إقامة الخلافة على منهاج النبوة فرصة ذهبية منحنا الله إياها
نحن الآن أمام فرصة سانحة لاستئناف الحياة الإسلامية في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة.
فبالنسبة للمشهد الدولي، فإن القوى الكبرى تتصارع فيما بينها، كما فعلت الإمبراطوريتان الرومانية والفارسية، قبل قيام الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة؛ فروسيا التي كانت تعتبر آسيا الوسطى عمقاً استراتيجياً وبلداً مصوناً، سقطت الآن في مستنقع حرب أوكرانيا، بسوء تقدير من بوتين، ومكرٍ من بايدن، ودعمٍ من أوروبا. والصين التي كانت تحاول تعزيز سيطرتها على تركستان الشرقية المحتلة، تركز الآن جهودها للحفاظ على نفوذها في تايوان وهونغ كونغ، بينما تحيطها أمريكا بالنار من خلال الهند وأستراليا واليابان. وأمريكا لم تعد الأقوى من بين الأقوياء، بل باتت الأقوى من بين الضعفاء، فهي تعاني من انقسامات سياسية عميقة بين الديمقراطيين والجمهوريين، وتزداد سوءاً مع إقبالها على انتخابات عام 2024م، ناهيك عن تباطؤ اقتصادات القوى الكبرى أو مشارفتها على الانهيار.
أما الوضع في بلاد المسلمين، فإن الأمة الإسلامية حانقة من تجاهل حكامها للاعتداءات المتكررة على مقدساتها، وباتت قلقة من الدعم الغربي للهند وكيان يهود، في حين يتبنى حكام المسلمين سياسة ضبط النفس، ويقلصون من قدرات الجيوش، ويدعون إلى التطبيع. أما اقتصادات البلاد الإسلامية، فهي تنهار بسبب القروض الربوية، فقد شهدت تركياً تضخماً بنسبة 75٪، ومصر بنسبة 50٪، أما في باكستان، فالمسلمون يلقون بأنفسهم في البحار هرباً من شظف العيش… بالفعل فإن حال المسلمين اليوم يشبه حال أهل يثرب قبل قيام الدولة الإسلامية، فقد أحاطتهم الكوارث والمصائب من مختلف الجهات، حتى استماتوا بحثاً عن مخرج.
لقد زاد الحديث عن إحداث التغيير الجذري بين أصحاب السلطة والنفوذ، وأصبحت فكرة الخلافة تحتل مكاناً واسعاً في النقاشات، وبعدما كان المسلمون يعتبرون عودة الحكم الإسلامي خيالات وأحلاماً، أصبحوا متأكدين من أنه الخيار الأفضل. مع ذلك، فإن أي تحرك نحو إقامة الخلافة الراشدة سوف يفشل ما لم يكن العزم قوياً، فلا يكفي منح فكرة الخلافة الراشدة الإطراء والتقدير، أو تأييد من يصلون ليلهم بنهارهم للعمل لإقامتها، بل إن إقامة الخلافة الراشدة يتطلب منا جميعاً عملاً وسعياً جادين، وصبراً وثباتا راسخين، ولا يمكن لهذا أن يكون إلا عندما نفهم حقيقة أن الخلافة الراشدة ليست خياراً متاحاً بين الخيارات، بل هي واجب شرعي سيحاسبنا الله عز وجل عليه.
إقامة الخلافة على منهاج النبوة ليست خياراً بل واجب شرعي
انتهى عصر الوحي والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنه الآن عصر الخلفاء الذين يجب أن يحكموا بكل ما أنزله الله سبحانه وتعالى، فأمعنوا في الأمر يا أهل القوة والمنعة! عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ».
قال الإمام الماوردي في كتابه: “الْإِمَامَةُ مَوْضُوعَةٌ لِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَعَقْدُهَا لِمَنْ يَقُومُ بِهَا فِي الْأُمَّةِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ”، وقال الإمام النبوي في كتابه: “أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصْبُ خَلِيفَةٍ وَوُجُوبُهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ”.
أيها المسلمون: إن الخلافة على منهاج النبوة هي تاج الفروض في ديننا
إن إقامة الخلافة ليست واجباً شرعياً فحسب، بل هي من أعظم الواجبات، والصحابة رضي الله عنهم عرفوا ذلك وطبّقوه، فكانوا مثالاً لنا، حيث أتمّوا بيعة الانعقاد لأبي بكر رضي الله عنه يوم وفاة رسول الله ﷺ، وجمعوا الناس في اليوم الذي تلاه في المسجد لإعطاء بيعة الطاعة.
قال أبو بكر الأنصاري في غاية البيان: “يجب على النَّاس نصب إِمَام يقوم بمصالحهم… لإِجْمَاع الصَّحَابَة بعد وَفَاته ﷺ على نَصبه حَتَّى جَعَلُوهُ أهم الْوَاجِبَات وقدموه على دَفنه ﷺ وَلم تزل النَّاس فِي كل عصر على ذَلِك”.
ثمّ لما تبيّن لعمر الفاروق رضي الله عنه تحقق وفاته من الطعنة، أوصى بأنه إذا لم يُتفق على خليفة خلال ثلاثة أيام أن يُقتل المخالف بعد انقضائها، وكان ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة وكبارهم، ولم يُنقل عنهم مُخالف أو مُنكِر لذلك، فكان إجماعاً منهم رضوان الله عليهم، وعلى إثره انشغلوا الأيام الثلاثة بلياليها في تعيين الخليفة. ذكر ابن كثير في كتاب البداية والنهاية: “فلما كانت الليلة التي يسفر صباحها عن اليوم الرابع من موت عمر، جاء عبد الرحمن بن عوف إلى منزل ابن أخته المسور بن مخرمة فقال: أنائم يا مسور؟ والله لَم أغتمض بكثير نوم منذ ثلاث”، وروى البخاري عن طريق المسور بن مخرمة أنه قال: “طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْـتَـيْقَظْتُ، فَقَالَ أَرَاكَ نَائِماً، فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ”.
هكذا كان الصحابة العظام رضوان الله عليهم في مسألة إقامة الخلافة، أفليس علينا نحن الاهتداء بتلك النجوم؟
أيها المسلمون: إن إقامة الخلافة في الأساس فرض كفاية، لكنها تبقى فرضاً على كل مسلم حتى يُقام العمل المطلوب
إن إقامة الخلافة فرض على الكفاية، فإن أقامه البعض فقد وُجد الفرض وسقط عن الباقين، وإن لم يستطع أن يقيمه البعض، فإنه يبقى فرضاً على جميع المسلمين، ولا يسقط الفرض عن أي مسلم حتى تتم إقامتها.
قال العالم الحنفي أبو اليسرِ البَزدَويُّ: “قال عامَّةُ أهلِ القِبْلةِ يَجِبُ على النَّاسِ أن يَختاروا واحِداً للإمامةِ، ويُفتَرَضُ عليهم إلَّا أنَّه فَرْضُ كِفايةٍ، إن قامَ به البَعضُ سَقَطَ عنِ الباقين”، وقال الإمام أبو عَمرٍو الدَّاني: “إقامةُ الإمامِ مَعَ القُدرةِ والإمكانِ فرضٌ على الأمَّةِ لا يَسعُهم جَهْلُه والتخَلُّفُ عنه، وإقامَتُه إلى أهلِ الحَلِّ والعَقدِ من الأمَّةِ دونَ النَّصِّ من رَسولِ اللهِ ﷺ، وفَرضُ إقامَتِه من فُروضِ الكِفايةِ، فإذا قامَ به البَعضُ سَقَطَ عنِ الباقين”.
لقد هُدمت الخلافة في 28 من رجب 1342ه، الموافق 3 آذار/مارس 1924م، أي أن شرع الله معطّل في الحياة منذ أكثر من مائة سنة، فسارعوا للحاق بركب العاملين لإقامة الخلافة الآن.
أيها المسلمون بعامة، ويا أهلَ القوة والمنعة بخاصة:
اغتنموا الفرصة الذهبية التي منحنا إياها ربنا سبحانه وتعالى ولا تدعوها تفوتكم لكيلا تأسوا يوم القيامة. إن نظام الخلافة يرعى شؤون الناس بما يرضي الله عز وجل، وكل قانون أو مادة في دستور الخلافة مستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وتحرص دولة الخلافة على تطبيق أوامر الله ومنع نواهيه سبحانه وتعالى.
قال الإمام الغزالي في كتابه (الاقتصاد في الاعتقاد)، فِي بَيانِ وُجوبِ نَصْبِ الإمامِ: “…نُقيمُ البُرهانَ القَطعيَّ الشَّرعيَّ على وُجوبِه، ولَسْنا نَكتَفي بما فيه من إجْماعِ الأمَّةِ، بَل نُنَبِّهُ على مُستَنَدِ الإجْماعِ، ونَقولُ: نِظامُ أمرِ الدِّينِ مَقصودٌ لصاحِبِ الشَّرعِ عليه السَّلامُ قَطعاً، وهذه مُقدِّمةٌ قَطعيَّةٌ لا يُتَصَوَّرُ النِّزاعُ فيها، ونُضيفُ إليها مُقدِّمةً أخرَى، وهو أنَّه لا يَحصُلُ نِظامُ الدِّينِ إلَّا بإمامٍ مُطاعٍ، فيَحصُلُ من المُقدِّمَتَين صِحَّةُ الدَّعوَى، وهو وُجوبُ نَصْبِ الإمامِ”.
فقط من خلال الخلافة على منهاج النبوة، تتوحد الأمة، وتُصان الحقوق، ويُضمن التوزيع العادل للثروة، وتؤدي القوات المسلحة دورها الأساسي في حماية بيضة الإسلام. إن إقامة الخلافة واجب من الله، فإن استجبنا له رضي عنا، وإن تلكأنا فإننا سنلقى الله بلا حجة ومعذرة!
إلى المخلصين مع الله، الذين ترتجف قلوبهم رهباً من عقابه عز وجل، استجيبوا الآن، إنه ليس وقت الترقب والتريث، بل إنه وقت البطولات والتضحيات، انصروا الله لينصركم، فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مصعب عمير – ولاية باكستان