة، اللتين كانتا قائمتين في منطقة الشرق الأوسط زمن الصراع بين الفرس والروم، حيث كانت إحداهما موالية وعميلة للفرس والأخرى للروم، وكذلك دول الضرار القائمة في العالم العربي وعموم الشرق الأوسط، فمنها ما هو موال وعميل لأوروبا وعلى رأسهم رأس الأفعى بريطانيا، ومنهم ما هو موال وعميل للثور الهائج أمريكا.
إن الصراع الحالي بين أمريكا والصين والذي نتج عنه توتر بين الصين والهند، أكبر أمارة من الله سبحانه وتعالى لأهل القوة والمنعة في البلاد الإسلامية وخصوصا في باكستان وبنغلادش، على أن الله سبحانه وتعالى قد أعاد عقارب الزمن إلى زمن بزوغ فجر الإسلام، فأعاد تهيئة الظروف لقيام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، تماما كما هيأ الظروف لها في المرة الأولى، فلم تبق قوة على ظهر هذه الأرض قادرة وفي ظرف يمكّنها من الوقوف في وجه دولة الخلافة التي تمثّل مليارين من المسلمين، عندهم من الخيرات والثروات والقدرات والكفاءات، ليست موجودة عند أي أمة على ظهر هذه الأرض، بل إن كل ما تقدم من مقدرات مستغلة في بناء تلك الدول المارقة، وحال قيام دولتهم فإنه سيتم طبيعيا سحب تلك الكفاءات منها وإرجاعها إلى موطنها الأم، فتنهار تلك الدول من الداخل طبيعيا، فإن لم تكن هذه الظروف هي الفرصة السانحة لأهل القوة والمنعة لإعطاء النصرة للإسلام ولقيام دولة الإسلام في الأرض فمتى تكون؟!
أيها الأنصار، إننا على يقين بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يسيّر الأمور كيف يشاء، وهو سبحانه وتعالى الذي يهيئ الأمور، حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾ وقد هيأها لكم لاستغلالها واقتناص هذه الفرصة فلا تضيعوها، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى قد أنذركم، حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾. إننا على بينة في أن الخير فيكم وفي أمتكم وإلى قيام الساعة، ومن كان جده خالداً والقعقاع وصلاح الدين ومحمد بن القاسم لا يمكن إلا أن يكون من أحفادهم مثلهم، ومن كانت جدته خديجة بنت خويلد والخنساء وأم محمد علي رضي الله عنهن، فإن في الأمة أمهات قادرات على إنجاب قادة عظماء مثل هؤلاء القادة الأفذاذ، فالله الله في نصرتكم لدينكم.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
بلال المهاجر – ولاية باكستان