الرأسمالية مصدر شقاء دائم للعالم ونهب للثروات وإبادة للشعوب
تغلب المفكرون في أوروبا على الكنيسة بعد قرون من الصراع، كانت فيها الغلبة في البداية للكنيسة، ثم جاء الدور للمفكرين وانتصرت فكرة فصل الدين عن الحياة بقيام الثورة الفرنسية في 1789م فولد المبدأ الرأسمالي. ومع أنه أبعد سيطرة الكنيسة على حياة الناس في أوروبا بغير وجه حق طوال العصور الوسطى، إلا أن الناس لم يفيدوا من ظهور المبدأ الرأسمالي سوى أنه نقلهم من سيطرة الكنيسة على رقابهم إلى سيطرة أصحاب رؤوس الأموال عليهم.
حرص الرأسماليون على إبقاء الناس عبيداً كما في ظل الإقطاع لا يملكون أنفسهم ولا الأرض التي يعيشون عليها ويعملون فيها لصالح مالكيها، فصاروا عبيداً في مصانع الرأسماليين وشركاتهم. استعان الرأسماليون بالديمقراطية لما فيها من تصميم خبيث يوهم الناس بالحريات التي حرموا منها في ظل الكنيسة، فدفعوا عامة الناس وراء الحرية الشخصية ليلتهوا بها بما ينالونه من متع جسدية وفرت لهم وانساقوا وراء ملذاتهم، وحرية التدين للتخلص من بعض ما تبقى من قيود الكنيسة، والتفلت منها حتى يتسنى لهم تمام التمتع بحرياتهم الشخصية، وللتخلص من القيود التي فرضتها الكنيسة بتكميم الأفواه، فحرية الرأي جاءت كفيلة بالتخلي عنها. واستحوذ أصحاب رؤوس الأموال بحرية واحدة لا غير هي حرية التملك لتبقي الناس عبيداً لغيرهم من بني الإنسان، واستولوا بها على رقاب الناس، فلا يصل إلى الحكم إلا من جاءوا به أو رضوا عنه لما يحققه لهم من مصالح، ووضعوا الناس بين فكي رحى المبدأ الرأسمالي يطحنهم ولا يتركون سوى أشلاء مبعثرة لا تصلح إلا أن تكون قطع غيار للمعلولين من أصحاب رؤوس الأموال!
لقد خدم اكتشاف استخدام البخار في إدارة آلات المصانع العقول الاستعمارية، التي التقطت الفرصة السانحة، لكي تضع أقدامها على أراض وبلدان لم تحلم أن تصل إليها من قبل. فقد استغل الرأسماليون ثورة البخار التي مكنتهم من التفوق بالقوة على غيرهم من سكان العالم، فتوجهوا لاستعمار البلاد البعيدة التي وجّهوا إليها أنظارهم لأجل سلب المواد الخام منها التي احتلوها وتجملوا بلفظة الاستعمار وهم في الحقيقة محتلون نهابون لخيرات البلاد المستعمرة من الخامات المعدنية كالحديد والنحاس والقصدير وما شاكلها من الفلزات التي كانت تصدر إلى مصانع الدول المستعمرة، لتدور فيها، وتعاد لكي تباع بأسعار باهظة في أسواق البلاد المستعمرة التي أخرجت منها. والشيء نفسه بالنسبة للثروات غير المعدنية كالألماس والياقوت والزمرد والعقيق ونفائس المجوهرات التي تستخدم في الزينة، التي استُخدم أهل البلاد الأصليون في التنقيب عنها واستخراجها بأجر زهيد يكاد يكون دون مقابل بالنظر إلى ما تدره من أثمان باهظة، سال لها لعاب المستعمرين الأوروبيين والأمريكيين فيما بعد. إلى جانب المواقع الاستراتيجية في التحكم بخطوط المواصلات البحرية والبرية والخيرات الطبيعية من أراض زراعية شاسعة ومناخات حارة ومعتدلة وأنهار وغابات وثروات حيوانية مهولة، فسعوا بكل الأساليب للاستحواذ عليها لجلب المنافع منها، ولم يعبأوا أو يهتموا بمصير أهل البلاد التي استعمروها.
لقد تمكنوا من احتلال بلاد كثيرة منها البلاد الإسلامية. وكانت البلدان المستعمرة في آسيا وأفريقيا والعالم الجديد ضحية للمبدأ الرأسمالي. فلم تسلم البلاد المستعمرة من أفكار المبدأ الرأسمالي، تلك الأفكار والنظم الفاسدة المدمرة ليسهل السيطرة عليهم كما سيطروا على شعوبهم. فحملوها إليها وأجبروها على تبنيها قهراً بقوة الحديد والنار تارة، وتارة أخرى بجعل أهل البلاد القريبين منهم حكاماً على شعوبهم. حل بالشعوب المستعمرة ما حل بشعوب البلاد الرأسمالية من خراب لأفكارهم ومعتقداتهم ومفاهيمهم عن الكون والإنسان والحياة ودمار لنمط عيشهم وتخريب لعقولهم، وانحطاطهم إلى درك البهيمية التي تعيشها شعوب البلاد الرأسمالية جراء الغزو الفكري الذي تعرضوا له والتحطيم المدروس الممنهج من قبل المستعمرين حملة المبدأ الرأسمالي.
لقد بدأت مرحلة الاستعمار بالسيطرة على تجارة التوابل التي كانت تدر أرباحاً طائلة، وشكل ظهور النفط واكتشافه مرحلة جديدة من الاستعمار، فقد استغلت الدول الاستعمارية تقدمها العلمي والتقني في الكشف عن مكنونات الأرض من هذا الذهب الأسود دافعاً لمص خيرات الناس مخلوطة بعرقهم ودمائهم، فحلت الشركات الرأسمالية في البلاد النفطية، وأبرمت عقوداً رأسمالية جائرة تملكت بواسطتها خيرات الشعوب النفطية مناصفة، مقابل الكشف عنها واستخراجها من باطن الأرض ونقلها وتسويقها وبيعها. فلم يكفها ذلك، بل إنها تطلعت للسيطرة على ما سيعود على الناس فوضعت عائد تلك الشعوب المالي حسابات وأرقاماً في بنوكها تنعم بتشغيله فتستفيد هي من استخدامه وتحرم الناس من استغلاله.
تركت الدول الرأسمالية شعوبها التي تحكمها أشلاءً، جراء الفشل الفكري للمبدأ الرأسمالي جراء فصل الدين عن الحياة الذي حرم الناس من إشباع غريزة التدين وأدى إلى اضطراب حياة الإنسان المفطور على التدين، والدليل على ذلك تخلي الناس بشكل كبير عن فصل الدين عن الحياة فاتجهوا للإقبال على دراسة الأديان على اختلافها سعياً لإشباع غريزة التدين التي حرموا منها، والفشل السياسي بسقوط الشعارات الكاذبة التي تحدثت عن الحريات بعد تعرض حرياتهم للقمع منذ 2001م، والتخلي في الاقتصاد عن سياسة حرية السوق، والتدخل فيه من قبل الدولة لإنقاذ الشركات والبنوك الكبيرة من الانهيار الاقتصادي جراء الأزمة الاقتصادية 2008م، وأكذوبة جلب الديمقراطية لأفغانستان وتحرير المرأة الأفغانية، وتخليص العراقيين من الديكتاتورية واستقبال العراقيين لهم بالورود. لكن الحقيقة المخفية التي اكتشفها الناس مؤخراً كانت لهاث الرأسماليين المستعمرين وراء النفط في بحر قزوين الذي سيمر أنبوب النفط الذي سينقله في أفغانستان، أما نفط العراق فيكفي ما تحدث به آل غور في كتاب هجوم على العقل. ولتحقيق ذلك استخدم الرأسماليون الأمريكيون أسلحة اليورانيوم المنضب وغير المنضب لاحتلال أفغانستان والعراق.
ولد المبدأ الرأسمالي منذ مائتي عام ونيف، فلننظر إلى آثار الخراب التي أحدثها، ولم تتوقف في بلاده وتعدتها إلى البلاد التي استعمرها وأحدث فيها من إضرار وخراب وتدمير، جراء الحروب التي شنها لبلوغ غاياته الاستعمارية، فقد شن حربين عالميتين ذهب ضحيتهما قرابة 10 مليون قتيل وأكثر من 20 مليون جريح في الأولى و60 مليون قتيل في الثانية. واستخدامه للأسلحة النووية التي انتشرت جراءها الأورام السرطانية والتشوهات الخلقية.
فقد أضر بالإنسان بدءاً بإطلاق غريزة حفظ النوع الإنساني، مروراً بتغيير ركني الأسرة من رجل وامرأة إلى رجلين أو امرأتين، ووضعه في المختبرات لإجراء التجارب عليه فظهر نقص المناعة “الإيدز” وغيره من الأمراض الفتاكة، وأجرى عليه تجارب الاستنساخ بدون قيود، وصولاً إلى التغيير الجنسي، بل تعدته إلى الحيوان فلم تتركه على طبيعته بالتدخل في الهندسة الوراثية وتغيير طريقة حياته وإبدال أطعمته النباتية التي جُبل عليها بأطعمة حيوانية أضرته وما جنون البقر عنا ببعيد، والنباتات التي نالت نصيبها من التخريب بتعريض بذور بعض النباتات للأشعة النووية بقصد فقدها قدرتها على الإنبات، والبحار والمحيطات بإلقاء النفايات الصناعية الضارة فيها من السفن، والهواء الذي لوثته بالنفث المريع للغازات الدفيئة من أول أكسيد الكربون والصوبات الزراعية التي أدت إلى الاحتباس الحراري الذي زاد من حرارة الأرض، ونتج تبعاً لذلك ذوبان المحيط المتجمد الشمالي وارتفاع منسوب مياه البحار وغرق الجزر والأراضي المنخفضة، واتساع ثقب الأوزون ودخول جزيئات الشمس الضارة بالحياة على الأرض.
كان الجدال مريراً مع من يدعون للديمقراطية حول العالم وفي بلاد المسلمين بشكل خاص. لكن ما أفرزته الانتخابات الرئاسية الأمريكية مؤخراً فضح على الملأ حقيقة الديمقراطية، فلا ندري ما تبقى لدعاة الديمقراطية. فالطرفان المتصارعان المرشحان الجمهوري ترامب والديمقراطي بايدن تراشقا باتهامات تزوير الانتخابات، ويرمي كل منها الطرف الآخر. إن العادات الأمريكية تقضي بأن يهنئ الرئيس المهزوم الرئيس الفائز بالانتخابات، ولأول مرة لم يفعل ذلك ترامب، وتمسك بأنه هو الرئيس الفائز، وأصر على بقائه لفترة رئاسية ثانية، ورفض نتائج الانتخابات، ودعا أنصاره لاحتلال مبنى الكونجرس الأمريكي بغية منعه من إعلان خسارته في الانتخابات الرئاسية.
تهالكت الديمقراطية في عقر دارها لتنزاح عن صدر العالم وتنتهي أطول أكذوبة وأضحوكة على مدى قرنين ونيف من الزمان. لم يكن يدر بخلد المخدوعين من العالمين بأن هذه هي حقيقة الديمقراطية التي طالما تزينت في أعينهم لتخفي من قبحها، وزفت بضجيج الطبول والأصوات العالية بغية طمس الواقع والحقيقة، وقدمت إلى مريديها بأنها العروس المصون التي لم يطأها واطئ، وأن مواليدها مختلفون لا يشبههم أحد.
بالطبع إنه لو كانت ثورة البخار – التي استغلها الرأسماليون أسوأ استغلال – من نصيب المسلمين، فإن العالم كان سيستفيد منها غاية الفائدة، كتلك التي حصل عليها الناس حين وصلت إليهم علوم الطب والصحة والرياضيات والفلك وغيرها من العلوم التي عادت على الناس بالخير الوفير. وكذلك نمط العيش السيئ الذي يغرق فيه العالم اليوم في ظل قيادة الرأسمالية للعالم، فهي بين حالين؛ شهوات جارت بها الحيوانات بل لم تقدم عليها الحيوانات، وأمراض عمت الكون، وما حالات الأورام السرطانية المرضية إلا نتاج لتصنيعه الجشع اللاهث وراء الربح الطائل سواء أكان في صناعة الأغذية أم في غيرها من المصنوعات التي لم تراع حلاً أو حرمة.
لقد أوصل المبدأ الرأسمالي البشرية على الكرة الأرضية إلى شفير الهلاك، كل ذلك خلال أقل من ثلاثة قرون! وآن الأوان أن تعود دفة قيادة العالم للإسلام بقيادة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة كي تقودها أحسن قياد كما قادته من قبل لأكثر من ألف عام، والشواهد التي تدل على ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى.