جريدة الراية: مسلمو الروهينجا.. المعاناة المستجدة المستمرة
بغياب الدولة الراعية والإمام الجُنّة للأمة الإسلامية يعيش المسلمون في كل مكان في ضنك وظلم وذل. وإن معاناة مسلمي الروهينجا في ميانمار مثال صارخ لهذه المعاناة المستمرة، القديمة المتجددة كل حين.
فإن أزمة الروهينجا تعود إلى فترة الاستعمار البريطاني الذي قام بتحريض البوذيين على قتلهم وتعذيبهم، وأسس بذلك لأزمة ما زالت مستمرة منذ عقود من الزمن، ونتيجة لهذا التحريض قام البوذيون بعد أن أمدهم البريطانيون بالسلاح بارتكاب مذبحة بحق المسلمين عام 1942 فتكوا خلالها بالآلاف.
وعام 1974 جُرّد الروهينجا من هويتهم، وصنفتهم الدولة بأنهم “أجانب”، وزاد التنكيل بهم مما أدى إلى فرار أعداد كبيرة منهم إلى البلدان المجاورة هربا من العنف ضدهم. وعام 1982 سُن قانون المواطنة الذي حرمهم من الحصول على الجنسية وبالتالي حرمانهم من الحق بالعيش في الدولة، وإجبارهم على العيش في مخيمات تشبه السجون، وفُرضت عليهم ضرائب باهظة، ومُنعوا من مواصلة التعليم العالي، إضافة إلى تكبيلهم بقيود تحد من تنقلهم وسفرهم وزواجهم، وحتى عدد الأطفال المسموح لهم إنجابهم.
وشهدت أزمة الروهينجا منعطفا كبيرا عام 2016-2017 حيث شنّت حكومة ميانمار البوذية حملة عسكرية عليهم في ولاية راخين (أراكان) في المنطقة الشمالية الغربية للبلاد بحجة هجوم مسلحين منهم على نقاط الشرطة الحدودية، والتي ارتكبت فيها الحكومة جرائم فظيعة بشعة ضد المسلمين من قتل خاصة النساء والأطفال، وحرق بيوت وتعذيب وحرق أشخاص، واغتصاب جماعي، مما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة منهم إلى الدول المجاورة كلاجئين، حيث رفضت تلك الدول استقبالهم. فوفقا لتقارير الأمم المتحدة فقد فر أكثر من 700000 من الروهينجا أو طردوا من ولاية راخين. واليوم، بات عدد كبير منهم يعيشون خارج ميانمار، أغلبهم في بنغلادش وباكستان وماليزيا، في مخيمات لاجئين في ظروف بائسة وازدحام خطير، وافتقار إلى الرعاية الصحية خاصة الأطفال الصغار، أما الأطفال الأكبر سناً واليافعون فهم محرومون من فرص التعلم أو كسب العيش، فهم معرضون لخطر حقيقي في الضياع، وفريسة سهلة للمتاجرين بالبشر أو الاستغلال لغايات سياسية أو غايات أخرى. وتواجه الفتيات والنساء بصفة خاصة خطر التعرض للعنف الجنسي وغيره مما يؤدي إلى حرمانهن من الدراسة إذ يقرر أهاليهن إبقاءهن في البيوت خوفا عليهن.
واليوم وبعد مضي ثلاث سنوات على فرار مئات آلاف الأفراد من العنف والاضطهاد في ميانمار، يواجه الأطفال والأسر اللاجئون في بنغلادش تحديات جديدة، بما في ذلك تهديد جائحة كوفيد-19 والتي تسببت بتهديدات جديدة لهؤلاء اللاجئين الذين يعيشون في أماكن مزدحمة، وفي أكواخ متداعية مصنوعة من القصب والقماش المشمّع، ويواجهون أخطاراً يومية، بما في ذلك انتشار الأمراض المعدية من قبيل فيروس كورونا.
وكذلك أُغلقت مرافق التعليم المتواضعة منذ آذار/مارس، كما هي الحال في سائر أنحاء البلد، مما حرم حوالي 315,000 طفل من اللاجئين الروهينجا من التعليم، حيث لا مجال للتعلم عن بعد أو التعلم الإلكتروني.
وقد أدت كل هذه الظروف وغيرها إلى محاولات هجرة العديد من الروهينجا من هذه المخيمات بطريقة التهريب عبر البحر خاصة إلى ماليزيا وإندونيسيا، وقد غرق العديد أثناء تلك المحاولات منهم من تم إنقاذهم ومنهم من فُقد في البحر ومنهم من تم انتشال جثثهم، ومعظمهم كانوا من النساء والأطفال. وحسب إحصائية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعتقد أن أكثر من 200 لاجئ من الروهينجا ماتوا أو فُقدوا في البحر منذ بداية 2020 بحثاً عن حياة أفضل، وتقول إن أكثر من ثلث أولئك الذين قاموا برحلات محفوفة بالمخاطر من مخيمات اللاجئين في بنغلادش إلى ماليزيا وإندونيسيا كانوا من الأطفال.
كما هو واضح دوما فإن تقديم المساعدة للاجئين في كل مكان في العالم، ومنهم الروهينجا يكون بشكل ترقيعي وليس جذريا، بصورة مؤقتة وليس دائمة، كقيام منظمات عالمية مثل الأمم المتحدة، أو منظمات إنسانية أو جهود فريدة من متطوعين، بتقديم بعض المساعدات الغذائية والطبية والخيم وبعض الخدمات والإمدادات. فمثلا للمساعدة في الحد من انتشار كوفيد-19 في مخيمات الروهينجا وفرت اليونيسف وشركاؤها إمدادات المياه والصابون، وتعمل على حصولهم على بعض الإرشادات والمعلومات بشأن حماية أنفسهم وأهلهم من فيروس كورونا، وذلك عبر البث الإذاعي وبث أفلام رسوم متحركة في نقاط خدمة في مخيمات اللاجئين وعبر المحطات التلفزيونية في المجتمعات المحلية المضيفة. ولكن فعليا هم عاجزون عن الحل، وكما قالت باشيليت مفوّضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان “إن وضع مئات الآلاف من اللاجئين الروهينجا والنازحين داخليا لا يزال بدون حل، بعد مرور ثلاث سنوات على الأزمة المروعة لحقوق الإنسان والتي سببتها العمليات العسكرية في راخين”.
كل هذه الأوضاع المزرية والمآسي المستمرة والفظائع الوحشية من البوذيين المرتكبة بحق مسلمي الروهينجا، ونرى حكام المسلمين سادرين في غيّهم وتخاذلهم عن نصرتهم أو معاقبة البوذيين على فظائعهم… وكذلك لمسنا أن المنظمات والمؤسسات والأفراد لا يستطيعون تقديم الحل لهم أو لغيرهم، مما يؤكد مجددا أنه لا ناصر للمسلمين أينما كانوا إلا دولة الإسلام وجيش الإسلام، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي ستستنفر جيوشها للانتقام ممن يرتبكون تلك الفظائع في قمع مسلمي الروهينجا وغيرهم، فلا يضطرون للهجرة وتعريض حياتهم للخطر، بل يتمتعون بالحماية والرعاية من الدولة.
بقلم: الأستاذة مسلمة الشامي (أم صهيب)
المصدر: جريدة الراية