غابت الخلافة فكانت خسارة المرأة كبيرة فادحة
نسمعها ونقرؤها بل ونعيشها؛ وهي آثار غياب الخلافة والدولة الإسلامية التي تحكم بالإسلام. ولمن يتساءل سواء مشكّكاً مستهزئاً أو طالباً المعرفة فعلا ماذا خسرنا بغيابها؟ نقول: إننا خسرنا الكثير وعلى جميع الأصعدة والميادين ومناحي الحياة. وهنا سنركز على المرأة التي خسرت الكثير ولحقها الدمار في أمور عديدة.
أهم ما خسرته المرأة نتيجة غياب الخلافة هو دورها الأصلي في الحياة وهو أن تكون ملكة متوّجة في بيتها؛ أن تكون أما وربة بيت ويكون الرجل مسؤولا عنها، قائماً على رعايتها وعلى تلبية احتياجاتها، فلا تكون مجبرة على تحصيل رزقها بنفسها، مع السماح لها بالعلم والعمل إن أرادت ذلك. فمع غياب الإسلام عن التطبيق، وسيادة المبدأ الرأسمالي النفعي أصبحت المرأة تدور لاهثة بين حجري الرحى؛ بين البيت ومهماته وبين العمل ومشاقه، بدون راحة ولا سكينة ولا قيام بدورها الأصلي كما يجب، فنتج ما نراه من تعب وضنك وقهر وظلم تعيشه المرأة وهي موزعة بين كل تلك الأدوار مُجبرة وليس باختيارها حتى تستطيع تلبية احتياجاتها وأسرتها مع زوجها أو بدونه. ناهيك عن التحاقها بوظائف وأعمال لا تليق بها كامرأة سواء من ناحية نوعها أو مكانها. وتضطر تبعاً لذلك إلى ترك أولادها إما في حضانات غير مؤهلة، أو في البيت بلا رعاية أو حتى في الشارع لحين رجوعها للبيت، وما ينتج عن هذا من سوء في التربية والسلوك والأخلاق والقيم.
خسرت المرأة الأمن والأمان، فلا مجيب لنداءاتها وهي تتعرض للعنف والقتل والتهجير والظلم، ولا لصرخاتها وهي في سجون الظلمة، فليس هناك معتصم يلبي تلك النداءات والصرخات لأن من بيدهم ذلك أو المفروض أن يكون بيدهم ذلك من حكام لا يملكون قراراتهم التي تُتخذ في واشنطن ولندن وباريس… وحتى عند البعض هناك ظلم عائلي في أسرتها وبين أهلها، فهناك رجال لا يخافون الله فيها ويتحكمون فيها بقسوة وظلم، بحيث يكونون مصدر الخوف بدل أن يكونوا هم الأمان والطمأنينة، ويجعلونها تطلب الحماية منهم بدل أن تطلبها عندهم، وذلك لبُعدهم عن الدين، ولعدم وجود رادع لهم من قوانين ترتكز على أحكام الشرع. وربما تكون زوجة أو ابنة أو حتى أم خلت قلوب أبنائها من الرحمة فرموها بدون معيل ولا سند، وكذلك لا عقاب من الدولة على فعلتهم هذه، ولا مأوى لها مثلما لو كان هناك دولة تحكم بالإسلام؛ دولة الخلافة.
خسرت المرأة السهولة واليسر في تحصيل حقوقها ورفع الظلم عنها سواء أكان من الدولة أو الأهل أو الأقارب أو من أي كان. فكم من أرملة أو يتيمة أو مسكينة أو مظلومة تمر عليها سنين طويلة وهي تتنقل بين المحامين والمحاكم يتلقفونها مستنزفين نقودها ما بين رسوم وأتعاب، بعد أن كانت في شكوى للقاضي تأخذ حقها في جلسة واحدة بلا مصاريف ولا استغلال ولا تعب. خسرت حقها في الميراث في بعض الأماكن والعائلات، وكذلك في عدد من الأحكام المتعلقة بالنظام الاجتماعي مثل ضرورة موافقتها على الزواج، وحقها في المهر، وإن حصل خلاف يؤدي إلى الطلاق، هناك من تفقد حقها في الحضانة أو حتى المؤخر وحقوقها الشرعية إما بسبب تحكّم العادات الجاهلية، أو ضعف المحاكم الشرعية في تنفيذ الأحكام الشرعية، أو المحسوبيات إن كان الخصم من علية القوم أو أغنيائها.
ويحضرنا هنا حديث (غريب صحيح) للإمام الأوزاعي في يوم تبوك حيث إن الرسول ﷺ حمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إِيَّاكم وَالأَقْرَادَ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الأَقْرَادُ؟، قَالَ: «يَكُونُ أَحَدُكُمْ أَمِيراً أَوْ عَامِلا، فَتَأْتِي الأَرْمَلَةُ وَالْيَتِيمُ وَالْمِسْكِينُ، فَيُقَال: اقْعُدْ حَتَّى نَنْظُرَ فِي حَاجَتِكَ، فَيُتْرَكُونَ مُقَرَّدِينَ، لا تُقْضَى لَهُمْ حَاجَةٌ وَلا يُؤْمَرُونَ فَيَنْصَرِفُونَ، وَيَأْتِي الرَّجُلُ الْغَنِيُّ أو الشَّرِيفُ، فَيُقْعِدُهُ إِلَى جَنِبِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: مَا حَاجَتُكَ؟ فَيَقُولُ: حَاجَتِي كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: اقْضُوا حَاجَتَهُ وَعَجِّلُوا بها». “الأقراد” هو السكوت ذلّاً كما فسرها الزمخشري، وهذا لن يكون في ظل الخلافة إن شاء الله.
خسرت المرأة تمكنها من ممارسة عباداتها كما يجب وكما تريد، خاصة في كثير من البلاد سواء في بلاد المسلمين أو في الغرب، فمُنعت من ارتداء اللباس الشرعي، ولم تسلم من الأذى والاستهزاء والعنف ضدها سواء باللفظ أو الفعل وهي تلبسه، وحتى من التعليم بمنعها من دخول المدرسة أو الجامعة وهي ترتديه كما حصل في فرنسا وغيرها! وربما مثل غيرها تُمنع من الذهاب للحج أو العمرة، أو حتى الذهاب للمسجد، أو الصلاة في مكان العمل.
ولعل أيضا من أهم ما تواجهه المرأة المسلمة الحقَّة في غياب الخلافة وعيشها في مجتمعات غير إسلامية هو الصراع في الحفاظ على نفسها وسلوكياتها وأخلاقها، جهاد النفس والصراع الفكري مع الآخرين سواء في نطاق العائلة أو المدرسة أو العمل أو المجتمع؛ فالاهتمامات والأولويات والمرجعيّات والسلوكيات تصب في مستنقع العلمانية والرأسمالية البغيضة، فتشعر بالغربة في مجتمعها، ويزداد ثقل وحجم مسؤوليتها لتوعية هذا المجتمع وتربية أولادها بعيداً عن هذه الأفكار والسلوكيات الموجودة في كل مكان؛ في الشارع والمدرسة والمناهج والفضائيات ووسائل التواصل والانفتاح التكنولوجي والعولمة، فهي في صراع مع ابنتها كي لا تخرج سافرة متبرجة متمردة، تختلط اختلاطاً لا يقره الشرع، وتتغنى بالحريات المزعومة التي يغسلون بها دماغها وعقلها، ومع زوجها وتعامله بالربا في البنوك والقروض، ومع ابنها وسطحية فكره واهتماماته وتمرده هو أيضاً على البيت والدين والأهل. فلو كانت هناك خلافة فلن تضطر لكل هذا لأنه يكون وقتها مجتمعاً إسلاميا، إما بتقوى الأفراد أو بقوة الدولة التي تنفذ الأحكام الشرعية.
إن الخسائر والدمار كبيران، وهذا غيض من فيض… ونسأل الله تعالى أن يعجل بالخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة لتخلصنا من هذا كله بإذنه تعالى.