المادة -111-
المادة 111 – لمجلس الأمة صلاحيات خمس هي:
1 – (أ): استشارة الخليفة له وإشارته على الخليفة في الأعمال والأمور العملية المتعلقة برعاية الشؤون في السياسة الداخلية مما لا تحتاج إلى بحث فكري عميق وإنعام نظر مثل شئون الحكم، والتعليم، والصحة، والاقتصاد، والتجارة، والصناعة، والزراعة، وأمثالها، ويكون رأيه فيها ملزماً.
(ب): أما الأمورُ الفكريةُ التي تحتاجُ إلى بحثٍ عميق وإنعامِ نظرٍ، والأمور التي تحتاج خبرة ودراية، والأمورُ الفنيةُ والعلميةُ، وكذلك المالية والجيش والسياسة الخارجية، فإن للخليفة أن يرجع للمجلس لاستشارته فيها والوقوف على رأيه، ورأي المجلس فيها غير ملزم.
2 – للخليفة أن يحيل للمجلس الأحكام والقوانين التي يريد أن يتبناها، وللمسلمين من أعضائه حق مناقشتها وبيان وجه الصواب والخطأ فيها فإن اختلفوا مع الخليفة في طريقة التبني من الأصول الشرعية المتبناة في الدولة، فإن الفصل يرجع إلى محكمة المظالم، ورأي المحكمة في ذلك ملزم.
3 – للمجلس الحق في محاسبة الخليفة على جميع الأعمال التي تحصل بالفعل في الدولة سواء أكانت من الأمور الداخلية أم الخارجية أم المالية أم الجيش أم غيرها، ورأي المجلس ملزم فيما كان رأي الأكثرية فيه ملزماً، وغير ملزم فيما كان رأي الأكثرية فيه غير ملزم.
وإن اختلف المجلس مع الخليفة على عمل قد تم بالفعل من الناحية الشرعية فَيُرْجَعُ فيه إلى محكمة المظالم للبتّ فيه من حيث الشرعية وعدمها، ورأي المحكمة فيه ملزم.
4 – للمجلس الحق في إظهار عدم الرضا من المعاونين والولاة والعمال ويكون رأيه في ذلك ملزماً، وعلى الخليفة عزلهم في الحال. وإذا تعارض رأي مجلس الأمة مع رأي مجلس الولاية المعنيَّة في الرضا أو الشكوى من الولاة والعمال فإن لرأي مجلس الولاية الأولوية في ذلك.
5 – للمسلمين من أعضائه حق حصر المرشحين للخلافة من الذين قررت محكمة المظالم توفر شروط الانعقاد فيهم ورأي أكثريتهم في ذلك ملزم، فلا يصح الانتخاب إلا من الذين حصرهم المجلس.
هـذه المادة تبيِّن صـلاحـيـات مجلس الأُمة. وأدلة هذه الصلاحيات على النحو التالي:
البند الأول: أ – أما دليل كون رأي مجلس الأمة في الأعمال والأمور العملية، مما لا يحتاج إلى بحث وإنعام نظر ملزماً، فذلك: أخذاً من نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأي الأكثرية في الخروج من المدينة لملاقاة جيش المشركين في معركة أحد، مع أن رأيه عليه الصلاة والسلام ورأي كبار الصحابة، كان البقاء في المدينة، وعدم الخروج منها، وأخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر م: «لَوِ اجْـتَمَعْـتُمَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْـتُكُمَا»؛ رواه أحمد، ولذلك فإن الأمور العملية المتعلقة بالرأي المؤدي إلى عمل، من حيث توفير الخدمات للرعية لاطمئنانهم في عيشهم، ومن حيث حفظ أمنهم وتحصين مدنهم ودفع الخطر عنهم، كل هذه يكون رأي الأكثرية في المجلس ملزماً للخليفة حتى وإن خالف رغبته، كما حدث مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى أحد نزولاً عند رأي الأكثرية.
البند الأول: ب – إن الأصل فيه أن يأخذ الخليفة رأي العلماء، وأرباب الخبرة، وأهل الاختصاص، فيما اشتمل عليه هذا القسم من أمور، كما حصل حين أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي الحباب بن المنذر في اختيار موقع معركة بدر، جاء في سيرة ابن هشام: «إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم، حِينَ نَزَلَ عِنْدَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ، لَمْ يَرْضَ الْحُـبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بِهَذَا الْمَنْزِلِ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلاً أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ وَلاَ نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلٍ، فَانْهَضْ بِالنَّاسِ حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنَ القَوْمِ فَنَـنْزِلَهُ، ثُمَّ نُغَوِّرُ مَا وَرَاءَهُ مِنَ القُلُبِ، ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضاً فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمَّ نُقَاتِلُ القَوْمَ فَنَشْرَبُ وَلاَ يَشْرَبُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ، فَنَهَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ، فَسَارَ حَـتَّى إِذَا أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنَ القَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَغُوِّرَتْ، وَبَنَى حَوْضاً عَلَى القَلِيبِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ، فَمُلِئَ مَاءً، ثُمَّ قَذَفُوا فِيهِ الآنِيَةَ»، فالرسول صلى الله عليه وسلم استمع إلى قول الحباب وتبع رأيه.
ففي هذه الحادثة التي هي من قبيل الرأي والحرب والمكيدة، لم تكن لآراء الناس أية قيمة في تقريرها، وإنما كانت لرأي الخبير، ومثلها الأمور الفنية والفكر الذي يحتاج إلى بحث وإنعام نظر. وكذلك التعريف، فإنه يرجع فيها لأرباب الخبرة وأصحاب الاختصاص، وليس لآراء الناس، إذ لا قيمة فيها للكثرة، وإنما القيمة للعلم والخبرة والاختصاص.
ومثل ذلك أيضاً الأمور المالية؛ لأن الشرع عيّن أنواع الأموال التي تجبى، وعين وجوه إنفاقها، كما عيّن متى تفرض الضرائب، وعلى هذا لا عبرة برأي الناس في جباية الأموال ولا في صرفها. وكذلك الجيش، فإن الشرع جعل تدبير أموره للخليفة، وعـيّن أحكام الجهاد، فلا عبرة لرأي الناس فيما قرره الشرع. وكذلك الأمر بالنسبة لعلاقة الدولة بغيرها من الدول؛ لأن ذلك من الفكر الذي يحتاج إلى بحث وإنعام نظر، وله علاقة بالجهاد، ثم هو من نوع الرأي والحرب والمكيدة؛ ولذلك لا عبرة لرأي الناس فيه كثرة وقلة، ومع ذلك فإنه يجوز للخليفة أن يعرض هذه الأمور على مجلس الأُمة لاستشارته فيها، وأخذ رأيه؛ لأن العرض ذاته من المباحات، ورأي المجلس في هذه الأمور ليس ملزماً كما ثبت ذلك في حادثة بدر، وإنما القرار لصاحب الصلاحية.
ويتضح الفرق بين (أ) و(ب) في البند الأول من خلال الأمثلة التالية:
عند إنشاء جسر على نهر لخدمة مصالح الناس في قرية ما شبه معزولة من حيث المواصلات ونحوها فإن رأي أكثرية المجلس في ذلك ملزم للخليفة بإنشاء الجسر لحل مشكلة المواصلات للقرية. ولكن تقرير المكان المناسب فنياً لإنشاء الجسر، وأنجح التصاميم الهندسية للجسر: أهو معلق أم على ركائز في داخل النهر … إلخ فهذا يستشار فيه أصحاب الخبرة والاختصاص، وليس أكثرية المجلس.
