جريدة الراية: أمريكا كانت وما زالت دولة عنصرية فكيف ستستثمر دولة الخلافة ذلك؟
2022-06-01
فتح مسلح النار بمتجر في بافالو بولاية نيويورك الأمريكية فقتل 10 أشخاص من ذوي البشرة السوداء يوم 2022/5/15، وعرّف نفسه بأنه فاشي وعنصري معادٍ للسامية ويؤمن بنظرية الاستبدال العظيم التي تقول بحلول مهاجرين محل السكان البيض. وعقب ذلك قال الرئيس الأمريكي بايدن: “يجب علينا جميعا أن نعمل معا على مواجهة الكراهية التي لا تزال وصمة عار في روح أمريكا”.
إن كلامه لا يغير من الواقع شيئا لأن واقع أمريكا قائم على التمييز العنصري، ولهذا أضاف بايدن قائلا: “لست ساذجا، أعرف أن المأساة ستتكرر لكن هناك أشياء يمكننا القيام بها يمكننا حظر الأسلحة الهجومية في شوارعنا”.
وتتكرر المأساة التي يعجز الرئيس الأمريكي عن معالجتها فيقوم شخص عنصري آخر يوم 2022/5/24 بالهجوم على مدرسة ابتدائية بولاية تكساس ليقتل 19 طفلا من أصول أمريكية لاتينية.
وأحصت منظمة غان فايولنس أركايف هذه السنة أكثر من 200 عملية إطلاق نار جماعية قتل أو أصيب فيها 4 أشخاص على الأقل بمعدل 10 قتلى أسبوعيا.
فالعلاج عند بايدن هو حظر الأسلحة الهجومية! ولا علاج آخر لديه! فهذه نظرة سطحية إلى أبعد الحدود من رئيس أكبر دولة في العالم. فحظر الأسلحة الهجومية وحتى الدفاعية لا يمنع تكرار مثل هذه الحوادث، لأن أمريكا بنيت على أساس التمييز العنصري. فقد بدأ الغزاة القادمون من أوروبا بتصفية أهل البلاد الأصليين فقتلوا منهم عشرات الملايين بدون رأفة. واستجلبوا ذوي البشرة السوداء من أفريقيا واستعبدوهم منذ عام 1607 وبدأ بيعهم كسلع ولم يمنحوهم أية حقوق. واستندوا إلى نظرية “العرق الأبيض هو المتفوق والمهيمن على العرق الأسود”، ورغم استصدار قوانين بإلغاء الاستعباد وتحرير السود عام 1863 على عهد رئيسها لنكولن إلا أنه أقر بنظرية تفوق العرق الأبيض. وإن كانوا قد مُنحوا المواطنة الكاملة عام 1868 وأُعطوا حق التصويت لرجالهم عام 1870 ولكن المحكمة العليا قررت عام 1896 السماح بشكل قانوني بالفصل العنصري وفق مبدأ “منفصلون لكن متساوون”! وبذلك تواصلت حالة التمييز والتعامل العنصري والدوني، وتوالت أعمال العنف ضدهم حتى اليوم، ولم تستطع قوانينهم أن تعالجها؛ لأن معالجة الأمر لا تتم فقط باستصدار القوانين وإنما بمعالجة نظرة الإنسان إلى الآخر وتغيير مفاهيمه ومقاييسه وقناعاته.
لقد تأسست أمريكا على أساس التمييز بكل أنواعه وهي تفوّق “العرق الأبيض من الأوروبيين البروتستانت الإنجلو سكسونيين الأغنياء”، وأُعطيت لهم امتيازات في كافة نواحي الحياة؛ في الدولة والسياسة والتعليم والاقتصاد وغير ذلك.
ولهذا طال التمييز فئات أخرى ولو كانت بيضاء لأنهم من مذهب مغاير، فملك إنجلترا البروتستانتي جيمس السادس باع 30 ألفا من المساجين الإيرلنديين البيض الكاثوليك كرقيق في أمريكا عام 1625، واستمر بيع الإيرلنديين حتى تقلص تعداد إيرلندا من 1,5 مليون إلى 600 ألف خلال عقد واحد. حتى إنه بعدما تم تحريرهم في منتصف القرن التاسع عشر استمر التعدي عليهم وحرق كنائسهم الكاثوليكية ومنازلهم.
لقد عانى الأوروبيون الكاثوليك، من إيرلنديين وبولنديين وإيطاليين، كافة أنواع التمييز حتى أوائل القرن العشرين. وكذلك واجه اليهود والمسلمون كافة أنواع التمييز، وكذلك القادمون من جنوب وشرق وجنوب شرق آسيا، والقادمون من الأمريكيتين الوسطى والجنوبية، واستمر الأمر إلى منتصف القرن العشرين حتى حُظر قانونيا، ولكن استمر على النطاق الشعبي من البيض الإنجلو سكسونيين البروتستانت. وتقارير الأمم المتحدة وحقوق الإنسان الأمريكية تؤكد أن “التمييز العنصري في الولايات المتحدة يتخلل جميع جوانب الحياة إلى جميع الأعراق غير البيضاء”.
وبوصول ترامب العنصري إلى الحكم عام 2017 أثيرت العنصرية بشدة، فأصبح يقود تيارا عنصريا، بجانب حركة اليمين البديل وهي عبارة عن تحالف قومي من البيض يسعى لطرد العرقيات الأخرى من أمريكا. ومثل ذلك يجعل العرقيات الأخرى تسعى للانفصال بولاياتها فتتقسم أمريكا.
إن المشكلة تكمن في المبدأ الرأسمالي الذي يتبنونه والذي أساسه فصل الدين عن الحياة. فهذا المبدأ لم يعالج مشكلة التمييز بين البشر، بل أقرها وبنى عليها نظريات مختلفة مثل “الحق للأقوى” و”البقاء للأصلح” و”الجنس الأبيض متفوق” و”الشمال متقدم والجنوب متأخر”، و”الأغنياء أذكياء” فهم الذين يتحكمون في الدولة ويستحوذون على أكثر الثروات.
وأقر بالقومية والوطنية، فصار كل بلد رأسمالي مستقلا قوميا أو وطنيا. ولهذا ظهرت القوميات في أوروبا ومزقتها إلى أوطان مختلفة جرّتها إلى حروب عظمى دمرتها وأبادت عشرات الملايين من أبنائها. فقامت النازية في ألمانيا على أساس تفوق العرق الجرماني وشنت الحروب من أجل سيادة العرق، بجانب الفاشية في إيطاليا، والفرنسيون يعتبرون أنفسهم أعظم شعب فقد خرّج المفكرين والفلاسفة والمبدعين، والإنجليز يعتبرون أنفسهم شعبا عريقا صاحب إمبراطورية عظمى لا يقبل التنازل عن سيادته،… فكل شعب من شعوب أوروبا يميز نفسه ويعتبر نفسه مختلفا لا يقبل بسيادة شعب آخر عليه ولا يقبل بسيادة دولة أوروبية أخرى تحكمه، ولهذا لم يتمكنوا من بناء اتحاد أوروبي موحد. وهناك كذلك التمييز المذهبي بين مذاهب النصرانية الذي راح ضحيته ملايين القتلى وما زال موجودا في إيرلندا الشمالية.
لو فكر الرئيس الأمريكي ومن معه بعمق واستنارة لوجدوا أن المشكلة تكمن في مبدئهم الرأسمالي الذي يقر بالتمييز ولم يستطع أن يصهر الشعوب التي تؤمن به في بوتقة واحدة، ولوجدوا أن الحل الصحيح في المبدأ الإسلامي، ولكنهم ناصبوه العداوة والبغضاء. ويريدون أن يعالجوا السرطان المستفحل في جسمهم بحظر الأسلحة الهجومية لتخفيف الألم! وحتى هذا هم عاجزون عن تحقيقه، وهم يؤمنون بعظمة أمريكا وتفوقها وتميزها على الدول الرأسمالية الأخرى البيضاء؛ ولهذا أشعلوا حرب أوكرانيا مؤخرا وهي موجهة ضد أوروبا، فهم عنصريون على المستوى الدولي.
إن العنصرية تنخر كيان أمريكا كنخر السوس للخشب، ولا يحسون به حتى يروا سقوطها وتناثرها وتناحرها. فالعنصرية مستشرية فيها، وستكون من أسباب تفككها. وإن دولة الخلافة القائمة قريبا بإذن الله سوف تستثمر هذا الوضع وتحمل راية الهدى لهذه الشعوب؛ فسوف تفضح أولا وضع أمريكا وتعريها أمام العالم وأمام قاطنيها بأنها دولة عنصرية بجانب أنها استعمارية بسبب مبدئها، وأنها متخلخلة فاشلة ولم تستطع صهر قاطنيها في بوتقة واحدة، فهي ليست أهلا لأن تقود العالم إلى السعادة، فتؤلب الرأي العام العالمي عليها، وبذلك تعمل على إسقاطها دوليا. ومن ثم تؤلب الرأي العام الداخلي على مبدئها وعنصرية نظامها والقائمين عليه حتى يثور الناس على ذلك، وتتصل بهم بمختلف الوسائل وتعرض عليهم المعالجات الصحيحة، فتكسبهم ليتحولوا إلى دار الإسلام أو الدخول فيه طوعا.
بقلم: الأستاذ أسعد منصور
المصدر: جريدة الراية