الثقة بوعد الله ونصره
الحمد لله الذي لا يخبو نوره ولا يهزم جنده ولا تبدّل كلماته، والصلاة والسلام على صاحب الشريعة الزهراء والرسالة العصماء، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن رسالة الأنبياء جميعاً ومقصدهم الذي كلفهم الله به في الأرض هو إقامة دين الله وتحكيم شرعه بين الناس، تلك كانت صفوة رسل الله وأولي العزم منهم، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾.
وكما أن إقامة الدين هو هدف أولي العزم من الرسل فكذلك اليوم هنالك من يعمل عمل الأنبياء وأتباعهم لإقامة الدين وتشييد دولة الخلافة، ويجلون الطريق بينها وبين الناس فهم أولو العزم من دعاة كل زمان.
فلا شك أن الصراع بين الحق والباطل مستمر حتى تقوم الساعة، وما أنزل الله سبحانه وتعالى قصص الأنبياء على قائدنا محمد ﷺ إلا ليربط على قلبه ويعلمه أن النصر والتمكن لأنبياء الله وأوليائه لا يأتي إلا بعد الابتلاء والتمحيص ليعلم الله من ينصره ويثق بوعده، وقد ضرب لنا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام أروع القصص حينما ألقى به قومه في النار، فنصره الله إذ قال: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾. وقال: ﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾.
فالله وعد رسله بالنصر والتمكين وليس فقط الرسل بل والمؤمنين بالله حقاً. قال عزّ من قائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. وقال: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. وما هذه الابتلاءات التي يبتلي بها الله أولياءه إلا ليعلم من يثق بنصره ويحسن الظنّ بالله ويعلم المفسدين.
وهذا ما وعاه صحابة الرسول ﷺ في غزوة بدر حين نصرهم الله وهم قلة في العدد والعدة، وأذاقهم الهزيمة بعد النصر حين اختلفت القلوب ونسيت طاعة الرسول ﷺ واستعجلوا غنائم الدنيا، وهم يومئذ كثيرو العدد والعدة.
يا ورثة الأنبياء وخيرة الأتقياء، هذه المكانة التي ارتضاها لكم ربكم ورفعكم إليها نبيّكم فلا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
انبذوا كل أفكار الغرب وبضاعته المزجاة من وطنيّة وقوميّة وديمقراطية وعلمانية، لا نريد إلا الإسلام الطاهر الذي آن أوانه، وعلى أيديكم سيعود من جديد بعزّ عزيز أو بذلّ ذليل، عزّاً يعزّ الله به الإسلام وذلّاً يذلّ به الكفر وأهله.
إن الواقع الأليم الذي نمرّ به اليوم من ملكٍ جبري وصفه الرسول ﷺ؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال نبي الله ﷺ: «يَنْزِلُ بِأُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ بَلَاءٌ شَدِيدٌ مِنْ سُلْطَانِهِمْ لَمْ يُسْمَعْ بَلَاءٌ أَشَدُّ مِنْهُ، حَتَّى تَضِيقَ عَنْهُمُ الْأَرْضُ الرَّحْبَةُ، وَحَتَّى يُمْلَأَ الْأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا، لَا يَجِدُ الْمُؤْمِنُ مَلْجَأً يَلْتَجِئُ إِلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ» حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
فهذا الملك الجبري سيرتفع ويبزغ بعده بإذن الله فجرٌ عظيم تكون فيه كلمة الله هي العليا، فأبشروا وكونوا أنتم أنصاره واعملوا مع العاملين من أبنائكم وإخوانكم.
من الناس من يظنّ بأن الله لن ينصر أولياءه ولن ينصر الدعاة إليه، وهذا سوء ظن بالله. ومن قال: إن الله لن ينصر المؤمنين وسيبقون مستضعفين مقهورين، مسجونين عليهم سيوف الابتلاء والعذاب فهذا مسيء الظنّ بالله: ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾.
والله الذي لا إله إلا هو ليقومن الإسلام قومةً يمحو الكفر، فلا يكون له وجود.
هكذا أخبرنا الصادق المصدوق ﷺ؛ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا». أخرجهُ ابنُ أبي شَيبة في المصنّف وأحمد في المسند.
فاحذروا أن يتسلل اليأس إليكم إذا رأيتم النكبات والبلايا، لأن الله تعهّد بأن ينصر رسله وأولياءه، فلا بدّ أن النصر قادم، مهما كانت مخططاتهم، فنحن على يقين بأن كل شيء بيد الله، وما علينا إلا العمل والاجتهاد والدعوة إلى الله والقيام بحق الله والله سينصر دينه، فلا نقلق ولا نجزع، بل اتقوا الله، وأحسنوا العمل، لتفوزوا بالرضا والرضوان.
اللهمّ اجعلنا من أنصار دينك، اللهمّ اجعلنا نصرك الذي وعدته القوم المؤمنين، واجعلنا العاقبة لأوليائك الصالحين، واجعلنا نارك على أعداء المسلمين، اللهم وارفع في بلاد المسلمين راية الموحّدين، اللهمّ اجعلها خلافة كخلافة الراشدين تَلُمُّ بها شملنا، اللهمّ اغفر لنا ما قصّرنا في حقك وحق المستضعفين، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلّم على سيدنا محمد.