جريدة الراية: عودة الخلافة على منهاج النبوة مبشرات ومؤشرات
جريدة الراية: عودة الخلافة على منهاج النبوة مبشرات ومؤشرات
لم نع نحن المسلمين اليوم على دولة الخلافة الإسلامية، ولم نعش في حاضرتها ولا تحت سلطانها، وما وصلنا عنها ممن أدركوا أواخرها لا يعدو كونه صورة مشوهة، لبقايا من بقايا الحكم بالإسلام، وقد استطاع الغرب الكافر بعد أن هدم دولة الخلافة أن يضع أسوارا عالية وأبوابا موصدة محكمة الإغلاق بين جيلنا الحاضر وبين فكرة دولة الخلافة الإسلامية، ووضع على هذه الأسوار والأبواب حراسا يأتمرون بأمره، ويقومون على خدمته ويحرسون تلك الأبواب والأسوار، ولم يكتف بهذا فقد بذل كل جهده لتبقى هذه الأسوار والأبواب حصينة منيعة، فأقام لها من أبناء المسلمين من يرعاها، ويدعو لها، وينافح عنها، بل ويموت في سبيلها أحيانا!
وقد عمد الغرب الكافر إلى إدامة رعاية هذه الأسوار والأبواب، والسدنة والحراس، وتفقدها حتى لا يصيبها خرق أو ضعف، فأصاب الأمة الإسلامية في مقتل، بل سلمها السكين التي طعنها بها لتطعن نفسها بها كلما اقتضى الأمر، فعاشت الأمة الإسلامية في ضياع فقدت فيه بوصلتها، فسارت على غير هدى؛ سيّانٌ في ذلك علماؤها وعامتها، تتقاذفها الأهواء والآراء، وأضحى الغرب الكافر بأدواته يتلاعب بالمسلمين كلما ثارت فيهم رغبات النهضة والتغيير، رمى لهم بمشاريع وسار بهم من خلال أدواته في متاهات الظلمات، فكانت فكرة الجامعة الإسلامية ثم الجامعة العربية، فالقومية والوطنية والقطرية، والحركات الثورية، ومنّاهم بالديمقراطية والحريات، ثم قذف لهم بمشروع الإسلام المعتدل والتعايش وقبول الآخر، والدولة المدنية، وكلما يئس الناس من مشروع وانكشفت لهم سوءته، رمى لهم من خلال أدواته مشروعا جديدا، تختلف في أحيان كثيرة الأسماء ولكن المسميات واحدة.
وعلى الرغم من كل ما حاكه الغرب الكافر من مؤامرات وأبرمه من خطط إلا أن الله سبحانه قد وعد الأمة الإسلامية بالنصر والتمكين، وتعهد سبحانه بحفظ هذا الدين مهما تعاظم كيد الكائدين، فتوالت البشارات الواردة في كتاب الله سبحانه وفي سنة النبي ﷺ فمما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55] وقوله سبحانه: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31-32] وقال تعالى في سورة الصف: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ فقد وعد الله سبحانه المسلمين بالاستخلاف والتمكين في الأرض والأمن بعد الخوف، ووعد سبحانه بأن يظهر دينه على كل دين، وهذا يعني أن يعلو سلطان الإسلام على كل دين غيره، قال سبحانه: ﴿وَعْدَ الله لَا يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وقد جاءت أحاديث النبي ﷺ تؤكد هذا المعنى فعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ، وَالرِّفْعَةِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمِ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ» رواه أحمد، وقال النبي ﷺ: «ليبلغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهارُ ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله اللهُ هذا الدينَ بعزِّ عزيزٍ أو بذلِّ ذليلٍ عزًّا يعزُّ اللهُ به الإسلامَ وأهلَه وذلًّا يذلُّ اللهُ به الكفرَ» وقال ﷺ: «واللهِ لَيُتمَّنَّ هذا الأمرَ، حتى يسير الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرمَوت، لا يخاف إلا اللهَ والذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجِلون»، وكذلك حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال قال ﷺ: «تكونُ النُّبُوَّةُ فيكم ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ – تعالى -، ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ مُلْكًا عاضًّا، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فيكونُ ما شاء اللهُ أن يكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ نُبُوَّةٍ. ثم سكت» وبشائر النبي ﷺ لأمته كثيرة، والمقصود أن الوعد بالنصر والتمكين ثابت مقطوع، وقد ظهرت بوادره ومؤشرات قرب تحققه، وكل ما هو آت لا شك قريب.
ومن البوادر والمؤشرات التي تدل على قرب تحقق هذا الوعد بإذن الله:
1. نشأة حزب التحرير، ففي حلكة الظلام الدامس الذي عاشه المسلمون، أنار الله عقل وقلب عالم جليل هو شيخ الإسلام بحق الإمام تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى، فأبصر هذا الإمام الطريق واستنار عقله وقلبه بالفكرة، فأدرك المرض وشخصه ووقف عليه، وعرف الدواء فوصفه وسار عليه، فأسس على عين بصيرة وهدى مستنير حزب التحرير فكان هذا الحزب الرائد الذي لا يكذب أهله، فسار الحزب بعد الشيخ الإمام في الأمة الإسلامية سير المبصر للطريق واعيا على تفاصيلها الدقيقة، مدركا لما يحاك لأمته، وقد نذر نفسه لتحقيق وعد الله سبحانه. فحفظ الله سبحانه بحزب التحرير فكرة الخلافة على منهاج النبوة، وبقي الحزب حاملا لها ساعيا إليها لا يحيد عن منهاج النبي ﷺ قيد أنملة، لذلك كان قيام حزب التحرير وثباته على فكرة الإسلام وطريقته مؤشرا على قرب قيام الخلافة على منهاج النبوة لأنه وحده من يعي عليها الوعي الدقيق، وعي من يستطيع القيادة، وهذا بحمد الله تعالى كامن إدراكه في الأمة الإسلامية، يبصره البعض وقد لا يبصره آخرون. “قد تنكر العين ضوء الشّمس من رمد… وينكر الفم طعم الماء من سقم”.
2. سقوط مشاريع الغرب الكافر وانكشاف عوارها، فقد سقطت القومية والوطنية، وسقط القوميون والوطنيون وانكشفت لذوي الأعين الباصرة عمالتهم وتبعيتهم، وسقطت مشاريع رسل الديمقراطية والحريات الرأسمالية، وأصبحت بضاعتهم مزجاة، وليس أدل على ذلك من إدخال مصطلح الدولة المدنية لتمرير الديمقراطية بثوب جديد، وقد أوشك أن يسقط أيضا مشروع الإسلام “المعتدل” وبان للناس مخالفته للإسلام ولم يبق له من أتباع إلا بقايا من المضبوعين يوشك أن ينفضوا عنه.
3. ومن مؤشرات قرب قيام الخلافة على منهاج النبوة محاولة الغرب الكافر تشويه فكرة الخلافة من خلال استغلال الجرائم التي يرتكبها تنظيم الدولة في حق المسلمين وغير المسلمين منذ إعلانه عن إنشاء كيان وهمي يتسمى باسمها وليس له من حقيقتها أي نصيب، وهذا دليل على أن الغرب الكافر قد أسقط في يده، وأصبح هاجس قيام الخلافة حاضرا في ذهنه ويقض مضجعه.
4. تصدع أركان الملك الجبري وتكشف أقنعة السدنة والحراس وتصدع الأبواب والأسوار، وقد كان الربيع العربي مؤذنا ببدء انهيار الواقع الذي فرضه الغرب الكافر على الأمة الإسلامية، وقد يقول البعض أن ما نتج عن الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا واليمن ليس سوى تغير في حرس الأبواب والأسوار، وهذا صحيح ولكن ما أحدثه في سوريا من بعدُ تجاوز هذا؛ فإن كانت أحداث الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن لم ينتج عنها التغيير المنشود، إلا أن هذه الأحداث هي التي أعانت على أن يتحرك أهل الشام بقوة لإسقاط الطاغية بشار، ثم سارت على غير النهج الذي سارت عليه بقية الثورات، وكان هجيرها رفع شعار الأمة تريد خلافة إسلامية. وهذا النهج الذي سارت عليه ثورة الشام جعل الغرب الكافر يتعامل معها على غير النسق الذي تعامل به مع غيرها من الثورات.
إن الحديث عن مؤشرات قرب قيام دولة الخلافة يطول، وتفاصيله كثيرة، وقد يمكن للمرء أن يدرك اقتراب الأمة الإسلامية من تحقيق وعد الله سبحانه، بمطالعة تصريحات حكام الغرب الكافر وقادة الرأي فيه، حيث لا يتوقفون عن التحذير من قيام خلافة إسلامية، قالها من قبل بوش الابن وأوباما وبلير وبوتين ولافروف ومراكز الدراسات الغربية وقادة الرأي فيهم، والغريب أن يرى أعداؤنا وعد ربنا لنا قريبا ويراه بعض من هم من جلدتنا حلما وخيالا!.
إن الأمة الإسلامية مهما تقلبت عليها الأوجاع وادلهمت بها الخطوب فإنها ستعود قريبا بإذن الله إلى ربها وتسلك السبيل القويم سبيل رسول رب العالمين، وستقوم بإذن الله دولة الخلافة على منهاج النبوة، وهي على منهاج النبوة من حيث الطريق التي توصل إليها ومن حيث حقيقتها في ذاتها، ولا يمكن أبدا أن تكون على منهاج النبوة إذا انحرف السائرون إليها عن منهاج النبي ﷺ. “فهذا الحق ليس به خفاء… فدعني من بنيات الطريق”
بقلم: عبد الله المحمود
المصدر: جريدة الراية