رجب مضر وهدم دولة الخلافة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي جعل أمة الحبيب المصطفى ﷺ أمة وسطا لقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ [البقرة: 143]. لقد أنعم الله عليها بفضل عظيم لا يضاهيه فضل ألا وهو الإسلام العظيم الذي هو خلاص البشرية من براثن الجهل والفوضى التي صنعها المبدأ الرأسمالي.
لقد جاء القرآن الكريم بآيات طيبات بينت لنا الطريق وأنارته. قال تبارك وتعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104] والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة كل بحسب استطاعته، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ». وفي رواية: «وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ».
وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان الهاشمي، أخبرنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي، عن حذيفة بن اليمان، أن النبي ﷺ قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ»، لذلك وحتى لا تكون الأمة كبني إسرائيل فقد قال تبارك وتعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون﴾ [المائدة: 78-79]
لعل وجود دعوة صريحة تنادي بأمر الخلافة متمثلة في حزب التحرير وتسعى وسط الأمة لتصلح حالها في ظل واقع متلاطم بالأفكار الهدامة التي ألف أصحابها الظلام وانبهروا بها وبقوا يدافعون على بقائها، في وسط هذا الجو يشق دعاة الخلافة طريقهم بقوة الفكرة ونقائها. وهذا الطرح طرح استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة وإقامتها جعل من يعمل لها يواجه بأعتى أنواع الظلم الفكري وعدم الإعانة، وركون بعض أبناء الأمة إلى الظلاميين والبعض الآخر غير مبالٍ بما يجري من تداعيات على الأمة من أخطار لتصبح مرتعا خصبا لإفسادها ولكنها مرحومة وعظيمة تأبى الظلم وتأبى أن يُضرب إسلامها في مقتل.
إن الدعوة للخلافة وذكراها التي بلغت المائة وواحداً من الأعوام منذ غيابها لجدير بأن يكون أمر إعادتها حقا، بعدما مُلئت الدنيا فسادا عبر المبدأ الرأسمالي الذي أطبق على البشرية فقد طفح الكيل.
إن عودتها تستحق أن يشمر لها الرجال هممهم وأن يكونوا رياديين وأن يتقدموا الصفوف، وأن لا يحقرن أحد دعاة الخلافة نفسه لأن هذا العمل لإعادة دولة الخلافة من أعظم الأعمال التي عرفتها البشرية بقيادة حزب التحرير بعد هدم الخلافة في رجب الخير 1342هـ ــ الموافق 3 آذار/مارس 1924م من عمل مبدئي وفق ما رسمه رسول الله ﷺ في الدور المكي؛ صراع فكري وكفاح سياسي، عمل مرتب ومنضبط وفق أحكام رب العالمين. إنه عمل الأنبياء؛ لأن العمل فيه لا يعلم عظمته إلا الله إذا أخلص العامل له… فيا بشرى ويا فرحة تكتمل عندما يفرح العامل للخلافة بأداء عمل ما وسط الأمة فكيف بفرحة عظيمة أن يتوج العمل بإقامتها؟
إن العمل وفق المفهوم المبدئي يقودنا إلى ملاحظتين:
الملاحظة الأولى: إن إقامة دولة الخلافة، تحقق بشرى رسول الله ﷺ تحقيقا لمبدأ الإسلام العظيم، وإن العاملين لها لهم منابر من نور عند ربهم، وإن استئنافها يعجل بتخلص البشرية من ظلم النظام الرأسمالي وأعوانه. وهذا العمل لإعادة الخلافة أكبر حفظ للذي يعمل لبناء هذا المجد العظيم وهذا المجد سوف يحفر اسم العاملين من نور عند ربهم بإذن الله تعالى؛ لأنهم لا يريدون من الناس جزاء ولا شكورا. وإن هذا البناء يرجع فضله إلى من نذروا وقتهم وجهدهم الفكري في سبيل إعادة الخلافة حتى لو لم يحضروا كمال إقامة الدولة فهم لهم الفضل العظيم في إرساء دعائم إقامتها، وهذا من شأنه أن يجعلهم يحسون بالفخر والاعتزاز لأنهم أسسوا بنياناً على التقوى وليس بنياناً على جرف هار.
الملاحظة الثانية: إن بناء الدول المبدئية وبقاءها على مر التاريخ تصنع لنفسها مجدا عظيما بغض النظر عن طبيعة هذا المبدأ صحيحا كان أم غير صحيح. لكن اللافت أن القياديين عند أصحاب الدول المبدئية يتمتعون بالعمق في التفكير والوعي السياسي العميق، ويحسون بالطمع في الحياة لسيادتها والتحكم فيها، لذا نجدهم أقوياء مندفعين بكل قوة في الحياة من أجل الإبداع والسيطرة حتى تكون الدنيا خالصة لهم. ومن باب أولى أن يتمتع الذين يعملون لهذا البنيان العظيم، استئناف دولة الخلافة، بالتفكير المستنير والوعي السياسي العالي قبل قيام الدولة وعند قيامها، ليعضوا عليها بالنواجذ عند استمراريتها لأنهم عيون الأمة وقيادتها وفرسانها.
إنه لحزن كبير أن تمر السنين العجاف والأمة تكابد وهي تعيش تحت خط الفقر وتبحث لتوفر الحاجات الأساسية، ولن تجدها دون أن يكون لها طموح أكبر تستحقه، وهو الحكم بالإسلام ونشل العالم من براثن فوضى النظام الرأسمالي. فالأصل في الأمة أن تشعر بالمسؤولية لأن في وسطها كتلة مستنيرة تعمل من أجلها ولنشلها من الواقع الأليم الذي تحياه، هم دعاة الخلافة المتمثلون في حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله.
نعم إن الأمة الإسلامية أمة كريمة وعظيمة تحتاج ليرسم لها الخط المستقيم بجوار الخطوط المعوجة لتعرف دورها الذي يرضي ربها فتفوز بالدارين، وذلك بالعمل مع من يعملون لإعادة دولة الخلافة وفق منهج رسولنا الكريم ﷺ.
إن دور دولة الخلافة هو دور أساسي ومحوري في الدين؛ فبها يعز الإسلام وأهله بتطبيق الإسلام وحمله بالدعوة والجهاد إلى العالمين.
فالخلافة تعرف المسلم أصله فيتذكر قضيته ووظيفته في الدنيا التي من أجلها خلق، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 56-58] وإنه لشرف عظيم أن يكون حملة دعوة الخلافة سياسيين يحملون مشعل العمل السياسي ليعودوا بالأمة إلى وضعها الطبيعي في دينها الذي هو دين سياسي قد شوهه الكافر المستعمر بأن حاولوا جعله يظل محبوساً في جنبات المسجد، وإنها والله لجريمة فرضت على الأمة أن تعيش خارج إطار دينها.
فمن الذي يفك قيدها الفكري ويحلق بها في رحاب العمل السياسي لتعرف عظمة المسؤولية وفق مبدئها الإسلام العظيم ليرعى شؤونها؟!
إن الذي سيخلصها من هذا الوحل هم دعاة الخلافة الذين يحملون المسؤولية في حزب التحرير. فليشمروا سواعدهم الفتية ولا يبخلوا على الأمة في هذه المرحلة المفصلية من تاريخها الحزين. إن السنوات المائة وواحدة منذ غيابها من حلبة الصراع الدولي لهو شيء مؤسف، فقد مرت مياه كثيرة تحت الجسر تمثلت في قضايا خطرة على الأمة؛ محن وفقر وقتل وحكام ظلمة خدم للغرب لا يعرفون طريق الانعتاق من الغرب ولا يريدون ذلك، فأساؤوا الأدب مع الله ورسوله والمؤمنين.
فالأصل في الأمة أن ترجع إلى أصلها وأن تنهض من كبوتها. نعم إن الواقع مستفز ومؤلم، ولا يحركه إلا حملة الدعوة في حزب التحرير فهم شعلة نور ونار؛ نور يضيء الطريق ونار تحرق الظلام. فلا بد أن يري كل فرد من الأمة من نفسه خيرا وبخاصة دعاة استئناف الحياة الإسلامية في دولة الخلافة الذين نذروا أنفسهم لهذه الدعوة، فهم أكثر هماً وأكثر عملا لأنهم عرفوا الطريق، وأن لا يبخلوا بما عندهم من فهم لأمتهم وأن لا يحقروا من المعروف شيئا.
إن رجب ظل يترقب عودة الخلافة؛ فغيابها مؤلم ومفرح للعاملين في الوقت نفسه لأن الأجر أعظم في رجب وما أعظم أن يعمل المسلم لإعادة الحكم الشرعي تاج الفروض؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة! فليلتحق المسلمون بالعمل مع حزب التحرير في هذا الشهر ليتحقق الطموح ويرتقون بالأمة مرتقى كبيرا.
فكيف يتصور المرء الناس وهم يكابدون الحياة وأكثرهم حيارى ويملك حملة الدعوة الحل وقلبه مليء بالإيمان وإن طال السفر ويحمل أملاً كبيراً للأمة وهي تستحقه، وليس هو تمنياً بل دولة تحققت وعاشت قروناً. وهي تمتلك كل مقومات الوجود والظهور مرة ثانية لتعود الأمة الرائدة في العالم تنشر الخير وتعود كما كانت، وإن ما صلح به أولها سيصلح به آخرها.
#أقيموا_الخلافة #الخلافة_101 #ReturnTheKhilafah #YenidenHilafet
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الشيخ محمد السماني – ولاية السودان