المادة -112-
المادة 112 – الأصل في المرأة أنها أم وربة بيت وهي عرض يجب أن يصان.
هذه المادة مستنبطة من أدلة متعددة هي: أولاً من دليل الترغيب في النكاح، ودليل أن المرأة أحق بحضانة الولد. وثانياً من دليل منع المرأة من الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه، ودليل وجوب خدمة الزوجة لزوجها. وثالثاً من دليل عورة المرأة، ودليل الحياة الخاصة لها، ودليل منع الخلوة، ودليل منع سفر المرأة من غير محرم، ودليل تحريم التبرج.
فالدليل الأول ما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهياً شديداً ويقول: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أحمد بإسناد حسن. وعن معقل بن يسار قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أَصَـبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لاَ تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: لاَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ» رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وصححه، فهذا يدل على أن حكمة النكاح والنتيجة التي يقصد أن تترتب عليه هي الولادة، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تزوج المرأة التي يعلم خاطبها أنها لا تلد، وهو نهي غير جازم لعدم وجود قرينة تفيد الجزم، فضلاً عن الأدلة الواردة بجواز العزل أي لعدم الحمل، ومن هذه الأدلة ما أخرجه مسلم في صحيحه من طريق جابر رضي الله عنه «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَنْهَنَا» فيجوز أن يتزوج الرجل المرأة التي لا تلد، ولكن تزوُّج الولود أفضل فهو مندوب وفق الحديثين السابقين، أي أن الأصل في المرأة أن تكون أماً، ثم يأتي بعد ذلك أن تكون زوجة، وأن تباشر ما جعله لها الشرع أن تباشره من المباحات والمندوبات. وأيضاً ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص: «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْـتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. فالحديث عَدَّدَ الأوضاع التي لدى المرأة بالنسبة للطفل، مما يدل على أهمية أمومتها، وقد حكم لها بكفالته. فهذان الدليلان يدلان على أن الأصل في المرأة أنها أم. علاوة عما جاء من أحكام تتعلق بالحمل وأحكام تتعلق بالولادة وأحكام تتعلق بالرضاع.
وأما الدليل الثاني فما روي عن أنس أن رجلاً سافر ومنع زوجته من الخروج، فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادة أبيها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِي اللَّهَ وَلاَ تُخَالِفِي زَوْجَكِ» ذكره ابن قدامة في المغني. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ» متفق عليه وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَمِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لاَ تَصُومَ تَطَوُّعاً إِلاَّ بِإِذْنِهِ» أخرجه الطبراني. فالشرع قد جعل للمرأة أن تعود أباها إذا مرض، وجعل لها أن تصوم تطوعاً لله، ولكنه جعل ذلك دون حق الزوج مما يدل على أن الأصل فيها أنها ربة بيت.
وأيضاً ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم «قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت. وعلى علي ما كان خارج البيت» أخرجه ابن أبي شيبة عن ضمرة بن حبيب، ومع أن في سند الحديث أبا بكر بن مريم الغساني، إلا أن معناه يفهم من الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند بإسناد حسن عن علي رضي الله عنه ، وقد جاء فيه «… فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى اشْتَكَيْتُ صَدْرِي وَقَالَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَايَ وَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِسَبْيٍ وَسَعَةٍ فَأَخْدِمْنَا… ثُمَّ قَالَ أَلا أُخْبِرُكُمَا بِخَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَانِي قَالَا بَلَى فَقَالَ كَلِمَاتٌ عَلَّمَنِيهِنَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ تُسَبِّحَانِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَتَحْمَدَانِ عَشْرًا وَتُكَبِّرَانِ عَشْرًا وَإِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ فَقَالَ قَاتَلَكُمْ اللَّهُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ نَعَمْ وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ» ( سنوت الأرض أي سقيتها، والدلو إذا جررتها من البئر. مجلت يده أي صلبت وغلظت من شدة العمل وتنفطت أي أصبح بين الجلد واللحم ماء).
فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لم ينكر على علي عمله في السقي خارج البيت، ولا على فاطمة في الطحن داخل البيت بل دلهما على كلمات تهون عليهما خشونة العيش وتكون لهما في الآخرة خيرا وأبقى.
وكذلك فإن في الحديث ما يدل على وجوب خدمة المرأة في بيتها وعمل الرجل خارج البيت، لأن طلب الخادم دليل ثقل العمل عليها في البيت، وعليه خارج البيت، ولو كانت هذه الأمور غير واجبة عليهما لما كان لثقل الخدمة دلالة، فلا ثقل ولا مشقة إذن، لولا الوجوب.
هذا من حيث ما يفهم من حديث أحمد تأييدا لحديث ابن أبي شيبة.
وكذلك فقد أخذ أبو حنيفة بالحديث، وعمل به عدد من الفقهاء، ومنهم أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَـيْـبَةَ الذي أخرج الحديث، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ الذي روى الحديث أيضا من طرق عدة كما ذكر ذلك صاحب المغني، مع انه هو لم يأخذ به.
وكذلك أخذ بالحديث ابن حبيب المالكي في الواضحة وعمل به. قال ابن حجر في فتح الباري (وَحَكَى اِبْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْـبَغَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ خِدْمَة الْبَيْتِ تَلْزَمُ الْمَرْأَةَ وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذَاتَ قَدْرٍ وَشَرَفٍ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِراً، قَالَ: وَلِذَلِكَ أَلْزَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ بِالْخِدْمَةِ الْبَاطِنَةِ وَعَلِيًّا بِالْخِدْمَةِ الظَّاهِرَةِ).
وعليه فإننا نأخذ بحديث ابن أبي شيبة المذكور «قَضَى عَلَى ابْـنَتِهِ فَاطِمَةَ بِخِدْمَةِ البَـيْتِ. وَعَلَى عَلِيٍّ مَا كَانَ خَارِجَ البَـيْتِ».
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه بخدمته. أخرج مسلم من طريق عائشة أم المؤمنين رضي لله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ، ثُمَّ قَالَ اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ» وأخرج أحمد بإسناد صحيح عن يعيش بن طَخْفَة بن قيس الغِفَاري قال كان أبي من أصحاب الصفة .. إلى أن قال «فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ إِلَى بَيْتِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَطْعِمِينَا … ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، اسْـقِينَا». فلو تعارضت خدمة الزوج مع عمل من الأعمال التي جعل الشرع لها القيام به مباحاً كالبيع، أو مندوباً كصلاة التطوع، فإن خدمته أرجح من ذلك، فعليها أن تترك المباح والمندوب وتقوم بخدمته. فهذان الدليلان يدلان على أن الأصل في المرأة أنها ربة بيت.
وأما الدليل الثالث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إِلَى المِفْصَلِ» أخرجه أبو داود مرسَلاً عن قتادة وقد أدرك قتادة الصحابيَّ أنساً رضي الله عنه، فيُعمل بمرسَله. فهذا التحديد للباس المرأة، ولعورتها دليل على كونها عرضاً يجب أن يصان. وأيضاً فإن الله تعالى يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا)) [النور 27]، فنهى الله عن دخول البيوت إلا بإذن أهلها، واعتبر عدم الإذن استيحاشاً والإذن استئناساً فقال: ((حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا)) وهي كناية عن طلب الإذن، والإذن هنا المقصود به عدم الدخول على البيت والمرأة في حالة تبذل، ولهذا ورد أن الإذن واجب حتى على الأم، جاء في الحديث: «حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْـتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي خَادِمُهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَاسْـتَأْذِنْ عَلَيْهَا» أخرجه مالك في الموطأ وأبو داود في المراسيل عن عطاء بن يسار وقال ابن عبد البر في التمهيد مرسل صحيح، وفي الاستذكار قال هو من صحاح المراسيل. وقال تعالى:((وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ)) [النور 31] فالله تعالى حدد ما يجوز أن يظهر من المرأة في حياتها الخاصة، مما هو فوق الوجه والكفين بأنه إنما يظهر للمحارم، ولمن لا توجد لديه شهوة. فهذا التحديد يدل دلالة واضحة على أنها عرض يجب أن يصان، فأحاطها بهذه الأحكام. فكما حدد العورة حدد الأشخاص الذين يصح أن يروا أكثر من العورة تحديداً دقيقاً، مما يدل على الصيانة للمرأة. وأيضاً فقد روي عن ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» متفق عليه واللفظ للبخاري، ولفظ مسلم «إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ». وأيضاً فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لاَ يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» أخرجه مسلم وفي حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «… وَلاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْـتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» أخرجه مسلم من طريق ابن عباس. فالرسول صلى الله عليه وسلم أخرجه من الجيش الذي سينفر للقتال ليصون امرأته. وأيضاً قال الله تعالى: ((وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ)) [النور 60] وليس معـنـاه غير متزينات فالزينة مباحة للمرأة مطلقاً، وإنما غير مبديات زينتهن بشكل من شأنه أن يلفت نظر الرجال إليهن، فالنهي عن التبرج بالزينة وليس عن الزينة. فهذه الأدلة كلها تدل دلالة قطـعـية على أن المرأة عرض يجب أن يصان. وبذلك كله تبين دليل هذه المادة.