رسالة إلى الشباب قلب الأمة النابض ودمها المتدفق وعصب حياتها
الشباب هم من أعظم ثروات الأمّة، فثروة الأمم ليست في الذهب الأبيض ولا في الذهب الأسود، وإنما في الإنسان فهو أغلى من كل شيء، وأعظم ما يكون الإنسان في مرحلة الشباب؛ لأن مرحلة الشباب هي مرحلة القوة والعطاء، وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم، فزادهم ربهم هدى، فهم جماعة من الشباب آمنوا بالله فثبّتهم على الدين وزادهم يقيناً.
ومن المعلوم أن الشباب في كل أمّة هم قلبها النابض، ودمها المتدفّق، وعصب حياتها، وعنوان تقدّمها، وأمل مستقبلها، وبحر علمها الفيّاض، فهم أصحاب الهِمَمِ العالية والنفوس الطاهرة الزكية؛ لذلك فقد أولى الإسلام عناية كبيرة لشريحة الشباب، حيث كانوا أسرع شرائح المجتمع استجابة للدعوة الإسلامية، فقد دخلوا في دين الله أفواجاً وهم في سن الشباب، فقد روى الطبراني أن أبا بكر الصديق دخل الإسلام وعمره 37 سنة، وعمر بن الخطاب 26 سنة، وعثمان بن عفان 20 سنة، وعلي بن أبي طالب 8 سنوات، وعبد الرحمن بن عوف كان في حدود الثلاثين، وأبو عبيدة بن الجراح 27 سنة، والزبير بن العوام 16 سنة، وطلحة بن عبيد الله 11 عاماً، وسعد بن أبي وقاص 17 سنة، وعبد الله بن مسعود 14 سنة، والأرقم بن أبي الأرقم 12 سنة، وسعيد بن زيد 19 سنة، وجعفر بن أبي طالب 18 عاماً، وصهيب الرومي كان عمره دون العشرين، وزيد بن ثابت كان دون العشرين، وخباب بن الأرت كان عمره 20 سنة، وعامر بن فهيرة 23 عاماً، ومصعب بن عمير 24 عاماً، والمقداد بن الأسود 24 سنة.
والشباب هم عماد الأمة الإسلامية ومبعث قوتها وحضارتها، وهؤلاء الصحابة الكرام تخرّجوا من مدرسة دار الأرقم بن أبي الأرقم ونهلوا من توجيهات الرسول عليه الصلاة والسلام. لذلك فقد حرص نبينا ﷺ على العناية بالشباب وإعدادهم إعداداً جيداً، والشباب هم من وقفوا مع رسول الله ﷺ في تبليغ دعوته، ونصر الله بهم الدين وأَيَّدَ بهم الحق، فالشباب هم الذين حملوا راية الإسلام عالية خفّاقة ورفعوا لواء الحق، حيث تولّوا الدفاع عن دولة الإسلام، وهذا على سبيل المثال الصحابي الجليل أسامة بن زيد الذي قاد جيشاً فيه كبار الصحابة وكان عمره وقتذاك 18 عاماً.
فالشباب هم السواعد التي تُفَجِّر الأرض خيراً، لتصبَّ في حقل البشرية الخصيب، وإذا كان الشباب مخلصاً مؤمناً فإنه يحقق لنفسه الفوز في الدنيا والفلاح في الآخرة، ومن هنا كان للشباب دور الريادة والقيادة في تاريخ الإسلام المشرق، ففي ميدان الفتوحات كان لهم السَّبق، وهذا هو البطل محمد الفاتح محقق بشرى النبي ﷺ، فقد ظل حلم فتح مدينة القسطنطينية (مدينة إسلام بول والتي حُرف اسمها إلى إسطنبول الآن بتركيا) يداعب خيال الفاتحين المسلمين ثمانية قرون كاملة، وجرت محاولات عديدة لفتحها لكنها لم تتم وذلك منذ عهد الصحابي معاوية بن أبى سفيان، كلهم كان يود أن يكون هو صاحب البشارة النبوية التي بشر بها النبي ﷺ بقوله: «لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ»، فمن هو صاحب تلك البشارة؟ إنه محمد الفاتح ابن السلطان العثماني مراد الثاني، وكان شابّاً فتيّاً في العشرين من عمره، ممتلأ حماساً وطموحاً، يفكر في فتح مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية. وسيطر هذا الحلم على مشاعر محمد الفاتح، فأصبح لا يتحدث إلا في أمر الفتح، ولا يأذن لأحد ممن يجلس معه أن يتحدث في موضوع غير هذا الموضوع، وبعد أن أتم السلطان محمد استعداداته زحف بجيشه البالغ 265 ألف مقاتل من المشاة الفرسان ومعهم المدافع الضخمة حتى فرض حصاره حول القسطنطينية، وبدأت المدافع العثمانية تطلق قذائفها على أسوار المدينة الحصينة دون انقطاع ليلاً أو نهاراً، وكان السلطان يفاجئ عدوه من وقت لآخر بخطة جديدة في فنون القتال حتى تحطمت أعصاب المدافعين عن المدينة وانهارت قواهم. وفي فجر يوم الثلاثاء الموافق 20 من جمادى الأولى 827ﻫ الموافق 29 من أيار/مايو 1453م نجحت القوات العثمانية في اقتحام الأسوار، وزحزحة المدافعين عنها بعد أن عجزوا عن الثبات، واضطروا للهرب والفرار، وفوجئ أهالي القسطنطينية بأعلام العثمانيين ترفرف على الأسوار، وبالجنود تتدفق إلى داخل المدينة كالسيل المتدفق.
وبعد أن أتمت القوات العثمانية فتح المدينة دخل السلطان محمد الذي أطلق عليه من هذه اللحظة محمد الفاتح، على ظهر جواده في موكب عظيم وخلفه وزراؤه وقادة جيشه وسط هتافات الجنود التي تملأ المكان: “ما شاء الله، ما شاء الله، يحيا سلطاننا، يحيا سلطاننا”.
ومضى موكب السلطان حتى بلغ كنيسة آيا صوفيا حيث تجمع أهالي المدينة، وما إن علموا بوصول السلطان محمد الفاتح حتى خرُّوا ساجدين وراكعين، ترتفع أصواتهم بالبكاء والصراخ لا يعرفون مصيرهم وماذا سيفعل معهم السلطان محمد الفاتح، ولما وصل السلطان نزل عن فرسه، وصلى ركعتين شكراً لله على توفيقه له بالفتح، ثم توجه إلى أهالي المدينة، وكانوا لا يزالون على هيئتهم وقال لهم: قفوا، استقيموا… فأنا السلطان محمد أقول لكم ولجميع إخوانكم ولكل الموجودين إنكم منذ اليوم في أمان على حياتكم.
ثم أمر السلطان محمد الفاتح بتحويل الكنيسة إلى مسجد، وأذن فيه بالصلاة لأول مرة، ولا يزال يعرف حتى الآن بجامع آيا صوفيا، وقرر اتخاذ القسطنطينية عاصمة لدولته، وأطلق عليها اسم إسلام بول أي دار الإسلام، ثم حرفت بعد ذلك واشتهرت بإسطنبول.
وسلك السلطان مع أهالي المدينة سلوكاً به رحمة وتسامح يتسم مع ما يأمرنا به الإسلام، فأمر جنوده بحسن معاملة الأسرى والرفق بهم، وقام بنفسه بفداء عدد كبير من الأسرى من ماله الخاص، وسمح بعودة الذين غادروا المدينة أثناء الحصار إلى منازلهم. حقق محمد الفاتح هذا الإنجاز الكبير وهو في الثالثة والعشرين من عمره، وكان هذا دليلاً على نبوغه العسكري المبكر، واستحق بذلك بشارة النبي ﷺ لمن يفتح هذه المدينة العريقة. وبعد هذا اتجه محمد الفاتح إلى استكمال فتوحاته في بلاد البلقان، فتمكن من فتح بلاد الصرب والمورة ورومانيا وألبانيا وبلاد البوسنة والهرسك، ثم تطلعت أنظاره إلى أن يكون إمبراطوراً على روما وأن يجمع فخراً جديداً إلى جانب فتحه القسطنطينية.
وبقي الجزء الثاني من حديث البشارة وهو فتح روما معقل الفاتيكان رومية، فيما رواه الحاكم في المستدرك وغيره عن عبد الله بن عمرو قال: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً؛ قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً – يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ». صححه الذهبي في التلخيص، والألباني في السلسلة الصحيحة. فهذه المدينة أيضاً تنتظر الشباب التقي النقي الذين نذروا حياتهم خالصة لله تعالى لنصرة هذا الدين العظيم على كل الأديان سيراً على نهج النبي وصحبه الكرام. ويكفي فخراً أن يحقق الله هذا البشرى على أيديكم، وهذا بالطبع لا يتحقق في ظل هذه الأنظمة العميلة الكرتونية التي تدين بالولاء للغرب الكافر، وإنما تتحقق في ظل دولة مهمتها إعداد الجيوش لفتح البلدان لا لاستعمارها، بل لنشر هذا الدين فيها، حتى يدخل الناس في دين الله أفواجا، وهي دولة الخلافة؛ نظام الحكم الذي حدده رسولنا الكريم ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان