رد على مقال دولة الخلافة (1) المنشور في صحيفة المدينة
السيد رئيس تحرير صحيفة المدينة المحترم…
تحية طيبة وبعد…
الرجاء نشر هذا الرد على مقال الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد والذي نشر في صحيفتكم الغراء بتاريخ 2014/10/14م.
هذا المقال ما جاء إلا ليرد على بعض ما يتسع له الرد المختصر من مغالطات الحقائق التي وردت، وترتيب الرد هنا سوف يكون بحسب تسلسل ورود الأفكار في المقال:
أولا: إنه لمن العجب العجاب أن تذكر فكرة الخلافة ويذكر معها مساندة أمريكا أو كيان يهود أو حتى أن تعمل إحداهما على شكل متوافق مع من يعمل على هذه الفكرة، فكرة الخلافة التي كانت أمريكا ومنذ زمان ليس بالبعيد تدفع الجزية لها وما ظهرت على الساحة الدولية إلا بعد هدمها، دولة الخلافة التي فتحت فلسطين من قبل وهي التي ستحررها من بعد، فهي الوحيدة التي ستزيل النفوذ الأمريكي والكيان “الإسرائيلي” من أرض المسلمين كما أزالت ملك كسرى وهرقل، وإن قادة أمريكا ويهود وقوى الغرب كافة ليعلمون علم اليقين أن عودة الخلافة تعني زوالهم، لذلك هم يستبقون قيامها بإحكام نفوذهم في بلاد المسلمين وبالتدخل المباشر في بلادهم، والشواهد على ذلك كثيرة من أفواههم تنطق بها شفاههم وترسم الخطط أياديهم وتنشغل عقولهم بالتفكير بخطرها عليهم صباح مساء وإليك بعض الشواهد لا كلها فهي أكثر من أن تذكر ها هنا:
• في 2006/9/5م قال جورج بوش وهو يتحدث عنِ الخـلافة: «إنَّهم يسعَوْنَ إلى إقامة دولتِهِمُ الفاضلةِ الخـلافة الإسلامية، حيثُ يُحكَمُ الجميعُ من خلال هذه الأيديولوجية البغيضةِ ويشتملُ نظامُ الخـلافة على جميعِ الأراضي الإسلاميةِ الحالية» وتصريحات الساسة الأمريكيين في ذلك كثيرة، وقد جاء في جريدة “مليات” التركية في 2005/12/13م نقلاً عن صحيفة نيويورك تايمز: “إن أصحاب الصلاحية في إدارة بوش باتوا يتداولون كلمة “الخـلافة” في الآونة الأخيرة “كالعلكة.” من كثرة حديثهم عنها. وأما مراكز الأبحاث الأمريكية والتي تعمل على تزويد الحكومة الأمريكية بالمعلومات لرسم الخطط كمعهد راند ونكسون وغيرها فكانت مجمعة على خطر فكرة الخلافة والخطر الفكري والسياسي الذي يشكله العاملون لهذه الفكرة ويمكن الرجوع إلى دراساتهم من مصادرها بشكل تفصيلي.
• في السياق نفسه كانت بريطانيا على نفس الخُطا فقد اختار رئيس الوزراء البريطاني السابق “توني بلير” أن يكون أكثر وضوحا حينما تحدّث أمام المؤتمر العام لحزب العمّال في 2005/7/16م، قائلا: “إنّنا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة إسرائيل، وإلى إخراج الغرب من العالم الإسلاميّ، وإلى إقامة دولة إسلاميّة واحدة تحكّم الشريعة في العالم الإسلاميّ، عن طريق إقامة الخلافة لكلّ الأمّة الإسلاميّة”. وقال وزير داخلية بريطانيا تشارلز كلارك: “لا يمكن أن تكون هناك مفاوضات حول إعادة دولة الخلافة ولا نقاش حول تطبيق الشريعة”.
وبمثل ذلك صرح بوتن وساركوزي والاستخبارات الألمانية وغيرهم، والتصريحات والمقولات والدراسات كثيرة جدا يمكن البحث عنها والاطلاع عليها.
ثانيا: قرأت البحث في تخريج إسناد ومتن حديث الخلافة – حديث الأمراء – وهو ما لن نتعرض له من ناحية علم الحديث التفصيلية في الرد ها هنا رغم تصحيح الحديث من عدد من المحدثين المعتبرين المتقدمين والمتأخرين مثل الإمام أحمد والعراقي والهيثمي والألباني. ولكن ما سوف يكون الفصل في ذلك هو البحث في أسانيد الأحاديث الكثيرة التي وردت في ذكر الخلافة ونظامها وطريقة تعيين الخليفة وطريقة الحكم في دولة الخلافة. فهل يمكن الرجوع إلى أسانيد وأمتان هذه الأحاديث:
1. روى مسلم عن أبي حمزة قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء يكثرون»، قالوا فما تأمرنا قال: «فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عمن استرعاهم» متفق عليه. فهذا دليل على أن نظام الحكم بعد النبوة هو الخلافة الراشدة والتي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعدها بطاعة الخلفاء وأن نوفي ببيعتهم الأول فالأول.
2. عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» رواه مسلم. وهو دليل على أن لا يكون على المسلمين خليفتان فكيف بأكثر. وهذه هي وحدة الخلافة.
3. وروي عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» رواه الشيخان، وجاء في مسلم عن أبي ذر قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أمر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم بكتاب الله وسنته فاسمعوا وأطيعوا».
4. وروي عن مسلم عن طريق نافع قال: قال ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» والبيعة لا تكون إلا للخليفة ليس غير.
5. وروى مسلم عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به». فهذا حديث فيه وصف للخليفة بأنه جنة أي وقاية وهو إخبار من الرسول عليه الصلاة والسلام عن فوائد وجود الخليفة فهو طلب فعل، وتركه يترتب عليه تضييع إقامة الحكم الشرعي وعليه فهو طلب جازم.
6. وروى البخاري عن عبد الله بن عباس عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من كره من أميره شيئا فليصبر عليه فإنه ليس من أحد من الناس خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية». وفيه تحريم الخروج على السلطان الحاكم بشرع الله وهذا يعني وجوب إقامة السلطان.
7. وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» فالأمر بطاعة الإمام أمر بإقامته، والأمر بقتال من نازعه قرينة على الجزم في دوام إيجاده خليفة واحدا.
8. أما إجماع الصحابة فقد بقي الرسول صلى الله عليه وسلم مسجى في بيته ليلتين بعد موته وخلى أهله بينه وبين الناس الأبواب والصحابة منشغل أكثرهم في أمر من يخلف المسلمين من بعده وكتب السيرة متفقة على ذلك.
هذه بعض الأدلة التي جاءت على ذكر الخلافة أو الإمامة أو الإمارة وكلها بمعنى واحد، وأقوال العلماء في وجوب إقامة خليفة واحد يحكم المسلمين جميعا أكثر بكثير من أن تذكر هنا، ويكفيك ما ذكره القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ حيث قال: “هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة. ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة إلا ما روي عن الأصم حيث كان عن الشريعة أصم، وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه” وقد قرر الجزيري في (الفقه على الأئمة الأربعة) ما نصه:
“اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أن الإمامة فرض وأنه لا بد للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين وعلى أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان لا متفقان ولا مفترقان”..
ثالثا: لقد بحثت في مقالتك في موضوع البيعة والاستخلاف من بعد الرسول وقد ظهر على بحثك الطابع التاريخي لا الشرعي في المسألة رغم أنها مسألة شرعية يرجع فيها إلى أدلتها الشرعية التفصيلية. وقد ظهر من خلال البحث الخلط الواضح بين عدة مواضيع ومنها بحث نظام الخلافة من حيث هو حكم شرعي وطريقة البيعة للخليفة من حيث إنها حكم شرعي آخر، وأيضا الحقائق التاريخية من حيث إنها ليست مصدرا للتشريع، وأفعال الصحابة من حيث إنها أحكام شرعية منبثقة عن الكتاب والسنة. ومعلوم أن كون أحد الخلفاء في أحد العصور قام بأمر لا يعني بأنه حكم شرعي يأخذ به بقية المسلمين رغم أن المسألة عند الوقوف على مسألة الصحابة يجب دراستها على أن إجماعهم هو دليل شرعي كما حصل في أمر السقيفة عند إجماعهم على إنكار أمر من عرض أن يكون من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير وإجماعهم على أن يكون عليهم أمير واحد يحكمهم بشرع ربهم وسنة نبيهم كما أن القصة ذاتها لا تصلح كدليل على أن نظام الخلافة باطل لأنها ذكرت بلفظ أمير. فالخلافة والإمامة والإمارة كلها بمعنى واحد وردت النصوص الشرعية على ذكرها جميعا لتفيد نفس المعنى وهو ما كان مجمعاً عليه كل الصحابة في السقيفة وبعدها وهو أن يحكمهم خليفة واحد يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المسلمين كافة.
وأما ما روي أن أبا بكر استخلف عمر، وأن عمر استخلف الستة، وأن الصحابة سكتوا ولم ينكروا ذلك فكان سكوتهم إجماعاً، فإن ذلك لا يدل على جواز الاستخلاف أي العهد. وذلك لأن أبا بكر لم يستخلف خليفة وإنما استشار المسلمين فيمن يكون خليفة لهم فرشح علياً وعمر. ثم إن المسلمين خلال ثلاثة أشهر في حياة أبي بكر اختاروا عمر بأكثريتهم، ثم بعد وفاة أبي بكر جاء الناس وبايعوا عمر، وحينئذ انعقدت الخلافة لعمر فبيعة الناس لبقية الخلفاء الأربعة هي التي انعقد بها أمر خلافتهم فلم تكن استخلافاً أو عهداً.
أما التفصيلات العملية لإجراء هذه البيعة، فإنها ظاهرة في نصب الخلفاء الأربعة الذين جاءوا عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، وقد سكت عنها جميع الصحابة وأقروها مع أنها مما ينكر لو كانت مخالفة للشرع، لأنها تتعلق بأهم شيء يتوقف عليه كيان المسلمين، وبقاء الحكم بالإسلام وفي جميع مبايعاتهم لم تنعقد لهم الخلافة إلا بعد أن رضي الناس عنهم وبايعوهم.
رابعا: إن إنكار وجود نظام الحكم بالخلافة لهو المغالطة الحقيقية للشرع والتاريخ، وهنا نسأل الأسئلة التالية: من أين جاء الخلفاء الراشدون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنظام للحكم؟ أمن عند أنفسهم أم من تاريخ من سبقهم؟ وكيف حكم الخلفاء المهديون في ظل دولة الخلافة عبر العصور حينما حكموا بالعدل والإحسان؟ وكيف صار المسلمون الدولة الأولى بين الدول وظلوا على هذه المرتبة حتى هدمت دولة الخلافة فصاروا في ذيل الأمم؟
وإن ما يجب الإشارة إليه ها هنا أن ما تطالب به الأمة والعاملون لإقامة الخلافة هو نظام الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة والتي تحكم بشرع ربها كما أمرها لا كما حصل في بعض العصور الإسلامية من إساءة التطبيق لأحكام الإسلام وأن مصدر ذلك كله الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الشرعي فلا مرجع للمسلمين بفعل زيد أو عبيد إنما المرجع هو ما أمرنا به ربنا فقط.
خامسا: في ختام مقالتك سألتِ عن مكان وجود نظام الخلافة في الإسلام والسؤال يحمل الجواب. فهي في الإسلام كما الصلاة والصيام والزكاة والحج والنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي والسياسة الخارجية والسياسة التعليمية وجميع نواحي الحياة. وقد بين حزب التحرير في كتبه المنبثقة عن العقيدة الإسلامية كل التفاصيل اللازمة لفهم كيفية إقامة الدولة وكيفية الحكم فيها وتفصيلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسطر دستورا شاملا لكل جوانب دولة الخلافة المنتظرة؛ كل مواده مستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع صحابته، وكتبه وآراؤه على موقعه الإلكتروني (حزب التحرير المكتب الإعلامي) في متناول الجميع يمكن لكل من أراد الحق أو الإنصاف الرجوع إليها عندما يريد الحديث عن الخلافة.. فهو إذن لا يسير في خط متواز مع ما تريده القوى الغربية، ولا يستخدم حلولا ترقيعية مع نظمهم الرأسمالية ولا يحمل السلاح لإقامة الخلافة اقتداء بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة، ولا يعمل على تقسيم بلاد المسلمين، بل يعمل بطريقة شرعية مستنبطة من السيرة النبوية لاقتلاع كل نفوذ القوى الغربية بكل جذورها من بلاد المسلمين كافة وتوحيدها كلها في دولة واحدة أنشأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركها من بعده، دولة واحدة لا راية فيها إلا راية الإسلام ولا كلمة فيها إلا لأحكامه..
وفي النهاية أتمنى أن يكون مقال (دولة الخلافة 2) مصححا لما جاء في (دولة الخلافة 1) تثبت فيها الكاتبة رجوعها إلى الحق بعدما تبين، كما أرجو من إدارة صحيفة المدينة الكرام نشر هذا الرد في نفس الزاوية التي نشر فيها المقال من باب المهنية الإعلامية، واستجابة لأمر الله سبحانه
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُواۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰۖ وَاتَّقُوا اللَّهَۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾..
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ماجد الصالح – بلاد الحرمين الشريفين