دولة الخلافة ترعى شؤون رعيتها بغير مقابل
قال الأمين العام لديوان الضرائب د. محمد علي مصطفى، إن الضرائب مهمة ولها دَورٌ مُهمٌ في بناء الدولة وكل الدول تعتمد عليها في تسيير أمور البلاد، وكشف في حديثه لبرنامج (كالآتي) بقناة النيل الأزرق، عن تهرب ضريبي كبير في السودان بسبب الاقتصاد الطفيلي غير الرسمي والبيع بدون مستندات في غالب المُعاملات التجارية، مُشيراً إلى أنه إذا لم تدفع الضرائب فلا تتوقّع أن تكون هنالك خدمات ولا أمن ولا جيش لحماية الحدود. (العهد أونلاين)
لا غرابة في هذا التصريح في ظل نظام رأسمالي مقيت لا همّ له إلا جمع الأموال بغير حق، ومن قبيل أكل أموال الناس بالباطل، فهم قد اعتادوا وتمادوا في ذلك في ظل غياب محاسبة الناس لهم. صحيح أنه في الدول المبدئية التي تتبنى النظام الرأسمالي تُفرض الضرائب ولكن تعود الضرائب التي تؤخذ من الناس في شكل خدمات!
أما عندنا في السودان وبالرغم من أن 90% من موازنة البلاد من الضرائب والجمارك فلا تكاد ترى أي خدمة في أي مجال! مثلا في مجال التطبيب فحتى المستشفيات التي تسمى حكومية أصبحت تفرض على المريض الأموال الطائلة مقابل علاجه، ويا ليته يتعالج! وحتى المستشفيات فإنها غير مؤهلة تماما لاستقبال المرضى، ولهذا الكثير من الناس لا يحبذ دخولها لأنها ستضاعف له المرض؛ فعنابرها غير مؤهلة لاستقبال المرضى وجل الأطباء أطباء امتياز لا خبرة لهم بل وحتى عمل الصيانات للأدوات العلاجية التي انقضى عمرها الافتراضي تهمل ولا تصان.
فقد أوردت وكالة سونا للأنباء ما يلي: (كشفت إدارة مركز غسيل الكلى بمدينة الفاشر بولاية شمال دارفور عن تعطل 8 من ماكينات غسيل الكلى وخروجها عن الخدمة بسبب عدم الصيانة وذلك من جملة الـ14 ماكينة كانت تعمل في السابق، ما مثل تهديدا لحياة أكثر من 80 شخصا من مرضى الفشل الكلوي الذين يترددون على المركز. وقال دكتور علي أبكر حسب الله مدير المركز في تصريح لسونا: “إن تعطل تلك الماكينات دفعت إدارته مؤخرا إلى تقليص جلسات الغسيل لغالبية المرضى من أربع إلى ثلاث ساعات في اليوم، مشيراً إلى أن ذلك سيؤثر مباشرة على حياة المرضى”).
وأما مجال التعليم فهو لا يختلف عن التطبيب بشيء، ما أدى إلى زيادة كبيرة جدا في المدارس الخاصة. وكذلك الأمن الذي يتحدث عنه الوزير فلا وجود له البتة؛ فقد صار النهب جهارا نهارا في جرأة غير مسبوقة من اللصوص في السودان. فقد أوردت إندبندنت عربية تقريرا جاء فيه: (لا حديث في مجالس وشوارع الخرطوم هذه الأيام سوى ما تشهده العاصمة ومدن السودان الرئيسية من انفلاتات أمنية مرعبة تمارس في وضح النهار، وليس ليلاً كما هو معتاد، فمواقع التواصل تعجّ بفيديوهات لحوادث سطو ونهب، بعضها تمارسه مجموعات ترتدي لباساً عسكرياً، والآخر بواسطة أفراد وجماعات تستخدم الدراجات النارية في عمليات النهب والسرقة في الشوارع، ما دفع سكان بعض الأحياء إلى تشكيل فرق (دوريات)، وخصوصاً ليلاً، في محاولة لمواجهة هذه الظاهرة التي باتت تشكل هماً وهاجساً مقلقين في ظل تراخي السلطات الأمنية في مكافحتها بصورة حاسمة…). فأين هي الضرائب التي أخذتموها بمليارات الجنيهات وهذا ما شهدت به تقاريركم السنوية؟! أم أنها تذهب لأولياء نعمتكم تدفعونها وأنتم صاغرون؟!
جاء في جواب سؤال للعالم عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله ورعاه الصادر في 19/05/2016 ما يلي:
إن الشرع نهى عن أن يفرض السلطان ضريبة على المسلمين بناء على أمر صادر منه كما يريد، قال ﷺ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ» أخرجه أحمد وصححه الحاكم، والمكس هو الضريبة التي تؤخذ من التجار على حدود البلاد، ولكن النهي يشمل كل ضريبة لقول الرسول ﷺ في الحديث المتفق عليه من طريق أبي بكرة: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا…» وهو عام يشمل الخليفة كما يشمل باقي الناس… فلا يجوز إذن للخليفة أن يفرض ضريبة لينفق منها، بل ينفق من بيت المال.
لكن هناك حالات استثناها الشرع من المنع العام عن فرض الضرائب وقد وردت بها نصوص شرعية تبين أن الإنفاق عليها هو على المسلمين وليس فقط على بيت المال، ومن ثم فإذا لم يكف الموجود في بيت المال للإنفاق عليها انتقل الإنفاق من بيت المال إلى المسلمين فيفرض على الأغنياء ضريبة بمقدار النفقة الواجبة لتلك الحالات دون زيادة وتوضع مواضعها التي فرضت لها… ولا تكون الضريبة في تلك الحالات بناء على أمر السلطان بها على هواه وكما يشاء، بل بناء على أمر الله بها، والسلطان إنما ينفذ الأمر الذي أمر به الله سبحانه. وبناء على هذا فإن ما أوجبه الشرع على بيت المال وعلى المسلمين ينفق عليه من بيت المال، فإذا لم يوجد في بيت المال مال، أو نفد ما فيه من مال، أو كان ما فيه لا يكفي لسد النفقات؛ فإن للخليفة أن يفرض ضرائب على الأغنياء بقدر تلك النفقات حسب الأحكام الشرعية… ولا تكون حراماً في هذه الحالة.
والنظام الرأسمالي يقوم على الضرائب والجمارك وما شاكلها طول العام أي يقوم على جيب المواطن المغلوب على أمره، فالضرائب هي حجر الزاوية في النظام الرأسمالي الجائر، عكس الإسلام دين الرحمة الذي لا يفرض الضريبة إلا في حالة واحدة ذكرت آنفا، وتقوم دولة الخلافة برعاية شؤون الأمة من واردات بيت المال الدائمة وهي: الفيء، والغنائم، والأنفال، والخراج، والجزية… وكذلك واردات الملكية العامة بأنواعها، وواردات أملاك الدولة، والعشور، وخمس الركاز، والمعدن، وأموال الزكاة… والأصل أن تكون أموال واردات بيت المال الدائمة كافيةً للإنفاق على ما يجب على بيت المال الإنفاق عليه، في حالة وجود المال أو عدم وجوده… وبذلك فإن حصول العجز المالي لتغطية هذه النفقات أمر مستبعد الوقوع.
فدولة الخلافة ترفع عبء الضرائب ويعيش فيها الإنسان معززاً مكرماً تحت ظل دولة الخلافة دولة الرعاية لا الجباية.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان