المرأة المسلمة بدون خلافة: فقدان للرعاية وعيش في ظل أنظمة الجباية
يقول رسول الله ﷺ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ»، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ»، ويقول عليه الصلاة والسلام: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
فالسياسة بمعناها الشرعي هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً، وتكون من الدولة والأمة. فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة. ولكنّ هذا المفهوم للسياسة بوصفها رعاية قد فُقِدَ من حياة المسلمين بشكل ملموس بعد هدم الخلافة، لأنَّ الذين تولوا أمرنا خدم للدول الاستعمارية ينفذون مشاريعها ويحققون مصالحها، وينظرون للحكم على أنّه وسيلة للنهب والسلب وتحقيق المنافع والملذات الشخصية، وليس أمانة ومسؤولية سيحاسبون عليها كما فهمها عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي خاف أن يسأله الله سبحانه لو عثرت بغلة لِمَ لَمْ يمهد لها الطريق، وقد أصاب المرأة ما أصاب باقي الأمة من شقاء وضنك وسوء رعاية في ظل أنظمة الجباية، ومظاهر سوء الرعاية هذه تُلمس في كل نواحي الحياة ولا يمكننا حصرها هنا فنحن نتحدث عن حصيلة قرن من الزمان بلا دولة تحكم الناس بالإسلام وترعى شؤونهم وتوفر لهم الحياة الكريمة، وسنقصر حديثنا هنا على ثلاثة أمور اعتبر رسول الله ﷺ توفيرها كحيازة الدنيا بأكملها كناية عن أهميتها، فقد أخرج الترمذي من طريق سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ وكانت له صحبة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا».
إنّ توفير الحياة الكريمة للرعية بتوفير الحاجات الأساسية لكل فرد من مأكل وملبس ومسكن هو من واجبات الدولة ومما تقتضيه رعاية الشؤون. ورد في المادة 125 من مقدمة الدستور الذي أعده حزب التحرير: “يجب أن يُضْمَنَ إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد فرداً فرداً إشباعاً كلياً. وأن يُضْمَنَ تمكين كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية على أرفع مستوى مستطاع”. ولكن هذا لم يحصل في ظل أنظمة الجباية التي سرقت قوتنا وقوت عيالنا وأخذوا يمنون علينا بالفتات، ولم يكتفوا بذلك بل رفعوا الدعم عن المواد والسلع الأساسية كالخبز في مصر والسودان وغيرهما من البلاد ليزيدوا العبء على مَن بالكاد يحصلون على قوت يومهم، ويزيدوا عدد الفقراء والجوعى، وفي ظلّ هذه الأوضاع كم من أم تشقى وتعمل لتطعم نفسها وأطفالها في حال غاب المعيل أو لتساعده في حال وجوده لعجزه عن توفير الحاجات الأساسية في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة في بلاد المسلمين؟! وكم من امرأة وطفل في بلاد المسلمين يعاني من الأمراض نتيجة سوء التغذية كالسودان واليمن، بل كم بلد إسلامي فيه مجاعات رغم كثرة خيراته كالصومال؟! ألم تمت نساء المسلمين وأطفالهم جوعاً في الصومال وسوريا واليمن وغيرها من بلاد المسلمين؟! وكم من أسرة لا تجد مسكناً لائقاً يقيها حر الصيف وبرد الشتاء حتى اضطر بعضهم لاتخاذ المقابر بيوتاً لهم كما في مصر. وانظر إلى خيام اللاجئين السوريين وصور أطفالهم التي تقطّع القلوب وهم يموتون من البرد، تغني عن وصف الحال ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومن رعاية الشؤون أيضاً الاهتمام بالناحية الصحية وتوفير الرعاية الصحية بالمجان للرعية، وتوفير المرافق الصحية من عيادات ومستشفيات ومختبرات صحية وتجهيزها بالأدوات والأجهزة المتطورة والأدوية والكوادر الطبية، “أمّا الصحة والتطبيب فإنهما من الواجبات على الدولة بأن توفرهما للرعية، حيث إن العيادات والمستشفيات، مرافق يرتفق بها المسلمون في الاستشفاء والتداوي. فصار الطب من حيث هو من المصالح والمرافق. والمصالح والمرافق يجب على الدولة أن تقوم بها لأنها مما يجب عليها رعايته عملاً بقول الرسول ﷺ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر. وهذا نص عام على مسؤولية الدولة عن الصحة والتطبيب لدخولهما في الرعاية الواجبة على الدولة”. (مقدمة الدستور، المادة 125)، أمّا في ظلّ أنظمة الجباية فقد أصبح العلاج باهظاً مكلفاً لا يتوفر للجميع؛ فكثير من الخدمات العلاجية والأدوية غير متوفرة في العيادات والمستشفيات الحكومية، بل إنّ دول الجباية قد فكرت بفرض ضريبة على المريض فوق تكاليف العلاج التي لا يكاد يجدها! فقد كشفت نقابة الأطباء في فلسطين عن توجه السلطة لفرض ضريبة على المرضى! ناهيك عن عدم توفر المرافق الصحية المجهزة والأدوية ونقص الكوادر الصحية، ألم يمت الأطفال الرضع والنساء الحوامل في مشافي تونس ومصر وغيرها من بلاد المسلمين بسبب التقصير وسوء الرعاية؟!
ومن رعاية الشؤون حفظ الدولة الأمن والأمان لرعاياها داخلياً من كل ما يهدد أمنهم من اعتداء على أنفسهم وأموالهم، وحمايتهم من أي عدو خارجي والاقتصاص لهم ممن ظلمهم “أما الأمن فهو من واجبات الدولة الرئيسة، فعليها أن توفر الأمن والأمان للرعية، حتى إن الدولة تفقد كينونتها إذا لم تستطع حفظ أمنها، ولذلك فإنه شرط في دار الإسلام أن تكون الدولة الإسلامية قادرة على حفظ أمنها بقواتها، ولهذا فإن رسول الله ﷺ عندما أخبر المسلمين بدار هجرتهم ذكر الأمن أول ما ذكر، فقال ﷺ لأصحابه في مكة فيما رواه ابن إسحاق في سيرته: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَاناً وَدَاراً تَأْمَنُونَ بِهَا»، كما أن الأنصار عندما استقبلوا رسول الله ﷺ وصاحبه أبا بكر، قالوا لهما أول ما قالوا، كما رواه أحمد بإسناد صحيح عن أنس «فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءُ خَمْسِمائةٍ مِنَ الأَنْصَارِ حتى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا. فقالت الأنصارُ: انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ»، فتوفير الدولة الأمان للرعية هو من واجباتها الرئيسة” (مقدمة الدستور، المادة 125). أمّا في ظل أنظمة الجباية فقد عاشت المرأة في ظل أنظمة بوليسية تروعها وتجعلها في خوف دائم على نفسها وعيالها وأهلها وعلى أموالها وممتلكاتها، وسجونها مليئة بالعفيفات الطاهرات كسجون مصر وسوريا لرفضهن الظلم والفساد، وفوق هذا فإنّ الأنظمة العميلة قد تحالفت مع المستعمرين في حروبهم على بلاد المسلمين فكانت سبباً في ترويع النساء والأطفال عدا عن الدمار الذي خلفته والخسائر في الأرواح والممتلكات وتهجير العوائل من بلادها كحرب السعودية في اليمن، هذا ناهيك عن أن تصد عدواناً أو تقاتل عدواً أو تنتصر لمظلوم.
لقد آن الأوان لأن نقتلع الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين، ونستبدل بها دولة تحكم الناس بالإسلام فترعى شؤونهم بالنظام الذي أنزله ربّ العالمين وهو أعلم بهم ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ فتتحقق الحياة الكريمة والعيش الرغيد بإذنه تعالى.
#أقيموا_الخلافة #الخلافة_101 #ReturnTheKhilafah #YenidenHilafet
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
براءة مناصرة