المادة -31-
المادة 31 – يشترط في الخليفة حتى تنعقد له الخلافة سبعة شروط وهي أن يكون رجلاً مسلماً حراً بالغاً، عاقلاً، عدلاً، قادراً من أهل الكفاية.
حيث إن الخلافة من الحكم (ولاية الأمر) بل هي الولاية العظمى، لذلك فإن نص المادة (19) قائم هنا، أي وجوب توفر الشروط السبعة المذكورة في الخليفة:
أما اشتراط كون الخليفة رجلاً فدليله ما روي عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه لما بلغه أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنت كسرى قال: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» رواه البخاري من طريق أبي بكرة. فهذا الحديث فيه نهي جازم عن تولية المرأة الخـلافة، لأن التعبير بـ”لن” يفيد التأبيد، وهو مبالغة بنفي الفلاح، وفيه كذلك الذم، فيكون طلب ترك أن يكون الخليفة امرأة طلباً جازماً، ولهذا يشترط فيه أن يكون رجلاً.
وأما شرط أن يكون مسلماً فلقوله تعالى: ((وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً )) [النساء] وهو كذلك فيه نهي جازم لأن التعبير بـ”لن” التي تفيد التأبيد، هو إخبار بمعنى الطلب، وما دام الله قد حرم أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيل فإنه يحرم أن يجعلوه حاكماً عليهم، إذ الحكم أعظم سبيل على المسلمين. وأيضاً فإن الخليفة هو ولي الأمر، والله تعالى قد اشترط أن يكون ولي الأمر مسلماً قال تعالى: ((أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)) [النساء 59] وقال: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ)) [النساء 83] ولم ترد في القرآن كلمة أولي الأمر إلا مقرونة بأن يكونوا من المسلمين فدل على أن ولي الأمر يشترط فيه أن يكون مسلماً، ولما كان الخليفة هو ولي الأمر وهو الذي يعين أولي الأمر فإنه يشترط فيه أن يكون مسلماً.
وأما شرط أن يكون حراً فلأن العبد مملوك لسيده فلا يملك التصرف بنفسه، ومن باب أولى أن لا يملك التصرف بغيره، فلا يملك الولاية على الناس.
وأما شرط أن يكون بالغاً فلقوله صلى الله عليه وسلم «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ»، وفي رواية «وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ»، أخرجه ابن ماجه والحاكم من طريق عائشة رضي الله عنها، واللفظ لابن ماجه. وأخرج نحوه الترمذي وابن خزيمة من طريق علي رضي الله عنه.
ومن رفع القلم عنه لا يصح أن يتصرف في أمره، فلا يصح أن يكون خليفة. وأيضاً فقد روي عن أبي هريرة، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ رَأْسِ السَّبْعِينَ وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ» أخرجه أحمد من طريق أبي هريرة، ففيه دليل على أنه لا يصح أن يكون الخليفة صبياً، وأيضاً فقد حدَّث أبو عقيل زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْهُ، فَقَالَ: «هُوَ صَغِيرٌ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ» أخرجه البخاري، وما دام الصبي لم يجز منه أن يُبايِع فعدم جواز أن يُبايَع من باب أولى.
وأما شرط أن يكون عاقلاً فلحديث علي المار: «رفع القلم عن ثلاثة…»، إلى أن يقول: «والمبتلى حتى يبرأ» وفي رواية: «والمجنون حتى يفيق» ومن رفع عنه القلم لا يصح أن يتصرف في أمره، فلا يصح أن يكون خليفة يتصرف في أمور الناس.
وأما شرط أن يكون عدلاً فلأن الله تعالى اشترط في الشاهد أن يكون عدلاً قال تعالى: ((وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)) [الطلاق 2] فمن هو أعظم من الشاهد وهو الخليفة من باب أولى أنه يلزم أن يكون عدلاً، لأنه إذا شرطت العدالة للشاهد فشرطها للخليفة من باب أولى.
أمـا شــرط أن يـكـون قـادراً مـن أهـل الكـفـايـة فـلأن ذلك من مـقـتـضـى الـبـيـعـة، إذ إن الـعـاجـز لا يـقـدر عـلـى القيام بشؤون الرعية بالكتاب والسنة اللذين بويع عليهما.
ومن الأدلة على ذلك:
1 – أخرج مسلم من طريق أبي ذر رضي الله عنه قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا تَسْتَعْمِلُنِي، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَـعِـيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا».
فهي تبين الأمر بأخذها بحقها وأداء الذي عليه فيها أي أن يكون أهلاً لها، والقرينة تفيد الجزم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيمن يأخذها وهو ليس أهلاً لها: «وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا …».
2 – أخرج البخاري من طريق أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ».
فالحديث كذلك يفيد النهي الجازم عن أن توضع الولاية لمن ليس لها أهلاً. والقرينة الجازمة هي أن ذلك يعني تضييعاً للأمانة وأنها من علامات الساعة للدلالة على عظم تحريم تولية من ليس أهلاً.
أما كيف تحدَّد (الكفاية) فهي تحتاج إلى تحقيق مناط لأنها قد تكون تتعلق بمرض جسماني أو بمرض فكري أو …، ولذلك تُرك تحديدها إلى محكمة المظالم فهي التي تقرر توفر شروط الانعقاد في المرشَّحين للخـلافة.