وكذلك فإن توفير مدرسة لأبناء قرية يجد أبناؤها صعوبةً بالغةً في الوصول إلى المدارس في المدن، يكون فيه رأي أكثرية مجلس الأمة ملزماً للخليفة. أما اختيار موقع المدرسة في القرية من حيث قوة التربة في هذا الموقع المناسب للتصميم، وكذلك كيفية بنائها، وأن تكون مملوكة للدولة أي تُبنى أو تشترى، أو لا تكون، بل تستأجر سنةً أو سنتين ونحو ذلك، يستشار فيه أصحاب الخبرة والاختصاص وليس أكثرية المجلس مع أن للخليفة أن يستشيرهم في ذلك ولكن رأيهم غير ملزم.
وأيضاً فإن بلداً على الثغور (خط مواجهة مع العدو) فإن رأي أكثرية مجلس الأمة ملزم من حيث تحصين القرية وإبعاد خطر العدو عنها وعدم تعريضها للقتل والتشرد عند أي اعتداء من العدو …، ولكن كيفية إنشاء هذه التحصينات وأية وسائل قتالية تستعمَل لرد الخطر عنها … فهذا كله يستشار فيه أهل الخبرة والاختصاص وليس أكثرية المجلس.
وهكذا.
أما البند الثاني فإن التـشــريع هـو لله وحــده ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)) [الأنعام 57] و ((فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء 65] وكذلك في تفسيره صلى الله عليه وسلم للآية ] ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)) [التوبة 31] أخرج الترمذي من طريق عَدِيّ بن حاتم قال: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ. وَسَمِعْـتُهُ يَقْـرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)) قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَـيْئًا اسْـتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَـيْئًا حَرَّمُوهُ»؛ ولذلك فالتشريع لا يؤخذ من رأي المجلس، لا بإجماع ولا بأكثرية، بل يؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله وما أرشدا إليه باجتهاد صحيح؛ ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رفض رأي كثير من المسلمين في صلح الحديبية، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي عَـبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَلَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ» لأن الصلح كان وحياً من الله سبحانه؛ ولذلك لا يرجع إلى رأي الناس في التشريع. وعلى هذا الأساس يكون تبني الأحكام الشرعية، وسن القوانين، وتبني الأحكام والقوانين، هو من صلاحيات الخليفة وحده كما سبق البيان، يأخذ كل ذلك من النصوص الشرعية، سواء أكان ذلك من اجتهاده أم من غيره من المجتهدين المعتبرين. إلا أن للخليفة مع ذلك أن يعرض ما يريد أن يتبناه من أحكام شرعية وقوانين على مجلس الأُمة لمعرفة رأيه فيه، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الرجوع إلى المسلمين في الأحكام الشرعية، وعدم إنكار الصحابة عليه، وذلك في حادثة الأراضي المفتوحة في العراق، وكان المسلمون قد طلبوا منه أن يقسمها على المحاربين الذين فتحوها، فسأل الناس، ثم استقر رأيه على إبقائها بأيدي أصحابها، على أن يدفعوا عنها خراجاً معلوماً، إضافة إلى دفع الجزية عن رؤوسهم. وإنّ رجوع عمر، ومن قبله أبو بكر، للصحابة لسؤالهم وأخذ رأيهم في الأحكام الشرعية، وعدم إنكار الصحابة ذلك عليهما، هو دليل إجماع من الصحابة على جواز ذلك.
وأما الرجوع إلى محكمة المظالم إذا اختلف الخليفة مع مجلس الشورى في صحة استنباط هذه القوانين، أو دليلها من حيث طريقة التبني من الأصول المتبناة في الدولة، فإن من صلاحية قاضي المظالم النظر في الحكم الذي يتبناه الخليفة، هل له دليل شرعي، وهل ينطبق الدليل على الحادثة؛ ولذلك فإذا اختلف الخليفة مع المجلس، في الحكم الذي تبناه الخليفة من كونه حكماً شرعياً صحيحاً أو لا، فإن هذا النزاع يفصل فيه قاضي المظالم؛ لأنه من اختصاصه ورأي محكمة المظالم ملزم.
ولا حق لغير المسلمين من أعضاء المجلس في النظر فيما يريد الخليفة أن يتبناه من أحكام وقوانين، وذلك لعدم إيمانهم بالإسلام، ولأنّ حقهم في إبداء الرأي هو فيما يقع عليهم من ظلم الحكام، وليس في إعطاء الرأي في الأحكام والقوانين الشرعية.
وأما البند الثالث فإن دليله عموم النصوص التي جاءت في محاسبة الحكام، روى أحمد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا لاَ يَفْعَلُونَ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكِذْبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ»، وروى أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «… أَلاَ إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»، وروى الحاكم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَـيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُـلٌ قَـامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ»، وروى مسلم عن أم سلمة ك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ …». فهذه النصوص عامة تدل على محاسبة الحاكم وفق أحكام الشرع، وأن المحاسبة تكون على جميع الأعمال؛ وعلى هذا فالمحاسبة من المجلس للخليفة ولغيره من المعاونين والولاة والعمال تكون على كل عمل حصل بالفعل، سواء أكان مخالفاً للحكم الشرعي، أم كان خطأً، أم كان ضاراً بالمسلمين، أم كان فيه ظلم للرعية، أو تقصير في القيام برعاية شؤونها، ويجب على الخليفة أن يردّ على المحاسبة والاعتراضات ببيان وجهة نظره وحجته فيما قام به من أعمال وأقوال وتصرفات، حتى يطمئن المجلس إلى حسن سير الأمور والأعمال، واستقامة الخليفة. أما إن لم يقبل المجلس وجهة نظر الخليفة، ورفض حجّته، فينظر، فإن كان حصل ذلك فيما فيه رأي الأكثرية ملزمٌ فرأي المجلس فيه ملزم، مثل الأمور في (أ) وإلا فرأيه غير ملزم مثل الأمور في (ب)، فمثلاً إذا كانت المحاسبة لماذا لَم يوفر المدرسة في المثال السابق فالمحاسبة ملزمة، وإذا كانت المحاسبة لماذا تبنى المدرسة بالتصميم الفلاني وليس الفلاني فالمحاسبة غير ملزمة.
هذا، وإن اختلف المحاسبون مع الحكام في أمرٍ من الأمور من الناحية الشرعية، فيرجع إلى قضاء المظالم بطلب من المجلس؛ لقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)) [النساء 59] ومعناه إن تنازعتم أيها المسلمون مع أولي الأمر في شيء فردوه إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، أي احتكموا إلى الشرع، والاحتكام إلى الشرع هو الرجوع إلى القضاء، ولهذا يرجع إلى محكمة المظالم، ورأيها فيه ملزم، لأنها هي صاحبة الاختصاص في هذه الحالة.
وأما البند الرابع فدليله أن الرسول صلى الله عليه وسلم عزل العلاء بن الحضرمي عامله على البحرين؛ لأن وفد عبد القيس قد شكاه للرسول صلى الله عليه وسلم، روى ابن سعد من طريق محمد بن عمر: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَتَبَ إِلَى العَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ رَجُلاً رَأْسُهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْفٍ الأَشَجِّ، وَاسْـتَخْلَفَ العَلاَءُ عَلَى البَحْرَيْنِ الْمُنْذِرَ بْنَ سَاوَى، فَشَكَا الوَفْدُ العَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَعَزَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَوَلَّى أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ، وَقَالَ لَهُ: اسْتَوْصِ بَعَبْدِ القَيْسِ خَيْراً، وَأَكْرِمْ سَرَاتَهُمْ»، وأيضاً فإن عمر بن الخطاب عزل سعد بن أبي وقاص عن الولاية لمجرد شكوى الناس عليه، وقال: «إِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ، وَلاَ عَنْ خِيَانَةٍ». مما يدل على أن أهل الولايات لهم حق إظهار السخط وعدم الرضا من ولاتهم وأمرائهم، وأن على الخليفة عزلهم لأجل ذلك، أي أن لمجالس الولايات، وكذلك لمجلس الأمة – حيث هو وكيل عن جميع المسلمين في الولايات – أن يظهر عدم الرضا من الولاة والعمال، وعلى الخليفة عزلهم في الحال إذا كانت الشكوى من أكثرية مجلس الولاية أو أكثرية مجلس الأمة وعند تعارضهما فالأولوية لمجلس الولاية لأنه هو أكثر علماً ودرايةً بأحوال الوالي من مجلس الأمة.
وأما البند الخامس فهو مسألتان:
الأولى حصر المرشحين، والثانية كون الحصر بستة ثم باثنين.
أما الأولى فإنه من تتبع كيفية تنصيب الخلفاء الراشدين يتبين أن هناك حصراً للمرشحين كان يتم من ممثلي المسلمين مباشرةً، أو بأن يطلبوا ذلك من الخليفة ليحصر الترشيح نيابةً عنهم.
ففي سقيفة بني ساعدة كان المرشحون أبا بكر وعمر وأبا عبيدة وسعد بن عبادة، واكتفي بهم أي حصر فيهم، وتم ذلك بموافقة أصحاب السقيفة، ثم موافقة الصحابة فيما بعد حيث بايعوا أبا بكر.
وفي أواخر أيام أبي بكر رضي الله عنه استشار المسلمين نحو ثلاثة شهور يبحث معهم الخـلافة من بعده، وبعد أن ناقشوه في ذلك وافقوا على ترشيحه لهم عمر أي حصر الترشيح في واحد.
وقد كان الحصر أكثر وضوحاً وأشد جلاءً بعد طعن عمر فقد طلبوا منه، رضي الله عنهم، أن يرشح لهم فجعلها في ستة، ومنع غيرهم، وشدد في ذلك كما هو معروف.
وعند بيعة علي رضي الله عنه، فهو كان المرشح الوحيد ولَم يكن معه غيره، فلم تكن هناك حاجة للحصر.
وكان الحصر يتم على ملأ من المسلمين، وهو مما ينكر ولا ينفذ لو كان غير جائز حيث فيه منع لحق الآخرين من الترشيح. ولذلك فإن حصر المرشحين للخـلافة جائز لإجماع الصحابة. فللأمة، أي ممثليها، أن تحصر المرشحين، سواء أكان ذلك من الأمة مباشرةً، أم بتفويض الخليفة السابق بأن يحصر نيابةً عنهم.
هذا من حيث الحصر. أما كون الحصر في ستة ابتداءً فهو استئناساً بفعل عمر رضي الله عنه. وأما كون الحصر بعد ذلك باثنين فهو استئناساً بفعل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وكذلك لتحقيق معنى البيعة بأكثرية المنتخِبين المسلمين، حيث إن المرشحين إن كانوا فوق اثنين، فإن الذي ينجح منهما قد يكون بنسبة ثلاثين في المئة مثلاً من المنتخِبين أي أقل من أكثريتهم (فوق خمسين في المئة)، وتتحقق الأكثرية للفائز إذا كان المرشحون لا يزيدون عن اثنين.
أما أن يكون حصر مجلس الأمة للستة وللاثنين من المرشحين الذين قررت محكمة المظالم توفر شروط الانعقاد فيهم، فذلك لأن حصر مجلس الأمة هو لأجل أن ينتخب الخليفة منهم أي لا بد أن تتوفر فيهم شروط الانعقاد. ولذلك فإنَّ محكمة المظالم تستبعد كل من لا تتوفر فيهم شروط الانعقاد من المرشحين للخـلافة، وبعد ذلك يقوم مجلس الأمة بعملية الحصر من المرشحين الذين قررت المحكمة توفر شروط الانعقاد فيهم.
ومن هنا كان البند الخامس.