تشخيص المرض: غياب الخلافة، والعلاج: إعادتها
تعاني البلاد الإسلامية اليوم من مشاكل كثيرة ومتنوعة ومتعددة يطول شرحها وذكرها، فلا أمان ولا رعاية ولا حقوق، وحروب وويلات ونزوح ولجوء واحتلال، وفقدان أبسط معاني الحياة… وهذا كله على الصعيد المادي، وأما على الصعيد المعنوي: فلا كرامة ولا رفعة ولا ذكر لأمة محمد ﷺ في المجالات العلمية والتقنية والتكنولوجية والصناعية والحربية ولا حتى الإدارية، اللهم إلا إنجازات فردية هنا وهناك لبعض المسلمين لا تكاد تذكر وليس على صعيد الأمة كأمة، بل وحتى كلمة أمة لا تكاد تذكر اليوم إلا عند الحج، وحتى في رمضان فقد غاب هذا المفهوم لكثرة الخلافات السياسية بين حكام المسلمين الذين جاؤوا هم وآباؤهم وأجدادهم بعد اتفاقية سايكس بيكو بعد هدم دولة الخلافة عام 1924م.
هذه المشاكل والمصائب على الصعيدين المادي والمعنوي التي يعاني منها المسلمون والمذكورة أعلاه هي أعراض لسبب واحد حقيقي ألا وهو هدم دولة الخلافة الإسلامية وغيابها عن الوجود رسميا منذ الرابع من آذار 1924م.
والذي حصل بعد هذا التاريخ هو أمر مهم وهو غياب سلطان الأمة. فصار القرار في كل أمر يؤخذ دون إشراك الأمة فيه بل صارت القرارات تأتي جاهزة ومقررة من الإنجليز والفرنسيين ثم الأمريكان. لقد قامت بريطانيا وفرنسا بهدم الدولة عن طريق الهاشميين ومصطفى كمال، وبذلك انتقل سلطان المسلمين للغرب فشكلوا الكيانات القطرية ووضعوا عليها العملاء وأسسوا لها الدساتير الوضعية، ومنذ ذلك التاريخ والمشاكل والمصائب والويلات تتوالى وتتعاظم وتتراكم ولا يكاد المسلمون ينتهون من مصيبة إلا ورافقتها أو تلتها مصيبة أخرى غيرها. إلا أن كل هذه المشاكل والمصائب تشترك في السبب وراءها، وكلها تشترك في التشخيص نفسه ألا وهو غياب دولة الإسلام من الوجود.
فالأعراض كثيرة ومتعددة ومتجددة ولكن السبب والمرض واحد لا ثاني له؛ غياب الخلافة وضياع سلطان المسلمين وقرارهم مع غيابها. وبسببتعدد الأعراض والجراحات والمشاكل والهموم انشغل معظم المسلمين بعلاج الأعراض وليس السبب، أي بدل أن يصب علماء المسلمين الأفاضل جل جهدهم على علاج السبب أي لإرجاع الخلافة للوجود ليعود معها سلطان الأمة وقرارها السياسي لها، انشغل العلماء للأسف بالأعراض وتبعثرت الطاقات وهدر الوقت في علاج كل شيء إلا السبب الحقيقي الذي يقف وراء كل هذه الأعراض.
أيها العلماء الأفاضل، يا أمة الإسلام العظيمة: إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وإنه بغياب الخلافة لن يتم علاج مشاكل المسلمين أبدا، بل إن التأخير في العلاج لا يؤدي إلا إلى زيادة في الأعراض. ومثال بسيط على ذلك: فقد كانت الأمة الإسلامية تعاني من احتلال فلسطين فقط، والآن الصومال، والعراق وأفغانستان والشيشان وسوريا وليبيا والبوسنة وغيرها… فبغياب الخلافة ضاع القرار السياسي عند الأمة فضاعت فلسطين، وبتأخير وتأجيل عودة الخلافة للوجود ضاعت كل هذه الأراضي الإسلامية بعد فلسطين ولم تحرر فلسطين.
هذا غيض من فيض وقطرة من بحر للتدليل على أهمية العلاج للسبب وكيف أن تأخير هذا العلاج والانشغال بعلاج الأعراض لا السبب يؤدي لمزيد من الويلات والمصائب، وقس على ذلك. واللبيب بالإشارة يفهم. وهذا حديث رسول الله ﷺ يضيء الطريق ويكشف الغمة عن هذه الحقيقة وعن التشخيص. فقد قال رسول الله ﷺ: «لَتُنْتَقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ» رواه أحمد