مشروع دستور دولة الخلافة
أحكام شرعية، ومعالجات راقية منطبقة على واقعها
(الحلقة الأولى)
يتصور كثير من أبناء المسلمين أن الإسلام إنما هو دين كهنوتي، يتعلق بأمور العقائد والعبادات، ويجهلون أنه دين متكامل للحياة؛ عقيدة وأنظمة، وهو الوحي الذي جاء به محمد ﷺ؛ القرآن الكريم والسنة المطهرة قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِيناً﴾.
والحقيقة أن هذا الوحي هو نصوص تشريعية، والنصوص التشريعية بعمومها تتسع لتستوعب مستجدات الأحداث، والقضايا الإنسانية في الحياة إلى قيام الساعة، لأن الحكم يمكن أن يرد في منطوق النص، ويمكن أن يرد في مفهوم النص ويمكن أن يرد في معقول النص، أي ما ذكره الأصوليون؛ وهو العلة الشرعية، إذاً الإسلام قادر على أن يستوعب مستجدات القضايا ويعطيها أحكاما بأدلتها التفصيلية.
إن الناس في هذا البلد، منذ 123 سنة حين دخول جيش الكافر المستعمر كتشنر، وهي من المفارقات العجيبة، يطبق عليهم دستور واحد، وفي كثير من الأحيان لا يكلف الذي يسمي نفسه بالمشرع أن يستبدل ألفاظاً من اللغة لها الدلالات نفسها، تحمل المعاني نفسها كل هذه الفترة، فأصبحنا نحكم بدستور لا علاقة له بعقيدتنا، وهي من القضايا الغريبة، حتى ما يسمى بالحكومات الوطنية. وبالرجوع إلى أول دستور عام 1956 الذي استنسخ من دستور القاضي الإنجليزي بيكر 1954 مرورا بالدساتير التي تعج بها الساحة الآن، سواء أكان دستور تسييرية نقابة المحامين أو دستور قوى نداء أهل السودان أو غيرهما من الدساتير نجد الألفاظ نفسها، وتكرس للنظام نفسه، لذلك نحن نريد أن نحلق بالناس من خلال استعراض معالم هذا الدستور؛ مشروع دستور دولة الخلافة في 191 مادة مأخوذة حصراً من الوحي بقوة الدليل، وليس هنالك حكم آخر، وليست هنالك مصلحة لأحد ولا لغيره، وإنما الاعتبار لقوة الدليل وسنقارنه بدستورين بين يدي وهما دستور تسييرية نقابة المحامين المقدم في 30/8/2022 والآخر دستور نداء أهل السودان الذي كتبت عليه البسملة وتوهموا أنه قد أسلم لنجد أن النصوص والألفاظ نفسها مكررة.
إن مشروع دستور دولة الخلافة هو دستور غير مسبوق، ويختلف عن كل الدساتير، وهنا في هذا المقام أخاطب الذين درسوا الفقه الدستوري على طريقة الغرب الكافر من حملة الشهادات العليا وغيرهم، فكل هذه الدساتير تبدأ بديباجة، ففي دستور تسييرية المحامين تبدأ الديباجة (نحن الشعب السوداني صاحب السيادة)، ودستور نداء أهل السودان يبدأ بـ(نحن شعب السودان حمدا لله العظيم الذي وهبنا الحكمة والإرادة) هذا النص مأخوذ بالتفصيل من دستور عام 2005 الذي فُصل به جنوب السودان، وفي الحالتين يُراد لأهل السودان أن يخرجوا من المقام العالي الرفيع، مقام العبودية لله سبحانه وتعالى، بادعاء أن الله تعالى قد وهبهم الحكمة ليأتوا بتشريعات وأنظمة مستوردة ومنقولة من دساتير الغرب الكافر، لذلك يضعون هذه الديباجات ليتمردوا على الله سبحانه وتعالى ويضعوا أنظمة وتشريعات ما أنزل الله بها من سلطان، نحكم بها منذ 123 سنة، أوصلتنا إلى هذا الدرك السحيق، لكن في مشروع دستور دولة الخلافة فإن المادة الأولى تقول “العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة”، فنقر بأننا عبيد لله وأننا نريد أن نؤسس لحياة على أساس الإسلام، وأن العقيدة الإسلامية هي نظام متكامل للحياة.
الأحكام العامة 15 مادة من هذا الدستور كلها تضع الأساس هو العقيدة الإسلامية، وتضع البناء على هذا الأساس هو منظومة الأحكام الشرعية المأخوذة بقوة الدليل، من المادة 2 التي تنص على أن دار الإسلام هي الدار التي تطبق فيها أحكام الإسلام، وأن الخليفة يتبنى أحكاما شرعية معينة يسنها دستورا وقوانين وأن ما يتبناه الخليفة يصير حكما شرعياً، وهو لا يتبنى من أهوائه ولا من بنات أفكاره.
وحتى لا يضيق على المسلمين ففي المادة 4: “لا يتبنى الخليفة أي حكم شرعي معين في العبادات ما عدا الزكاة والجهاد، وما يلزم لحفظ وحدة المسلمين، ولا يتبنى أي فكر من الأفكار المتعلقة بالعقيدة الإسلامية”، فهذه القضايا يعلم كثير من الناس أن فيها سعة في الفقه الإسلامي، وهناك آراء كثيرة فيها، ويتبنى الخليفة بقوة الدليل ولا يتبنى في أفكار العقائد حتى لا يضيق على الدولة في تعاملها مع رعاياها.
والمادة 6: “لا يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشؤون أو ما شاكل ذلك، بل يجب أن تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر أو الدين أو اللون أو غير ذلك”.
هذه هي الأحكام في دولة الخلافة على مدار التاريخ الإنساني، ونحن لا نتحدث عن دولة عمرها سبعون عاما بل نتحدث عن دولة ضاربة جذورها في التاريخ عاشت أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان ملكت مساحة تعادل هذه المساحة المسماة بالسودان مئات المرات.
يتبع…
بقلم: الأستاذ المحامي حاتم جعفر (أبو علي)
عضو مجلس حزب التحرير في ولاية السودان