الخلافة وحدها من سيوقف إجرام الرأسمالية واستعبادها للشعوب
الخلافة؛ إنها كلمة وراءها ما وراءها، كلمة ملأت الدنيا شرقها وغربها لمدة ثلاثة عشر قرنا فكانت القبلة لكل الأمم لعدلها وقوتها وإنصافها ورعايتها، فلم تكن يوما استعمارية لنهب ثروات الشعوب بل فتحت البلاد في أصقاع الأرض ونشرت العدل والخير في ربوع العالم، يستقوي بها الضعيف وييمّم لها التائه، ويستنجد بها الملهوف. ولكن ما الذي حصل؟ لماذا اختفت هذه الكلمة من أذهان المسلمين؟ لماذا أصبحت هذه الكلمة من الكلمات التي يتندر بها؟ وهل الغرب أكثر وعيا عليها من أبناء المسلمين؟ ولماذا يصرح بها كل حين قادة الغرب وزعماؤه؟ فهل يدركون واقعها أكثر من قادة البلاد الإسلامية؟ وللإجابة على هذه التساؤلات لا بد من التبيان ووضع الواقع محل البحث وتجريد التاريخ مما أضيف إليه من تزوير وتدليس وكذب، خاصة في ظل هذه الدويلات العميلة والتي أورثها الاستعمار أعماله في التدليس والحشو.
إن واقع الدولة الإسلامية منذ أقامها سيد الخلق محمد ﷺ وأصحابه ثم الخلفاء الراشدون من بعده ثم الأمويون والعباسيون والعثمانيون لم تكن تحكم بغير الإسلام مطلقا ولم يكن لهم أي تشريعات أو قوانين إلا من الإسلام، فالذي كان موجوداً خاصة في نهاية الدولة العثماني هو ضعف فهم الإسلام وأحكامه نتيجة بُعد اللغة العربية عن الدولة وشؤونها والحملات التي قام بها الغرب الكافر لضرب الدولة الإسلامية فكرياً بعدما عجز عن ذلك عسكرياً، وكان من أبرز مساوئ الحكم العاض الإساءة في طريقة أخذ البيعة، ولذلك وصفها الرسول ﷺ بالحكم العضوض بعد الخلافة الراشدة، فالإسلام وأحكامه كانت لها السيادة في حل مشاكل الناس في جميع شؤون حياتهم على الرغم من ذلك.
وكان المسلمون يعيشون حياة إسلامية فليس عندهم فراغ فكري، فجميع مشاكلهم كانت تعالج بأحكام الإسلام وأنظمته، هذه هي الخلافة الإسلامية؛ إسلامية ليس غير، فلماذا اختفى هذا الصرح العظيم؟
إن الغرب أدرك بأن سر قوة الإسلام يكمن في أفكاره والأنظمة المنبثقة من عقيدته، فكيف يمكن القضاء على الخلافة وهذه القوة الفكرية في الإسلام موجودة بين أبنائه؟ فكان لا بد من إضعاف فهم الإسلام في أحكامه وأفكاره وتمييعها وحرف مقاصدها ولي أعناقها، ولكن كيف ومن يقوم بهذا الدور كان لا بد من إرسال مستشرقين لفهم الإسلام وأحكامه لإيجاد ثغرات لضربه وإثارة النعرات القومية والوطنية واستقطاب عملاء لمساعدتهم، فجهز المجرمين ومنهم (الشريف) حسين ومبارك الصباح وحكام آل سعود ومصطفى كمال وكثير ممن أسموهم مفكرين وكتّاباً وخريجي جامعات السوربون وأعضاء الحركة الماسونية، وكان هناك عمل طويل قام به الغرب الكافر خاصة بريطانيا للقضاء على الدولة الإسلامية، وبالتالي أضعفت الدولة الإسلامية حتى صارت تلقب بالرجل المريض.
وتوجت بإيصال مجرم العصر مصطفى كمال عميل الإنجليز ليسقط الخلافة ويعلن العلمانية وحربه على الإسلام، ولكن ظلت الخلافة في أذهان المسلمين وعقولهم وذلك لعيشهم في ظلالها، فأقام الغرب حربا شعواء لتشويهها في حرب أفكار شملت كثيراً من أحكام الإسلام ناهيك عن الخلافة التي كانت تلم شعثهم، فقد نجح الغرب فعلا بعد القضاء على خلافتهم في إدخال الكثير من الأحكام العلمانية خاصة المتعلقة بأنظمة الدولة وكيانها، وإثارة النعرات القومية والوطنية واستخدم العملاء والأتباع في سن وإدخال القوانين الوضعية على أنظمة هذه الدويلات وضرب الخلافة وفكرتها في مقتل لولا لطف الله فقد ظلت في أذهان كثير من علماء الأمة منهم الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله الذي اتخذها قضية مصيرية بالنسبة له فأنشأ حزبا لأجل ذلك، فقد كانت الدعوة للخلافة سر قوة الحزب. فقد رأى الحزب أن الواقع موضع التفكير، وجعل الشرع مصدر التفكير، وأتى بالعمل لجميع هذه المشاكل التي تعانيها الأمة من الشرع الحنيف، وبدعوة الحزب لهذه الفكرة جن جنون الغرب وعمل على تشويهها وتشويه صورة دعاتها.
وإذا قارنا بين واقع الخلافة والدول الكبرى اليوم مثل أمريكا التي تعتبر الدولة الأولى العالم اليوم لوجدنا أن الخلافة حكمت العالم أكثر من هذه الدول، فتاريخ أمريكا لم يتجاوز السبعين سنة ورغم هذه السنون القليلة مقارنة بعمر دولة الخلافة إلا أنها ارتكبت جرائم، فقامت على جماجم الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين وأيضاً احتلال الشعوب ونهب ثروات الأمم والحروب التي قامت بها في أفغانستان والعراق وفلسطين وغيرها شاهد على جرم وبشاعة الدول الاستعمارية فلا مجال للمقارنة بين دولة الخلافة وهذه الدول مثل أمريكا.
فلا بد لأبناء المسلمين من بذل الوسع لمعرفة واقع دولتهم خاصة بعد تشويه التاريخ وضربها بكل ما أوتي الغرب الكافر عن طريق المال والإعلام والعملاء، ناهيك عن علماء السلاطين والمضبوعين بأفكار الغرب وأقلامهم المأجورة من أبناء المسلمين أنفسهم.
إن وعي الغرب على الخلافة وأنظمتها وواقع تاريخها يجعله لا يغمض طرفة عين، فقد سخر كل إمكانياته للحيلولة دون عودتها فهو يدرك ويعلم ما هي الخلافة أكثر من أبناء المسلمين أنفسهم لأن وجودها يعني زواله ونهاية نفوذه وغزوه في عقر داره إن بقي له دار.
فالأعمال التي تنسب للخلافة لتشويهها لم تعد تنطلي على أحد إلا لمن فقد بصره وبصيرته وباع دنياه وآخرته فهو منهم وقد رضوا عنه ونصبوه على رقابنا يحكمنا بدساتيرهم وأنظمتهم. إن ذكر الخلافة على لسان قادتهم وكبار سياسييهم لينم عن أن القوم لهم زاوية تبنى عليها سياستهم وهي عدم عودة الإسلام للحكم، فلا يمر يوم إلا والغرب ينطق بالإرهاب ومحاربته ويقصد الحرب على الإسلام، أكثر الكلمات تداولا في بياناتهم وبيانات عملائهم وأتباعهم، فهم قد جعلوا عدم عودة الإسلام قضية مصيرية بالنسبة لهم، فهل نجعل عودة الخلافة قضية مصيرية بالنسبة لنا.
إن المسلمين وتاريخهم وعزهم وقوتهم لم تكن إلا بوجود الخلافة، وقد سقط المسلمون في الحضيض بسقوطها وذلك لسبب بسيط هو أن الإسلام كان له كيان يطبقه، فبعدم وجود هذا الكيان ظل الإسلام غائبا عن حياة المسلمين ولم يعودوا يعيشون عيشا إسلاميا ولم يعد موجودا إلا في النواحي الفردية، وأصبحوا يحكمون بقوانين الغرب وأنظمته وأحكامه وأصبحت الأفكار الغربية تسيطر على معظم حياتهم.
ونحن في الذكرى المئوية لهدم دولة الخلافة نذكرهم بهذا الفرض العظيم ونشد على أيديهم للعمل لإقامتها مع العاملين المخلصين شباب حزب التحرير وفي طليعتهم أميره العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله.