خسارة الأمة بفقدان الخلافة
لقد خسر المسلمون الإسلام كنظام للحياة بفقدان الخلافة، فما خلق الله الإنسان إلا للاستخلاف في الأرض بقوله تعالى ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، لإعمارها بإقامة أحكامه؛ فبها يقوم الصلاح في الأرض وعكسها الإفساد، وهذا الاستخلاف للإنسان، الذي خوطب به الإنسان الأول ليحمل رسالة رب العالمين، هو لمجموع البشر وهم مأمورون بتنفيذها على الأرض، وهذا لا يتم إلا بإنابة أحدهم لإقامة شرع الله والذي يكون مسؤولا أمامهم ويسمى الخليفة.
لذلك عرفت الخلافة بأنها رئاسة عامة للمسلمين في الدنيا لإقامة أحكام الشرع وحمل الدعوة إلى العالم، وكان ذلك فرضا على المسلمين وهو تاج الفروض الذي به تقام باقي الفروض، والتقصير فيه معصية يحاسب عليها الله سبحانه وتعالى لأن إقامة هذا الأمر يعني إقامة الدين كله وبضياعه يكاد يضيع الدين كله، فالخلفاء هم رأس الرعاية بشرع الله وبهم تساس الأمور وتنفذ الطاعة في طاعة الله.
ولما كانت عقيدة المسلمين في الاستخلاف هي إفراد العبودية لله وحده لا شريك له والتي تقتضي الطاعة لأمر الله بإقامة أحكام الإسلام وتنفيذها والتي أنيطت بالأمة ونائبها وهو الخليفة من أجل جعل الحياة وفق مراد الله وإلا فهي معرضة للضياع والاندثار لا سمح الله، لذلك نرى أن الكفار قد أدركوا هذا الخطر على وجودهم وحياتهم فتصدوا لهذه الدعوة منذ اليوم الأول وبشتى الوسائل لإنهاء دعوتهم ثم مقاتلتهم لإسقاط دولتهم ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ﴾، فقد أقام الرسول الكريم ﷺ الدولة في المدينة المنورة وبين في وثيقة المدينة أن المسلمين أمة واحدة من دون الناس، فقامت هذه الأمة بحمل الإسلام بقوة فهماً وتطبيقا، فامتدت في مشارق الأرض ومغاربها، وعندها أدرك الكافر أن إسقاط هذه الدولة لا يتم إلا بإسقاط أحكامها، وإسقاط أحكامها بإسقاط خليفتها، فلا بد من إضعافها، وإضعافها بإضعاف تفكيرها وفهم عقيدتها، وهذا ما رأيناه؛ فإن هدم الخلافة سبقه ضعف الأمة الإسلامية فكريا بـ200 عام، ورغم قوة السلطان عبد الحميد الثاني الفردية ومحاولته الوقوف أمام هذا السقوط لكنها سقطت عام 1924م فبدأ الانهيار في الأمة يزداد فكريا وسلوكيا، فتمزقت دولتها وانتهكت مقدساتها ونهبت خيراتها وتسلط عليها عدوها وتداعت عليها الأمم وأصبحت في وضع لا تحسد عليه، وأصبحنا تابعين أذلاء متفرقين بعد أن كنا سادة كراماً، فهل بعد هذه الخسارة خسارة؟!