في رحاب دستور دولة الخلافة الإحسان في سياسة إدارة المصالح
إن من حسن رعاية شؤون الرعية في الدولة الإسلامية إنجاز المصالح، بسرعة على الوجه الأكمل، وهذا من الإحسان في قضاء الأعمال. عن شداد بن أوس رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ…» أخرجه مسلم.
وللوصول إلى حسن الرعاية والإحسان في قضاء المصالح، لا بد من أن تقوم سياسة إدارة المصالح في دولة الخلافة على أسس ثلاثة: اليُسْر، والسرعة، والكفاية.
أولاً: اليسر: ويعني البساطة وعدم التعقيد. ومما يتعلق بالتيسير على العباد والبساطة عدم اتخاذ البوابين والحجبة، قال رسول الله ﷺ: «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئاً، فَاحْتَجَبَ عَنْ أُولِي الضَّعَفَةِ وَالْحَاجَةِ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه أحمد، ولما بَلَغَ عُمَر أَنَّ سَعْداً بَنَى قَصْراً، وقَالَ: انْقَطَعَ الصُّوَيْتُ – الأصوات المرتفعة في الأسواق – بَعَثَ إِلَيْهِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ أَخْرَجَ زَنْدَهُ وَأَوْرَى نَارَهُ، وَابْتَاعَ حَطَباً بِدِرْهَمٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قَالَهُ، فَقَالَ: نُؤَدِّي عَنْكَ الَّذِي تَقُولُهُ وَنَفْعَلُ مَا أُمِرْنَا بِهِ. فَأَحْرَقَ الْبَابَ. أخرجه أحمد.
ثانياً: السرعة: سرعة إنجاز المعاملات على الوجه الأكمل من الإحسان الذي أمر الإسلام به، عن أنس بن مالك قال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ ﷺ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. صحيح البخاري، وطلب الأعرابي المال من الرسول ﷺ، كان بوصفه حاكماً.
ثالثاً: الكفاية: أن يكون من يتولى أمور الناس حكما أو إدارة أهلاً لها قادراً على القيام بأعبائها. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ألا تَستعْمِلُنِي؟ قال: «فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: يَا يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» أخرجه مسلم؛ فأخذها بحقها وأداء الذي عليه فيها لا يتحقق إلا أن يكون أهلاً لها. واختيار الأكفاء يحتاج إلى معرفة الرجال، وهي مهمة صعبة تحتاج إلى بصيرة ونظر ثاقب. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجلسائه: تَمنَّوا! فتمنَّى كل واحد منهم ملء الدار من نفيس المال، ينفقه في سبيل الله. فقال عمر رضي الله عنه: “أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ رِجَالاً مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ” أخرجه الحاكم في المستدرك.
ولبيان هذه السمة البارزة في الجهاز الإداري لدولة الخلافة، جاءت المادة 97، في مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعدّه حزب التحرير: “سياسة إدارة المصالح والدوائر والإدارات تقوم على البساطة في النظام والإسراع في إنجاز الأعمال، والكفاية فيمن يتولون الإدارة”. (مشروع دستور دولة الخلافة).
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» متفق عليه.
بقلم: الأستاذ محمد صالح