مقدمـة
السـياسـة هي رعاية شـؤون الأمة داخلياً وخارجياً، وتكون من قبل الدولة والأمة، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة. ورعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً من قبل الدولة تكون بتنفيذ المبدأ في الداخل، وهذه هي السياسة الداخلية. وأما رعاية شؤون الأمة خارجياً من قبل الدولة فهي علاقتها بغيرها من الدول والشعوب والأمم، ونشر المبدأ إلى العالم، وهذه هي السياسة الخارجية. وفهم السياسة الخارجية أمر جوهري لحفظ كيان الدولة والأمة، وأمر أساسي للتمكن من حمل الدعوة إلى العالم، وعمل لابد منه لتنظيم علاقة الأمة بغيرها على وجه صحيح.
ولما كانت الأمة الإسلامية مكلفة بحمل الدعوة الإسلامية إلى الناس كافة، كان لزاماً على المسلمين أن يتصلوا بالعالم اتصالاً واعياً لأحواله، مدركاً لمشاكله، عالماً بدوافع دوله وشعوبه، متتبعاً الأعمال السياسية التي تجري في العالم، ملاحظاً الخطط السياسية للدول في أساليب تنفيذها، وفي كيفية علاقة بعضها ببعض، وفي المناورات السياسية التي تقوم بها الدول؛ ولذلك كان لزاماً على المسلمين أن يدركوا حقيقة الموقف في العالم الإسلامي على ضوء فهم الموقف الدولي العالمي؛ ليتسنى لهم أن يتبينوا أسلوب العمل لإقامة دولتهم، وحمل دعوتهم إلى العالم.
غير أنه ينبغي أن يكون واضحاً أن موقف الدول لا يظل ثابتاً على حال واحدة، فهو يتغير حسب تغير الأوضاع الدولية. وإن موقف كل دولة من الدول لا يلزم حالة واحدة من ناحية دولية، وإنما تتداوله حالات متعددة من ناحية القوة والضعف، ومن ناحية قوة التأثير أوعدم التأثير، ومن ناحية تفاوت العلاقات القائمة بينها وبين الدول، واختلاف هذه العلاقات؛ لذلك كان من غير الممكن إعطاء خطوط عريضة ثابتة للموقف الدولي، وإعطاء فكرة ثابتة عن موقف أي دولة من الدول القائمة في العالم. وإنما يمكن إعطاء خط عريض عن الموقف الدولي في فترة ما، مع تصور إمكانية تغيّر هذا الموقف. وإعطاء فكرة معينة عن موقف أي دولة في ظروف ما، مع إدراك قابلية تبدل هذا الموقف؛ ولهذا كان لا غنى للسياسي عن أن يتتبع الأعمال السياسية القائمة في العالم، وأن يربطها بمعلوماته السياسية السابقة، حتى يتسنى له فهم السياسة فهماً صحيحاً، وحتى تتأتى له معرفة ما إذا كان الموقف الدولي لا يزال كما هو أو تغيّر، وحتى يتأتى له إدراك موقف كل دولة، ومعرفة ما إذا كان هذا الموقف قد بقي على حاله، أم طرأ عليه تغيّر.
وتغيّر الموقف الدولي تابع لتغيّر موقف بعض الدول من حال إلى حال، إمّا بقوتها، وإمّا بضعفها، وإمّا بقوة علاقتها بالدول، أو بضعف هذه العلاقة، فينتج حينئذ تغير في الميزان الدولي؛ لحصول تغير في ميزان القوى القائمة في العالم؛ ولذلك كان فهم موقف كل دولة من الدول التي لها تأثير في الموقف الدولي أساساً لفهم الموقف الدولي. ومن هنا كانت العناية منصبة على الإحاطة بمعلومات عن كل دولة؛ لأنها الركيزة الأولى للفهم السياسي. وليست معرفة موقف كل دولة متعلقة بموضعها في الموقف الدولي، بل هي متعلقة في كل شيء له علاقة بسياستها الداخلية والخارجية. ومن هنا تتحتم معرفة الفكرة التي تقوم عليها سياسة الدول القائمة في العالم، والتي لها شأن يذكر في الموقف الذي ينبغي أن تقفه الأمة الإسلامية منها. كما أنه يتحتم أن تعرف الخطط والأساليب التي تستعملها، وأن تقترن معرفة الخطط والأساليب بالتتبع الدائم لها، وبإدراك مدى تغيّرها، وبالوعي على الدوافع التي حملت على تغيّرها، أو الأسباب التي اضطرت هذه الدول لتغيير الخطط والأساليب، مع المعرفة الصحيحة بالأشياء التي تؤثر على هذه الدول، أو تحملها على تغيير خططها وأساليبها.
|