اجتباء الله لأمة الإسلام لقيادة الناس لخير الدنيا والآخرة
خيريتها تحيي ثقتها، وإن من يدرك مفهوم خيرية هذه الأمة للبشرية جمعاء في الحال والمآل أو يدرك فضلها على البشرية في الدنيا والآخرة، فإن هذا المفهوم لا بد أن يكون شعلة ودافعا مستمراً لا يضعف ولا ينطفئ حتى لو كانت الأمة تحت الذل والقهر والاستعمار، فإن هذا المفهوم يرسخ قناعة ويولد شعورا بالعزة والعلو؛ إذ حق ومكانة هذه الأمة عائد لها لا محالة، كما قال عز وجل: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، وعليه فطالما أن هذه الأمة باقية على إسلامها تعتنقه وتحبه ولا تتخلى عنه فلا ينبغي أن يُيأس منها، ولا تفقد الثقة بنفسها ولا أن يفقد روادها الثقة بها، فإنها مثل الجواد الأصيل يكبو مرة ولكنه لا يفقد أصالته وسرعان ما يعود لصولاته القوية، كما أخبر النبي ﷺ فيما رواه أحمد «مَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ»، فبركات الأرض قد تظهر سريعا مع أول قطرة وقد تظهر متأخرة مع آخر القطر، ولكن الغيث خير وبركة لا محالة ستظهر بركته فلا يأس منه.
ولنا في تاريخ الأمة دلالة وشاهد على ذلك؛ إذ لما غزاها المغول، تلك القوة الجبارة الجارفة، فأوقعوا الأمة تحت سطوتهم وأسقطوا هيبتها وأسروا خليفتها وانتشر فيها الرعب والخوف والخنوع والذل، حتى كان الرجل يستسلم للمغول استسلام النعجة للذبح ويفر من أمه وأبيه وزوجه وبنيه يقول نفسي نفسي، رغم هذا الحال السيئ الذي يبعث في النفوس اليأس والقنوط والانكسار إلا أن هذه الأمة فاجأت المغول أنفسهم، فبمجرد معركة واحدة في عين جالوت هزمت فيها كتيبة للمغول ثارت الأمة جميعا في كل مكان واستعادت ثقتها بنفسها، وانقضت على كل مغولي انقضاض الأسد على فريسته في الشام وبغداد وخراسان إلى بخارى، وتغير حالها من ذل وانكسار إلى عز وانتصار في بضعة أشهر.
وكذلك من الأمثلة تحرير بيت المقدس وطرد الروم من بلاد الشام بعد أكثر من تسعين سنة من التدنيس والانهزام والتشرذم. بل إن الأمة اليوم وهي تحت هذا الاستعمار والانكسار وغياب دولتها إلا أنها تثير رعباً وقلقا وأرقاً مستمراً للطغاة في الأرض، حيث يصفونها بالمارد النائم الذي إذا نهض أسقطهم جميعا. فهل بعد ذلك يجوز اليأس وفقدان الثقة؟! والشرع والتاريخ والواقع يرفع الثقة ويبشر بالخير؟! وقد قال تعالى للمسلمين بعد مصيبة أُحد وقد ضعفت معنوياتهم ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾، وإن دولة الحق لا بد يوما قادمة. قال ﷺ فيما يرويه أحمد: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالدِّينِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ».