الأمة اليوم قادرة على هزيمة قوى الكفر قاطبة
لا يخفى على أحد أن انتفاش الباطل وغلبته يعتبر من أكبر العوائق التي تثبط عزائم الناس عن القيـام والنهوض لنصرة الحق، بل لعل تمادي الطغاة في البطش والتكـبر والإفـساد في الأرض بـلا حدود، هو من أجل تكريس هذا الإحساس في نفوس الناس وفي الواقع الفعلي. حتى يمر الزمن ويظن هؤلاء الطغاة أنهم على حق، وأن جرائمهم هذه إنما هي تطهير الأرض من الفساد، وبالمقابل تظن أمتنا أن هذا الواقـع قدر مقدور لا يمكن تغييره، وبأن هذه المعادلات القائمة سنة مقررة لا يمكن اسـتبدالها.
لكن الحقيقة شيء آخر؛ فكل ما نراه في واقع حياتنا من انتفاش للباطل وانزواء للحق، إنما هو سنة إلهية على مدار التاريخ البشري، فالحرب سجال، يوم لنا ويوم علينا، وهي سنة الله تعالى في التدافع بين الناس، بصرف النظر عن قرب هذا الطرف من الحق أو بعـده عنـه، لأن لله تعالى حكماً كثيرة في صرف النصر وتعطيله عن فئة من البشر حتى وإن توفّـرت شـروط النصر كاملة، كما أنه سبحانه وتعالى قد يمنح النصر لأصحاب الباطل – لحين – ليبتلي أصحاب الحق وينظر ماذا يعملون، وهذه الهزيمة في حد ذاتها منحة في صورة محنة، يمنحها الله لعباده ليراجعوا أنفسهم ويصححوا مسارهم فيستحقوا مدد الله وعونه، ويحافظوا على النصر الذي أحرزوه.
وواقع الأمة الإسلامية مغاير لواقع أي من الأمم الأخرى؛ فمهما لاقت من طوق وحصار شديد ومُرّ، إلا أنه لا بد أن توجد بينها ثلة مخلصة تشكل الضمير الحي للأمة، تسعى جاهدة من أجل خلاصها وخلاص أمتها من أي أذى يعتريها. تلك الثلة لديها قناعات بأنها منصورة مهما وضعت في سبيلها العوائق والعراقيل، ومهما يصدر لها الأعداء من قوى الحديد والنار وقوى الدعاية والافتراء، وما المعارك التي يخوضونها ضد المسلمين في أرجاء العالم إلا سحابة غم تختلف نتائجها ثم تنتهي كما أراد الله لها بالغلبة والنصر.
ولنا في العراق وأفغانستان والشام خير مثال لوجود هذه الروح الاستشهادية التي تهزم الجيوش الجرارة، وتقـذف في قلوب الأعداء الرعب، وهذا هو مكمن القوة ورأس الحربة الذي يخشى منها العدو، ويحاول منذ قرون محوها وتغييبها من عقول أبنائنا.
ففي حرب العراق التي كان يظهر وزير الدفاع الأمريكي اليميني دونالد رامسفيلد على شاشات القنوات كالطاووس يفرض غروره بالإنجازات الضخمة التي حققها جيشه بأقل الخسائر في العراق، لم يكن يعلم أن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد وأن هناك هزيمة مخزية تنتظر جيشه في مكان لم يحسبوا حسابه، مكان لم يسمع به من قبل وهو الفلوجة.
نعم تلك البلدة الصغيرة في العراق التي حاصرتها القوات الأمريكية وحاولت اختراق المدينة من شمالها الغربي وتحديدا من حي الجولان الذي دفع المجاهدون فيه أغلى التضحيات وقدموا أروع صور البطولة والاستبسال بسلاحهم الخفيف وفوق الخفيف بقيادة ابن الفلوجة الشهيد عمر حديد المحمداوي.
ومنيت القوات الأمريكية بخسائر فادحة في الأرواح والمعدات وذلك رغم التغطية الجوية التي صاحبت الهجمة البرية. فقد قام الطيران الأمريكي بقصف معظم المدينة بالقنابل العنقودية بشكل متزامن مع قصف المدفعية وقذائف الهاون لمشاغلة المدافعين عنها ثم بعد ذلك تم تطويق القوات الأمريكية المنهزمة والمتقهقرة على أبواب مدينة الفلوجة من كل اتجاه وقطعت عنها الإمدادات وأصبحت تتعرض للضربات من خلفها ومن أمامها وعن يمينها وعن شمالها، وأخذ الخناق عليها يضيق شيئا فشيئا وكادت أن تقع فريسة للمجاهدين لولا تدخل العملاء والخونة واقتراحهم للهدنة بطلب من القيادة الأمريكية.
ولم يجد الأمريكان يومئذ شماعة يعلقون عليها هزيمتهم المخزية والمذلة سوى قناة الجزيرة. نعم كانت هزيمة مخزية تلحق بالقوات الأمريكية، لم تتعرض لمثلها تقريبا منذ الحرب العالمية الثانية.
أما أفغانستان فقد أطلقت حركة طالبان تحت قيادة الملا محمد عمر بعد الاحتلال الأمريكي حرب عصابات ضد الحكومة المركزية الأفغانية والقوة الدولية التي شكلتها أمريكا وحلف شمال الأطلسي عام 2003، وبدأت الحركة بإقامة الحواجز الطيارة والكمائن والغارات للتصدي للاستعمار.
وهناك العديد من الهجمات التي شنتها طالبان على كابول خلال الأعوام الأخيرة كما نُفِذَت في أيلول/سبتمبر عام 2012 غارة كبيرة على قاعدة كامب باستيون التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي الشهر نفسه سلَّم الجيش الأمريكي السلطات الأفغانية الإشراف على سجن باغرام المثير للجدل الذي يضم ما يزيد على ثلاثة آلاف مقاتل من طالبان المشتبه بهم.
وفي أيلول/سبتمبر عام 2015 سيطرت طالبان على مدينة قندوز الاستراتيجية، وبعد حين بدأت القوات الأمريكية تسحب قواتها من أفغانستان تدريجيا وتدرب السلطات الأفغانية لكي تحل محلها. ثم بعد مرور تسعة عشر عاماً على الإطاحة بحكم طالبان وصرف مبالغ خيالية للقضاء عليها فشلت أمريكا في تلك الحرب وفاوضت طالبان، وعلى الأخيرة نأسف.
أما الشام الجريحة فبعد فشل أمريكا المتكرر في القضاء على الثورة السورية أو حرفها اتفقت مع الحكام العملاء وأولها النظام السوري نفسه والنظام الإيراني وتوابعه من النظام العراقي والمليشيات المذهبية التابعة له في العراق ولبنان. ولما فشل كل ذلك اتفقت مع روسيا ومن ثم تركيا اتفاق مصالح على القيام بهذه المهمة الإجرامية القذرة والقضاء على هذه الثورة. ورغم كل هذا التضييق والحصار والخيانات المتتالية، فإن مواقف العزة في الشام أكثر من أن تحصى، أذكر منها غارة لأربعة من جنود أحرار الشام على مركز عمليات الروس، كذلك نخبة الخير تفتك بالغرفة الرابعة والحرس الجمهوري في داريا واقتحام المجاهدين للمليشيات الشيعية على جبهة الشيخ سعيد في حلب والهروب الجماعي لها. ولا ننسى ملحمة حلب الكبرى وسلسلة كمائن للثوار تحصد العديد من قتلى النظام بريف اللاذقية الشمالي.
يظهر من كل هذا أن هذا العدو لا يساوي شيئاً حتى في الموازين المادية بالرغم من كثرة عتاده وسلاحه، فعلى الرغم من أن هذه الجماعات مشتتة متفرقة إلا أنها استطاعت أن تقهر هذا العدو المتغطرس وتغلبه، فما بالنا لو اجتمعت كلها تحت كلمة واحدة ورجل مسلم واحد.
نعم… إن الحرب دائرة ولا تزال إلا أن طوفان الأمة الإسلامية المخلصة قد أوشك أن يجتاح كل قوى الكفر وأوشك أن يقف على قدميه ليلقن العالم كله دروساً لا تنسى في العدل والقوة والإخلاص والذود عن الأعراض، ويكون هذا الأمر حين ينتظم المسلمون تحت راية خليفة لرسول الله ﷺ في جيش واحد ودولة واحدة قريبا بإذن الله. وتلك سنة الله في خلقه، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾.