المادة -93-
المادة 93 – لكـل إنسـان الحق في أن يوكل عنه في الخصومة وفي الدفـاع من يشاء سواء أكان مسلماً أم غير مسلم رجلاً كان أم امـرأة. ولا فـرق في ذلك بين الوكيل والمـوكِّـل. ويجـوز للوكيل أن يوكَّل بأجر ويستحق الأجرة على الموكِّل حسب تراضيهما.
هذه المادة تبين جواز الوكالة في الخصومة، ودليلها دليل الوكالة. لأنه جاء عاماً فيشمل كل وكالة. والوكالة ثابتة بالسنة، فقد روى أبو داود وصححه بإسناده عن جابر بن عبد الله قال: «أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَـيْـبَرَ، فَقَالَ: إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ»، حسنه الحافظ في التلخيص. وروي عنه صلى الله عليه وسلم: أنه وكل أبا رافع في قبول نكاح ميمونة، فقد أخرج أحمد في المسند عن أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا وبنى بها حلالا وكنت الرسول بينهما»، فكل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه، رجلاً كان أو امرأة، مسلماً كان أو كافراً. ثم إن الوكالة بالخصومة بالذات ثابتة بإجماع الصحابة رضي الله عنهم: (فإنَّ عَلِياًّ رضي الله عنه وكَّل عقيلاً عند أبي بكر رضي الله عنه وقال: ما قُضِيَ له فلي وما قُضِيَ عليه فعلَيَّ). ووكَّل عبدَ الله بنَ جعفر عند عثمان وقال: “إن للخصومة قُحْماً وإن الشيطان لَيَحْضُرُها، وإني لأكره أن أَحْضُرَها”. ذكر هذا ابن قدامة في المغني وقال: “وهذه قصص انتشرت لأنها في مَظِـنَّة الشهرة فلم ينقل إنكارها”، ومعنى القحم المهالك؛ وبناء عليه يجوز التوكيل في مطالبة الحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها، حاضراً كان الموكل أو غائباً، صحيحاً أو مريضاً، ولا يشترط فيها رضا الخصم؛ لأنها حق تجوز النيابة فيه مطلقاً، سواء رضي الخصم أم لم يرض. ويجوز للوكيل أن يوكل بأجرة؛ لأن الإجارة فيها جائزة. إذ الإجارة عامة تشمل كل شيء فتشمل الوكالة، ولأن تعريف الإجارة أنها عقد على المنفعة بعوض، وهذه منفعة جرى عليها عقد الإجارة فينطبق عليها التعريف. فإذا جرى التوكيل بأجرة استحق الوكيل الأجرة من الموكل حسب تراضيهما عليها. إلا أنه لا بد من إجراء عقد الإجارة والاتفاق عليها حتى تستحق الأجرة؛ لأن الوكالة نفسها عقد لا يستوجب أجرة، ولكن الإجارة عليها هي التي تستوجب الأجرة؛ ولذلك لا بد من عقد إجارة على الوكالة مع عقد الوكالة حتى تستحق الأجرة للوكيل على الموكل. والوكالة وأخذ الأجرة جائزة مطلقاً، سواء أتخذها صاحبها حرفة له يعيش منها أم لم يتخذها، ولهذا فإن ما عرف اليوم بالمحاماة ومن عرفوا بالمحامين يعتبر عملهم، من حيث كونه عملاً بأجرة، صحيحا، ولكن احتكامهم إلى قوانين الكفر في إثبات الحق من الباطل هو الذي لا يجوز، بل الحق هو الذي يحقه الإسلام، والباطل هو الذي يبطله، ولا قيمة لخلاف ذلك حتى وإن أقرته قوانين الكفر.