آن أوان إقامة الخلافة الراشدة آن أوان خير أمة أخرجت للناس
يبحث أبناء المسلمين اليوم عن مخرج من هذا الحال المزري الذي آل إليه حال أمتهم الجريحة التي لم يبق كافر ولا منافق ولا عميل من أعداء الإسلام إلا ونال من جسدها الهزيل. فقامت الثورات وتوالت في بلاد عدة من بلاد المسلمين التي تعاني من المشكلات المعيشية نفسها وتعاني تداعيات الحرب الشرسة ذاتها على العقيدة الإسلامية، وعمل الرويبضات وعلماء السلاطين على تغييب الحكم بما أنزل الله عن حياة المسلمين. والنتيجة واحدة بعد الثورات التي اشتعلت؛ القتل والبطش والتنكيل وسرقة الأنظمة الحاكمة للثورة بالقوة وبالتواطؤ مع الغرب الكافر المستعمر الذي يتحكم في البلاد والعباد.
إن الفائدة من الثورات أنها زادت وعي المسلمين العام على المؤامرات الخبيثة التي تُحاك ضدهم وفضحت كل من يحارب الإسلام وكل من يدعو لجاهلية العلمانيين والشيوعيين والرأسماليين كالدعوات الغربية إلى “حكومات انتقالية واتفاقيات ومواثيق دولية”، وإلى “التحول الديمقراطي والانتخابات الحرة والتطبيع مع يهود والدساتير العلمانية والقوانين الوضعية”، ودعوات “مساواة الرجل والمرأة وحقوق الإنسان والمرأة والطفل”، ودعوات “الوطنيات والقبليات وتكريس حدود سايكس بيكو والسدود وتسخير جيش المسلمين لحراسة العدو”، والدعوات إلى “مساواة الأديان والحوار والإسلام المعتدل والوسطي”، ودعوات “الاقتصاد الحر ورفع الدعم وتذبذب الدولار وطباعة العملة والاستثمارات الأجنبية”، بينما يُقتَل المسلمين بالآلاف يومياً وتُهدم بيوتهم ومساجدهم وتُحتل أراضيهم وتُنهب ثرواتهم، فالواقع واقع مظلم والشعارات شعارات براقة مزيفة!
إن الأزمات القاتلة التي يمر بها المسلمون في بلادهم هي أزمات مشتركة بينهم وعدوهم عدو واحد يتحكم بهم بفرض سياسات علمانية رأسمالية خانقة؛ فالحكم في بلاد المسلمين بيد الكافر الغربي المستعمر وأذنابه العملاء في الأنظمة الحاكمة، ويعول هؤلاء على أن الأمة رُوضت فكرياً وأنها ستتقبل وستسكت على القذارات السياسية والضغوط الاقتصادية والفواحش الاجتماعية وكل ما يرميه أعداء الإسلام في وجه أبناء المسلمين، فالحرب هي حرب أفكار والحرب الثقافية الغربية على المسلمين قد جعلت الأولوية في أذهانهم للأفكار الغربية الفاسدة وزادت من تشكيك المسلمين بصلاحية الأحكام الشرعية بحجة أن الإسلام السياسي ونظام الحكم في الإسلام؛ دولة الخلافة الراشدة التي تنقل الأمة الإسلامية إلى قيادة العالم لا تصلح للتطبيق في هذا الزمان، لكن سقطت الأقنعة الواحد تلو الآخر وانكشف للمسلمين من يكون الصديق الحقيقي ومن هو العدو، وبات المسلمون أقرب للإسلام بنفورهم من العلمانية، وأصبح مطلب التغيير على أساس الإسلام هو ما يعملون له. لكن لم يتخذ المسلمون بعد قائد لهم يخرجهم من هذه المرحلة الحرجة؛ مرحلة استعادة سلطان الأمة المسلوب واستعادة حقها في اختيار من يحكمها بالإسلام في دولة فيها السيادة للشرع؛ حق الأمة أن تختار خليفة واحداً للأمة الإسلامية ليطبق الإسلام على جميع الناس في نظام الحكم في دولة المسلمين – دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة – دولة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأصل أن الأمة الإسلامية، أمة سيدنا محمد ﷺ خير أُمة أخرجت للناس، والمسلمين شهداء على الناس قد حملوا أمانة الله ورسوله ﷺ؛ رسالة الإسلام العظيمة: قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110]. وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 41].
وقد ربط الله تعالى هذه الخيرية بل وربط تمكين الأمة الإسلامية في الأرض بقيام المسلمون – رجالاً ونساءً – بفرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ بيد الأمم الأخرى لإخراجها من الظلمات إلى النور ونشر الإسلام وحمل دعوته إلى العالم، فلا خيرية إلا بالإيمان بالإسلام عقيدة ونظاماً، وبالاستجابة لأوامر الله ونواهيه والدعوة للالتزام بالأحكام الشرعية والعيش على منهاج النبوة في جميع نواحي الحياة، ولن تُعطى الأمة الإسلامية النصر والتمكين بصمتها على انتهاك حُرمات الله والسكوت على الظلم وغياب من يقوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات باليد واللسان والقلب: عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ». وأما المعروف فهو اسم جامع لكل ما عُرِف من طاعة الله تعالى والتقرب إليه، وهو كل ما أمر الله به ورسوله ﷺ، وأما المنكر فهو كل ما قبَّحه الشرع وحرَّمه وكرهه؛ أي هو كلُّ ما نهى الله تعالى ورسوله ﷺ عنه.
وهكذا على أبناء المسلمين أن يتحملوا مسؤوليتهم الشرعية تجاه أمتهم وأن يستجيبوا لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام وأن يعملوا للنهضة الفكرية الحقيقية بالإسلام، فالإسلام مبدأ متكامل؛ أفكاره ومفاهيمه بنيت على العقيدة الإسلامية وعلى الأنظمة المجتمعية التي تنبثق عنها لتشمل حياة البشر جميعاً، فما يجعل العقيدة الإسلامية وما ينبثق عنها من أحكام شرعية حية بين الناس وملموسة ومؤثرة على المسلمين في جميع أقوالهم وأفعالهم بجعل الحلال والحرام هو المقياس وتطبيق الأحكام الشرعية التي أنزلها الله تعالى في القرآن الكريم والسنة الشريفة تطبيقاً عملياً فاعلاً في جميع جوانب الحياة ويكون من المسلّمات في بلاد المسلمين؛ يحتكم الفرد أو الجماعة إلى الإسلام في جميع ما يخص أنظمة المجتمع؛ في النظام السياسي وأجهزة الحكم ومواد الدستور والقوانين، وفي النظام الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي وتوفير الخدمات ورعاية شؤون الناس بتطبيق شرع رب العالمين، لا يستوي ذلك إلا بالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر بدءاً من الأفكار والمفاهيم التي تؤثر على سلوك الأشخاص وعلى الرأي العام في المجتمع وعلى سياسات الدولة، فما يدعو إليه الإنسان يعكس ما يحمله من أفكار ولا ينفصل الدين عن الحياة وعن السياسة: جاء في الحديث عن الرسول ﷺ قال: «وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ صَامَ وَإِنْ صَلَّى؟ قَالَ: وَإِنْ صَامَ وَإِنْ صَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ؛ بِمَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
والمقصود بدعوى الجاهلية هي كل دعوة تخالف الإسلام وتمزق شمل المسلمين ووحدتهم؛ أي السكوت عن كل معروف يجب أن يُؤمر به وقبول كل منكر يجب أن يُنهى عنه. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منها مسؤولية الأفراد ومنها مسؤولية الجماعات والأغلب منها مسؤولية الحاكم الذي بيده شؤون الناس ومصالحهم والذي يسن القوانين ويقود الأمة.
إن الباحث عن المخرج عليه أن يعي تماماً أن أسباب النصر يحملها كل مسلم واعٍ يربط بين أقواله وأعماله وبين الشرع الحنيف. وأن هذه الحرب الفكرية بين الحق وبين الباطل يفوز فيها من علا صوته بالحق ورفعه في وجه سلطان جائر، فالحكم بما أنزل الله وإقامة دولة الخلافة الراشدة هو تاج الفروض، فالدولة ستغير 99% من المنكرات في المجتمع والدولة وحتى في الأمم الأخرى، وستُسخّر مقدرات الأمة في الاتجاه الصحيح، وهي التي ستقوم برعاية شؤون الناس والأمر بجميع أشكال المعروف، فمن ينتصر هو من سار على درب ونهج رسول الله ﷺ الذي خاض هذه الحرب في الجاهلية وانتصر فيها الإسلام وشبابه على الكفر وأذنابه وأقام دولة الخلافة الأولى في المدينة المنورة وحكم الإسلام العالم. واليوم لن يتحقق النصر إلا باتخاذ المخلصين من أبناء المسلمين في حزب التحرير الذين أخذوا على عاتقهم القيام بإقامة الخلافة الراشدة واستئناف الحياة الإسلامية مرة أخرى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قضية مصيرية لأمتهم العظيمة. قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104].
على الشباب الواعي أن ينصرهم ويقف معهم في وجه الرويبضات، والوعي على الطريقة الشرعية الصحيحة لتحقيق ذلك هو الحل وهو المخرج. فلا بد للأمة أن تتسلح بالوعي العام الذي ينبثق عن عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله فلا تداهن ولا تضعف وأن لا تتنازل عن إسلامها وأن تتحمل مسوؤليتها وأن تتحمل الأمر الذي كلفها به الله تعالى لتنهض من جديد ولتقود العالم مرة أخرى. فحال المسلمين قد انحدر قبل الثورات منذ 100 سنة، ومنذ أن هُدمت دولة الخلافة في سنة 1924م حين فقدوا نعمة العيش في كنف الإسلام وفقدوا سعادة الحياة الإسلامية التي تُهيئ للمسلم وأهله وأبنائه وجميع من حوله مجتمعاً يكون فيه الحاكم والمحكومين قرآناً يمشي على الأرض تأسياً برسول الله ﷺ فكانت الأمة الإسلامية دائماً في تاريخ البشرية حاملة الأمانة والدعوة إلى الإسلام والشاهد والمبشر والنذير للأمم الأخرى، كما كان الرسول ﷺ شاهداً بالوحي على قومه. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً﴾ [الأحزاب: 45، 46]. وقَالَ تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ [البقرة: 143].
يا أبناء المسلمين قوموا إلى واجبكم تجاه ربكم وتجاه رسولكم ﷺ وتجاه أمتكم وتجاه البشرية.. فحين يحمل المسلمون قضية الحكم بما أنزل الله والإسلام خالصاً قضية مصيرية، وحين يكون العمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة لتطبيقه قضية حياة أو موت سيكون النصر على الباطل حقاً لهم. قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47].
وإلا ماذا أعددتم جواباً حين يسألكم الله تعالى إذا بلغتم وشهدتم على الناس؟!