المادة -115-
المادة 115: يجوز للمرأة أن تُعَيَّنَ في وظائف الدولة، وفي مناصب القضاء ما عدا قضاء المظالم، وأن تنتخب أعضاء مجلس الأمة وأن تكون عضواً فيه، وأن تشترك في انتخاب الخليفة ومبايعته.
دليلها هو دليل الإجارة لأن الموظف أجير والقاضي أجير. ودليل الإجارة جاء عاماً وجاء مطلقاً: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَـبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» أخرجه ابن ماجه من طريق عبد الله بن عمر، فلفظ الأجير هنا لفظ عام يشمل المرأة والرجل. وكذلك فقد أخرج البخاري من طريق أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ما يرويه عن ربه: «ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» إلى أن قال: «وَرَجُلٌ اسْـتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْـتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ»، ولفظ (أجيراً) هنا مطلق يشمل الرجل والمرأة. وتعريف الإجارة هو أنها (عقد على المنفعة بعوض)، والعمل في دوائر الحكومة، والعمل في القضاء، هو منفعة يجري عليها العقد بين الدولة والموظف مقابل عوض هو راتبه، وقد ولى عمر بن الخطاب الشفاء امرأة من قومه قضاء الحسبة في المدينة، غير أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى قضاء المظالم، ولا قاضي القضاة المسئول عن قضاء المظالم لأنه من الحكم.
وأما مجلس الأمة فهو للشورى والمحاسبة، والشورى ثابتة بالدليل العام: ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)) [آل عمران 159]، ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)) [الشورى 38] والرسول صلى الله عليه وسلم حين امتنع المسلمون عن الحلق والتقصير دخل على أم سلمة وقال لها: «لَقَدْ هَلَكَ الْمُسْلِمُونَ» رواه البخاري من طريق المسور بن مخرمة وقص عليها ما حدث، فقالت له: احلق فإنهم لا يخالفونك، ففعل، فقاموا فحلقوا وقصروا، ثم قالت له عجل بالسفر بهم، ففعل. فهو قد أخذ رأي امرأة مما يدل على أنه يؤخذ رأيها في كل شيء في السياسة وغيرها. وعضو مجلس الشورى إنما هو وكيل بالرأي، والوكالة جائزة للمرأة كما هي جائزة للرجل، لعموم دليلها. وكذلك المحاسبة فنصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عامة تشمل الرجل والمرأة، روى مسلم عن أم سلمة ك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ، قَالُوا: أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لا مَا صَلَّوْا». والصلاة هنا كناية عن الحكم بالإسلام والحديث عام للرجل والمرأة. وكما حاسب الرجالُ الحاكمَ كذلك حاسبت النساءُ.
أما عن محاسبة الرجالِ الحاكمَ، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: «لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ أَبـُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ: وَاللهِ، لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ، لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْـتُهُمْ عَلَى مَـنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَوَاللهِ، مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ». وأما عن محاسبة النساءِ الحاكمَ فقد أنكرت امرأة على عمر رضي الله عنه نهيه عن أن يزيد الناس في المهور على أربعمائة درهم، فقالت له: ليس هذا لك يا عمر: أما سمعت قول الله سبحانه: ((وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً)) [النساء 20] فقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر، ذكره القرطبي في تفسيره، والآمدي في إحكامه والغزالي في مستصفاه.
وأمـا انتخـابها للخـليفة وبيعتها له فإن حـديـث أم عطية صريح في بيعة النساء، أخـرج البخاري من طريق أم عطية قالت: «بَايَعْـنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ عَلَيْنَا أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَـيْئًا وَنَهَانَا عَنِ النِّـيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا ...». وكذلك ما ورد في الآية الكريمة: ((إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ)) [الممتحنة 12] فهي صـريحـة في بيعة النساء، ولهذا جـاز لها أن تـنـتـخـب الخليفة وأن تبايعه.