الإسلام نظام متفرد وفيه حلول لجميع مشاكل البشرية
بُعث رسول الله ﷺ للناس كافة بشيراً ونذيراً، رحمةً للعالمين، معه القرآن مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، ليصحّح ما فسد من العقيدة، ويُطهّر ما خبث من العادات والتقاليد، ويؤكد ما حَسُنَ منها ويقرّه كما هو عليه.
وإنها لأمانة عظيمة ومهمة خطيرة أن يواجه رجل واحد مجموعات غارقة في الجاهلية، ويقوم فيهم منادياً بعبادة الله وحده، وإبطال الأوثان التي هي ميراث آبائهم الذين يعظّمونهم، ومَحَجّ قبائل العرب ومقصد قوافلهم، وأن لا فخر لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح.
إذاً فهو يهدم كل أسس المجتمع الجاهلي الفاسدة، ومنها النظم الاجتماعية الباطلة التي تتعارض مع مبدأ الأخوة التي أصلها من نفس واحدة كما قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً﴾، ومبدأ الأخوة في الإيمان والعقيدة، فالمجتمع العربي مبني على العصبية القبلية، والانتماء بنسب أو حلف في أضيق حدوده، أي الانتماء لقبيلة أو بيت منها، فقوميتها قومية ضيقة، وجنسيتها جنسية النسب، من انتمى إليها بنسب كان منها، ومن لم ينتمِ إلى نسبها عُدّ غريباً عنها، فلا تشمله العصبي”، وقد واجه رسول الله ﷺ صعاباً كثيرة في طريق دعوته، ومن تلك الصعاب مبدأ القبلية، والتي هي واقع لا مفر منه، وطبيعة لا تُمْحى، ولا سبيل غير التعامل معها بدرء مفاسدها، وتوظيفها في الخير، وإدراجها برابط أقوى وأتقى، وهو رابط الدين، حيث يلتقي الناس على مبدأ الأخوة في الله عز وجل. لأنها سبب افتخار وترفُّعٍ على الناس، وأداة عصبية وتفرقة؛ فقد حدث شجار بين الصحابة رضوان الله عليهم في المدينة يوماً فنادى كل فريق عشيرته وتوشحوا السيوف، فقال المصطفى ﷺ: «دَعُوهَا فإنَّها مُنْتِنَةٌ» يقصد القبلية، ويقرر مبدأ العدالة بين الناس على اختلاف درجات انتمائهم الأسري والقبلي، فهو يقول لأبي ذر رضي الله عنه حينما عيّر رجلاً بأمه الأعجمية: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»، ويذكرهم القرآن بالحقيقة العظيمة في قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، وبين لهم أنّ القتل والقتال لا يكون إلا لغرض شريف راق وهو في سبيل الله وطريق الحق، فقال أيضاً ﷺ: «وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ». فأوجد النبي عليه الصلاة والسلام حلاً جذرياً لمعضلة القبلية وكل عادة سيئة كانت تمارس في الجاهلية كوأد البنات أيضاً وهن على قيد الحياة، وكذلك المشاكل الاقتصادية كالاحتكار وتطفيف الكيل وإبطال بيوع كثيرة كانت في الجاهلية.
وكذلك عالج الإسلام التدهور الاقتصادي المريع الذي يعاني منه جل أهل الأرض ولا سيما المسلمون المتمثل في حالة الغلاء الطاحن، الذي يكتوي به الناس والتضييق على أعمال الناس بالجبايات المحرّمة، وغيرها، كل ذلك إنما هو ثمرة لعقود من تطبيق النظام الرأسمالي، بل هو ثمرة الانصياع التام لروشتة صندوق النقد الدولي وإهمال مصالح الناس من علاج وتعليم ومياه وبيئة، وخصخصة مؤسسات الدولة لتمكين الشركات الرأسمالية من نهب ثروات البلاد، ويراد من تلك المنظومة من المعالجات الرأسمالية الفاشلة تأهيل البلاد لدفع القروض الربوية (صك العبودية الدائم)!!
إن معالجة الأزمات الاقتصادية، تبدأ بالتفكير خارج صندوق الرأسمالية، ولا شك أن التفكير العميق المستنير، إنما يقود إلى الإسلام العظيم وأحكامه، بوصفها العلاج الناجع لهذه المشكلات الاقتصادية، ولجميع مشكلات الإنسان، ومن هذه الأحكام:
أولاً: حرّم الإسلام الضرائب، والمكوس (الجمارك)، يقول الرسول ﷺ: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ»، وهذه الجبايات المحرّمة لا شك أنها السبب المباشر للغلاء الطاحن، وتعطيل الإنتاج وزيادة البطالة.
ثانياً: إن أساس النقد في الإسلام إنما هو الذهب والفضة، الذي له قيمة حقيقية في نفسه، بدلاً عن هذه الورقة الملونة، المسماة بـ(الدولار)، والتي لا قيمة لها في نفسها، بل هي تجسيد لسيطرة أمريكا، وابتزازها لدول العالم، وسرقة ثروات الشعوب وجهودها.
ثالثاً: الدولة في الإسلام دولة رعاية، تشجّع الرعية على العمل، وحيازة الثروات، وإحياء الأرض الموات، وتذلّل الصعوبات، وتحتضن الكفاءات، وتقرض من بيت مال المسلمين من غير ربا، لتمويل الزراعة، والصناعة، والتجارة.
رابعاً: إن الملكيات في الإسلام ثلاث: (ملكية فردية، وملكية عامة، وملكية دولة) حسب واقع المادة الاقتصادية، فمثلاً المناجم الصلبة كالمعادن، والسائلة كالبترول، والغازية كالغاز، يحرم تحويلها إلى ملكية فردية للأفراد أو الشركات كما في حالة الخصخصة.
خامساً: إن الله سبحانه وتعالى قد حرّم الربا، فقال سبحانه: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾، لذلك يجب على الحكام أن يتوقفوا عن سداد فوائد القروض الربوية، فلا يدفعوا إلا أصل الدين (رأس المال)، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾.
إن سيادة المبدأ الرأسمالي هو سر الفشل، وإن نجاح هذه الأمة ونهضتها يبدأ بوعيها على مبدئها، وسر حياتها؛ مبدأ الإسلام العظيم، فلا نعدل عن شريعة الإسلام، بل نثبت قولاً وعملاً يصل الليل بالنهار، لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة؛ الطريقة الشرعية لتنفيذ هذه المنظومة من الأحكام، وغيرها من أنظمة الإسلام.
أما لعلاج قضية البطالة، التي أرّقت العالم بأسره فإن الإسلام وضع لها حلاً جذرياً، فإن واجب الدولة شرعاً هو إيجاد الأعمال لكل من يحمل تابعية الدولة، وذلك لقوله ﷺ: «الْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، ولأن النبي وهو رئيس الدولة، قد جعل نفقة الفقير الذي لا عائل له على الدولة، لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلاً فَإِلَيْنَا»، بل إن النبي ﷺ، رئيس الدولة قد تولى أمر القادرين بنفسه، وأوجد لهم عملاً، أخرج ابن ماجه «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ يَسْأَلُهُ فَقَالَ: لَكَ فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَدَحٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ. قَالَ: ائْتِنِي بِهِمَا. قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً)، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيَّ وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَاماً فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُوماً فَأْتِنِي بِهِ، فَفَعَلَ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَشَدَّ فِيهِ عُوداً بِيَدِهِ وَقَالَ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَلا أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً. فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ: اشْتَرِ بِبَعْضِهَا طَعَاماً وَبِبَعْضِهَا ثَوْباً ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لا تَصْلُحُ إِلا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ»، ومن كل ذلك أخذ الفقهاء حكماً يوجب على الدولة إيجاد عمل للعاطل عن العمل، وهو واجب الدولة في الشرع الحنيف.
إن حقيقة النظام المطبق في بلاد المسلمين وغيرها هو نظام جباية، ولا علاقة له بالرعاية، وهذه الجبايات المحرمة، والسياسات الفاشلة، هي التي عطّلت أمهات المشاريع الزراعية، وأغلقت الكثير من المصانع، فأورثت الناس الفقر والبطالة، لذلك فإن البطالة هي ثمرة تطبيق هذه الأنظمة.
إن الدولة التي تقيم وزناً لأحكام الشرع، وتسهر على رعاية شؤون الناس، وتحل مشكلة البطالة، هي وحدها دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي يجب على جميع المسلمين العمل لإيجادها في أرض الواقع لينعم الناس تحت ظل أحكام رب العالمين.
وكذلك أوجد الإسلام العظيم بأحكامه السياسية الحلول لجميع المشاكل الإنسانية على مر العصور، وأوجد نظاماً منفرداً في كل شيء، وهذه الأنظمة الراقية لا تطبق إلا في ظل دولتها؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي أسسها النبي عليه الصلاة والسلام، وسار عليها الصحابة والتابعين وملأوا الأرض عدلاً وطمأنينة ورخاءً، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً وخراباً وفوضى.