جواب سؤال: حول المدة التي يمهل فيها المسلمون لإقامة الخلافة
(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)
جواب سؤال:
حول المدة التي يمهل فيها المسلمون لإقامة الخلافة
إلى Muafa Abu Haura
السؤال:
جزاك الله على ردك… وهل يمكن أن تكون المناقشات مفتوحة حتى يستفيد المسلمون من مضمونها ويعرفوا إخلاص حزب التحرير وأميره في قبول الحق بعد أن ظهر ضعف الرأي فيما بعد؟
الفكرة الأولى التي نريد أن نناقشها هي المدة التي يمهل فيها المسلمون لإقامة الخلافة.
كتب أخ لي واسمه Aang Yulius هذه المقالة:
هل تصح الرواية التي استدل بها حزب التحرير في تعيين المدة التي يمهل فيها المسلمون لإقامة الخلافة؟
من أفكار حزب التحرير المتبناة نصب الخليفة لجميع المسلمين. وقالوا أنه لا يجوز خلو المسلمين من وجود خليفة أكثر من ثلاثة أيام. وإن مضت ثلاثة أيام ولم ينصب أحد خليفة للمسلمين أصبحوا آثمين. فبعد انهيار الخلافة العثمانية إلى يومنا هذا عاش المسلمون في مدة أكثر من ثمانين سنة ليس في أعناقهم بيعة.
فصار كل من لا يشترك في محاولة إقامة الخلافة آثماً. واستدل حزب التحرير ﻓﻲ كون المدة التي يمهل فيها المسلمون لإقامة الخلافة ثلاثة أيام بإجماع الصحابة وهو رواية قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشهير. فقد روي أنه بعد أن طعن وأشرف على الموت رشح ستة من كبار الصحابة ليكون أحد منهم خليفة بعده بطريقة الشورى بينهم. وأوصاهم وصية تهديدية بقتل أي منهم من يخالف أمرهم في آخر اليوم الثالث. وأمر خمسين من الصحابة أن يطبقوا وصيته هذه. وعلم الصحابة الكبار هذه الوصية ولا أحد منهم من أنكر مع أنه مما ينكر. فدل ذلك على إجماعهم على تحديد المدة القصوى لإقامة الخلافة بثلاثة أيام. وأصل هذه الفكرة ما روي في تاريخ الطبيري ما نصه:
“فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف وإن اتفق أربعة فرضوا رجل منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما…”. هذه فكرة رسمية عند حزب التحرير مكتوبة في كتبه المتبناة ونشرها الشباب باسم الحزب أو باسمهم الشخصي. هذه الفكرة مكتوبة في كتاب أجهزة دولة الخلافة باب المدة التي يمهل فيها المسلمون لإقامة الخلافة ص 53، وفي كتاب نظام الحكم في الإسلام باب طريق نصب الخليفة، وغيرهما.
والمشكلة هي ضعف الرواية لأن في سندها أبا مخنف وكان شيعيا رافضيا. وصفه ابن معين بأنه”ليس بثقة.”…
وفي الإسناد أيضا رواة مجهولون… وفي الإسناد رواة مدلسون رووا بصيغة العنعنة…
وهناك رواية أخرى في معنى رواية الطبري. ولكنها ضعيفة أيضا لانقطاع السند. فقد روى ابن سعد في الطبقات الكبرى رواية مشابهة فيه سماك بن حرب الذهلي البكري الذي وصفه الخفاظ بأنه “صدوق وقد تغير” ولا يمكن له أن يلتقى بعمر فكانت منقطعة.
ومن جهة المعنى نجد ما لا يمكن أن يصدق من رواية الطبري وروايات أمثالها لأنها تخالف الروايات الصحيحة. فلننظر النقاط الآتية: كيف يمكن أن يأمر عمر بقتل كبار الصحابة… وكيف يقول عمر رضي الله عنه هذا وهو يعلم أنهم هم الصفوة من أصحاب رسول الله…
وعلى هذا ظهر جليا أن هذه الرواية ضعيفة… فحينئذ سقط الاستدلال بها للقول بأن المدة التي يمهل فيها المسلمون لإقامة الخلافة ثلاثة أيام. وبطل أيضا قول من يعظم الخلافة حيث قال: “إن عمر أمر بقتل من يأبى نصب الخليفة.”.
فما رأيك؟ ننتظر جوابا شافيا
الجواب:
لقد لفت نظري في بداية سؤالك أمور أشير إليها قبل الجواب:
أ- السؤال باسم (Muafa Abu Haura)، ولكن المقالة التي استعملتها في السؤال باسم (Aang Yulius)!
ب- تقول (وهل يمكن أن تكون المناقشات مفتوحة حتى يستفيد المسلمون من مضمونها ويعرفوا إخلاص حزب التحرير وأميره في قبول الحق بعد أن ظهر ضعف الرأي فيما بعد؟)، فكيف تريد نقاشاً وتقرر (بعد أن ظهر ضعف الرأي)؟ ألا تنتظر نهاية النقاش لترى ضعف الرأي من قوته، فإنه لا يحسن أن تقرر ضعف الرأي إلا بعد انتهاء النقاش ما دمت تريد نقاشاً، أليس كذلك؟
ج- إنك لم تسلَّم علينا، فلم تقل السلام عليكم، ومع ذلك فقد دعوت… ولا ندري أهي دعوة لنا أم علينا، فإنك قلت “جزاك الله على ردِّك…”، ولم تبين نوع الجزاء أيكون خيراً أم شرا! فقد ختمت الدعاء بالنقاط وجعلتها في بطن الشاعر!
ومع كل هذا وذاك، فإني سأفترض حسن النية في تأويل النقاط السابقة، وأجيب على مقالة صاحبك، وبالله التوفيق:
1- إن حزب التحرير وأميره لا يرفض النقاش الهادف لبيان الحق بقصد اتباعه، والعمل بناء عليه لاستنئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة، الفرض العظيم، الذي لا يجوز للمسلمين أن يقعدوا عن إيجاد الخليفة بعد شغور مركز الخلافة فوق ثلاث، وإلا أثم كل قادر على العمل ولا يتلبس به…
2- إن صاحب المقالة تناول رواية الطبري التي فيها “أبو مخنف”، ونقل أنه “ليس ثقة”، ثم ذكر رجالا في الرواية قال إنهم مجهولون، وذكر رجالاً آخرين قال إنهم يروون بصيغة العنعنة…
ثم ذكر إحدى الروايات في طبقات ابن سعد وذكر أن في سندها “سماك بن حرب” وقال عنه إنه “صدوق وقد تغير” وأنه لم يلتق عمر رضي الله عنه…
3- إن صاحب المقالة تناول مسألة مهمة ولكن من رواية واحدة، مع أن هذه القضية “الإمهال ثلاثة أيام وقتل المخالف” لم تكن سراً بل كانت على ملأ من الصحابة، وفيها روايات عدة… ثم إن قوله عن بعض رجال الرواية إنهم مجهولون ليس بحجةٍ إنْ جَهِلهم هو وعلمهم آخرون أقوى حفظاً منه! وكذلك فاحتجاجه على الرواية بالعنعنة دليل جهل بعلم مصطلح الحديث لأن روايات العنعنة تُقبل ما دامت مستوفية شروط السند.
4- إن قبول الحديث أو ردّه يحتاج إلى علم وفقه وفهم لعلوم مصطلح الحديث، أصوله وفروعه، وسأذكر شيئاً من ذلك قبل الرد على مقالة صاحبك لعله يتذكرها إن كان من أهل هذا العلم:
هنالك رواة يُعتبرون ثقة عند بعض المحدثين، ويُعتبرون غير ثقة عند البعض، أو يعتبرون من المجهولين عند بعض المحدثين، ومن المعروفين عند البعض الآخر. وهناك أحاديث لم تصح من طريق وصحت من طريق أخرى. وهنالك طرق لم تصح عند البعض وصحت عند آخرين. وهناك أحاديث لم تعتبر عند بعض المحدثين وطعنوا بها، واعتبرها محدثون آخرون واحتجوا بها. وهناك أحاديث طعن بها بعض أهل الحديث، وقبلها عامة الفقهاء واحتجوا بها. فإلزام الناس باعتبار الحديث صحيحاً أو حسناً برأي من الآراء أو بجميع الآراء هو إلزام غير صحيح، ومخالف لواقع الأحاديث… ومن اطلع على اجتهادات الفقهاء المعتبرين يجد هذا يحتج بحديث لا يأخذ به ذاك، لأنه صح عند الأول، ولم يصح عند الثاني، وترى ذاك عند الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم… فيجب التأني والتفكير في الحديث قبل الإقدام على الطعن فيه أو رده. والمتتبع للرواة وللأحاديث يجد الاختلاف في ذلك بين المحدثين كثيراً، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً:
فمثلاً: روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ. يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ…» فراوي هذا الحديث عمرو بن شعيب، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيه مقال مشهور، ومع ذلك فقد احتج بحديثه كثيرون ورفضه آخرون…
ومثلاً في الدارقطني عن الحسن عن عبادة وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا وُزِنَ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إِذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَمَا كَيْلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ». هذا الحديث في إسناده الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وضعفه جماعة… فإذا استدل أحد بهذا الحديث أو بحديث في إسناده الربيع بن صبيح، يكون قد استدل بدليل شرعي…
ومثلاً: روى أحمد قال حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ يَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ» قَالُوا: بَلَى. «فَكَرِهَهُ». ورواه أبو داود بلفظ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاص قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ قَالُوا نَعَمْ، فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ».
هذا الحديث صححه الترمذي، وأعله جماعة، منهم الطحاوي والطبري وابن حزم وعبد الحق، بأن في إسناده زيداً أبا عياش وهو مجهول. قال في التلخيص والجواب أن الدارقطني قال إنه ثقة ثبت (يعني زيداً أبا عياش) وقال المنذري: قد روى عنه اثنان ثقتان وقد اعتمده مالك مع شدة نقده. فإذا جعل أحد هذا الحديث دليلاً شرعياً أو استدل بحديث فيه زيد أبو عياش، فإنه يكون قد استدل بدليل شرعي.
وعليه فإن استنباط الحكم لا يأتي من رواية واحدة دون الروايات الأخرى، ولا يكفي الجرح والتعديل من جهة واحدة دون النظر في الجهات المختلفة، بل تدرس المسألة من جميع جوانبها…
5- والآن سأناقش بعض الجوانب التي جهلها أو تجاهلها صاحب المقالة:
في تعليقه على رواية الطبري ركز على أبي مخنف، ولكنه ترك شريك أبي مخنف في السند، فإن رواية الطبري تقول:
“حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شبة، قال: حدثنا علي بن محمد، عن وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عن قتادة، عن “شهر بن حوشب وابى مِخْنَفٍ”، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَيُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاب لَمَّا طُعِنَ… فَقَالَ…” انتهى
فصاحب المقالة ركز على أبي مخنف وذكر أنه ضعيف، وترك شهر بن حوشب شريك أبي مخنف في الرواية عن يوسف بن يزيد، فإن قتادة روى عن (أبي مخنف وشهر بن حوشب) وهما رويا عن يوسف بن يزيد، ولكنه لم يذكر إلا أبا مخنف وذلك لأن شهر بن حوشب قد وثقه جماعة:
قال العجلي (المتوفى: 261هـ) في كتابه الثقات: (شهر بن حوشب: “شامي”، تابعي، ثقة.)
وقال الهيثمي (المتوفى: 807هـ) عن شهر بن حوشب في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد في أكثر من موضع:
(شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، وَقَدْ وُثِّقَ)، (شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَكِنَّهُ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ)، (شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَفِيهِ بَعْضُ كَلَامٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ)، (شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَفِيهِ كَلَامٌ وَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ)
وقال ابن شاهين (المتوفى: 385هـ) في كتابه تاريخ أسماء الثقات: (وَقَالَ يحيى شهر بن حَوْشَب ثَبت وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ شَامي نزل الْبَصْرَة وَكَانَ من الْأَشْعَرِيين من أنفَسِهم وَهُوَ ثِقَة).
ولذلك فإن قتادة روى عن أبي مخنف وشهر بن حوشب، وليس فقط عن أبي مخنف، ولكن صاحب المقالة أغفل شهر بن حوشب لأنه قد وُثِّق من أكثر من واحد.
هذا عن رواية الطبري.
• بالنسبة لرواية ابن سعد في الطبقات:
لقد ذكر صاحب المقالة إحدى روايات الطبقات وهي التي فيها سماك، وهذا سند هذه الرواية:
“قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ سِمَاكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا حُضِرَ قَالَ إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَسُنَّةٌ وَإِلا أَسْتَخْلِفْ فَسُنَّةٌ. تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ولم يَسْتَخْلِفْ. وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَخْلَفَ…”، وقد ذكر صاحب المقالة أن سماك الذي وُصف “بالصدوق وقد تغير” لا يمكن اتصاله بعمر…
ولكن ورد في كتاب الثقات لابن حبان (المتوفى: 354هـ) عن سماك بن حرب ما يلي:
(سماك بْن حَرْب الْبكْرِيّ من أهل الْكُوفَة… روى عَنهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة كَانَ حَمَّاد بن سَلمَة يَقُول سَمِعت سماك بْن حَرْب يَقُول أدْركْت ثَمَانِينَ من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَات فِي آخر ولَايَة هِشَام بْن عَبْد الْملك حِين ولى يُوسُف بْن عمر على الْعرَاق وَهُوَ سماك بْن حَرْب بْن أَوْس بْن خَالِد بْن نزار بْن مُعَاوِيَة بْن عَامر بن ذهل)
وكذلك ورد في كتاب تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين ما يلي:
(وَقَالَ سماك بن حَرْب ثِقَة نَا عبد الله بن مُحَمَّد الْبَغَوِيّ قَالَ نَا مُحَمَّد بن غيلَان قَالَ نَا مُؤَمل عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن سماك بن حَرْب قَالَ أدْركْت ثَمَانِينَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
وهذا يدل على أن سماك أدرك ثمانين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو عدد لا بأس به يجعله إن لم يدرك عمر فقد أدرك صحابياً نقل عن عمر، وسقوط الصحابي لا يؤثر في صحة السند.
• ومع ذلك فإن ابن سعد أورد في المسألة روايات أخرى ليس فيها سماك، ومنها:
– قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ يَوْمَ طُعِنَ… ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدًا.. ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي صُهَيْبًا. فَدُعِيَ فَقَالَ: صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلاثًا وَلْيَخْلُ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ فِي بَيْتٍ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ فَمَنْ خَالَفَهُمْ فَاضْرِبُوا رَأْسَهُ…
وعمرو بن ميمون الأودي كان قَدْ أسلم فِي زمان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحج مائة حجة، وقيل: سبعين حجة، وأدى صدقته إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… كما جاء في أسد الغابة، ولذلك فهو شهد عمر رضي الله عنه يوم طُعن.
– قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ قُبَيْلَ أَنْ يَمُوتَ بِسَاعَةٍ فَقَالَ: يَا أبا طلحة كن في خمسين من قومك مِنَ الأَنْصَارِ مَعَ هَؤُلاءِ النَّفَرِ أَصْحَابِ الشُّورَى فَإِنَّهُمْ فِيمَا أَحْسِبُ سَيَجْتَمِعُونَ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمْ. فَقُمْ عَلَى ذَلِكَ الْبَابِ بِأَصْحَابِكَ فَلا تَتْرُكْ أَحَدًا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَلا تَتْرُكْهُمْ يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم. اللهم أَنْتَ خَلِيفَتِي عَلَيْهِمْ.
– قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ فِيمَا أَوْصَى بِهِ: فَإِنْ قُبِضْتُ فَلْيُصَلِّ لَكُمْ صُهَيْبٌ. ثَلاثًا. ثُمَّ أَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ فَبَايِعُوا أَحَدَكُمْ….
وواضح أن ابن سعد له أكثر من رواية لكن صاحب المقالة تمسك بشبهة وجدها في رواية واحدة فيها سماك، وترك غيرها، ما يدل على أنه لا يتحرى الوصول إلى الحق بل يريد التشويش على أهل الحق، وأنّى له ذلك!
• ومع كل هذا وذاك فهناك روايات أخرى أثبتها ابن شبَّة في كتابه تاريخ المدينة وأنقل هنا ثلاث روايات:
– حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعُلَيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَوْلًى لِآلِ ابْنِ عَفَّانَ: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ صُهَيْبًا أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثَلَاثًا، وَقَالَ: «لَا يَأْتِينَّ عَلَيْكُمْ ثَالِثَةٌ، أَوْ لَا يَخْلُوَنَّ عَلَيْكُمْ ثَالِثَةٌ حَتَّى تُبَايِعُوا لِأَحَدِكُمْ، يَعْنِي أَهْلَ الشُّورَى، ثُمَّ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكِمْ، وَلَا تُشَاقُّوا وَلَا تُنَازِعُوا وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْأَمِيرَ»…
– حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَا قَالَ: عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ طُعِنَ: «لِيُصَلِّ بِكُمْ صُهَيْبٌ ثَلَاثًا، وَلْتُنْظِرُوا طَلْحَةَ، فَإِنْ جَاءَ إِلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَانْظُرُوا فِي أَمْرِكُمْ، فَإِنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُتْرَكُ فَوْقَ ثَلَاثٍ سُدًى،»
– وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَهِيدًا، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِذَا مِتُّ فَتَرَبَّصُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ، وَلَا يَأْتِيَنَّ الْيَوْمُ الرَّابِعُ إِلَّا وَعَلَيْكُمْ أَمِيرٌ مِنْكُمْ، وَيَحْضُرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُشِيرًا، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَمْرِ، وَطَلْحَةُ شَرِيكُكُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِنْ قَدِمَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَأَحْضِرُوهُ أَمْرَكُمْ، وَإِنْ مَضَتِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ قُدُومِهِ فَاقْضُوا أَمْرَكُمْ…»… وَقَالَ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ: «إِذَا وَضَعْتُمُونِي فِي حُفْرَتِي فَاجْمَعْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ فِي بَيْتٍ حَتَّى يَخْتَارُوا رَجُلًا مِنْهُمْ» ، وَقَالَ لِصُهَيْبٍ: «صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَدْخِلْ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَطَلْحَةَ إِنْ قَدِمَ، وَأَحْضِرْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ، وَقُمْ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَإِنِ اجْتَمَعَ خَمْسَةٌ وَرَضُوا رَجُلًا وَأَبَى وَاحِدٌ فَاشْدَخْ رَأْسَهُ أَوِ اضْرِبْ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ، وَإِنِ اتَّفَقَ أَرْبَعَةٌ فَرَضُوا رَجُلًا مِنْهُمْ وَأَبَى اثْنَانِ فَاضْرِبْ رُءُوسُهُمَا، فَإِنْ رَضِيَ ثَلَاثَةٌ رَجُلًا مِنْهُمْ وَثَلَاثَةٌ رَجُلًا مِنْهُمْ فَحَكِّمُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ حَكَمَ لَهُ فَلْيَخْتَارُوا رَجُلًا مِنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَاقْتُلُوا الْبَاقِينَ إِنْ رَغِبُوا عَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ»…
• ثم إن إمهال الأيام الثلاثة مذكورة في الروايات مجملة دون ذكر قتل المخالف مثل “يصلي بالناس ثلاثا”، “لا يأتين عليكم ثالثة”، “لا يخلون عليكم ثالثا حتى تبايعوا لأحدكم”، “ليصلي بكم صهيب ثلاثا”، “ولا تتركهم يمض اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم”، “فليصل لكم صهيب ثلاثا ثم أجمعوا أمركم فبايعوا أحدكم”… وهناك روايات مفصلة في قتل المخالف: “صل بالناس ثلاثا… فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه”… وهكذا.
أي أن مدة الأيام الثلاثة مذكورة في الروايات مجملة دون ذكر تفصيل الإجراء الذي يتخذ مع المخالف، ومذكورة في روايات أخرى بتفصيل الإجراء مع المخالف وهو قتله، فلماذا ركّز صاحب المقالة على روايات قتل المخالف وترك روايات إمهال الأيام الثلاثة التي ليس فيها قتل المخالف؟ إنه أراد أن يبرز موضوع القتل ليجد قبولاً مشاعرياً لرأيه مع أن قول عمر على ملأ من الناس بقتل المخالف هو دليل على أن الأيام الثلاثة أمر بالغ الأهمية.
• وعليه فإن صاحب المقالة وأمثاله وأشياعه كما يبدو ليس قصدهم تحري الحق بقدر ما هو التشويش على أهل الحق، وإيجاد المبررات لقعودهم وجبنهم عن أداء هذا الفرض العظيم الذي قدّمه الصحابة على دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما ما ذكره صاحب المقالة في آخر مقالته بقوله: “كيف يمكن أن يأمر عمر بقتل كبار الصحابة… وكيف يقول عمر رضي الله عنه هذا وهو يعلم أنهم هم الصفوة من أصحاب رسول الله…” انتهى
فالأحكام الشرعية تؤخذ من أدلتها، ولا تؤخذ بالهوى والافتراضات…
وهكذا فإن من تدبر ما أوردناه، وعقله ووعاه، فإنه يهتدي إلى الحق بإذن الله، ومن أخذته العزة بالإثم وكتب مقالته وهو مصر على عدم الفهم، فلا ينفعه جواب، بل أمره إلى الله سبحانه، فهو جلّ وعلا الهادي إلى سواء السبيل.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة أمير ويب
رابط الجواب من صفحة أمير بلس