المادة -131-
المادة 131 – الملكية الفردية في الأموال المنقولة وغير المنقولة مقيدة بالأسباب الشرعية الخمسة وهي:
أ – العمل.
ب – الإرث.
ج – الحاجة إلى المال لأجل الحياة.
د – إعطاء الدولة من أموالها للرعية.
هـ – الأمـوال الـتي يـأخـذهـا الأفـراد دون مقابل مال أو جهد.
وإذن لا بد من أسباب يأذن الشارع بها ليحصل الملك. فإذا وُجد السبب الشرعي وُجد الملك للمال، وإذا لم يوجد السبب الشرعي لا يوجد ملك للمال. ولو حازه فعلاً؛ لأنّ الملكية هي حيازة المال بسبب شرعي أَذِنَ به الشارع. وقد حدد الشرع أسباب التملك بأحوال معينة، بيّنها في عدد معين، ولم يطلقها، وجعلها خطوطاً عريضة واضحة تندرجُ تحتها أجزاء متعددة، هي فروع منها، ومسـائل من أحكامها. ولم يعللها بعلل كلية معينة، فلا تقاس عليها كـليّات أخـرى. وذلك لأنّ المتجدَّد من الحاجات إنما هو في الأموال الحادثة، وليس في المعاملات، أي ليس في نظام العلاقة، وإنما هو في موضوعها، فكان لا بد من حصر المعاملات في أحوال معينة، تنطبق على الحاجات المتجدّدة والمتعدّدة، وعلى المال من حيث هو مال، وعلى الجـهد من حيث هو جهد. وفي هذا تحديد للملكية الفردية على الوجه الذي يتفق مع الفطرة، وينظم هذه الملكية حتى يُحمى المجتمع من الأخطار المترتبة على إطلاقها.
إن هذه المادة تبين الأسباب الشرعية للملكية، أي الحالات التي أذن الشارع فيها بالانتفاع بالعين. ولا بد أن يعلم أن هذه أسباب الملكية بالفعل وليست أسباب تنمية الملك. فالشارع بين أسباب الملكية، أي أسباب حيازة أصل المال، يعني السبب الذي تم به إنشاء ملكية المال للشخص بعد أن لم يكن مملوكاً، وبين أسباب تنمية الملك، أي أسباب زيادة المال الذي يملكه. وقد جاء الشرع لكل من الملك، ومن تنمية الملك، بأحكام تتعلق به. فالعقود من بيع وإجارة من الأحكام المتعلقة بتنمية المال، أي بتنمية الملك. والعمل من صيد ومضاربة من الأحكام المتعلقة بالملك، أي بحيازة أصل المال. وهذه المادة تبين أسباب الملكية، لا أسباب تنمية الملكية.
ودليل هذه المادة هو استقراء الأدلة التي بينت إذن الشارع في الانتفاع بالعين، أي استقراء أدلة الملكية بالفعل، فتبين بالاستقراء أن أسباب الملكية خمسة، وجميع أسباب التملك تدخل تحت واحد من هذه الخمسة. أما الأدلة على هذه الأسباب الخمسة:
فالسبب الأول وهو العمل أدلته هي أدلة الأحوال التي يحوز فيها الفرد المال بالعمل، أي تنشأ ملكية المال من حيث هو بالعمل، وهذه الحالات سبعٌ وهي:
أولاً: إحياء الموات ودليله قوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ»، أخرجه أحمد والترمذي بسند صحيح، وكذلك أخرجه البخاري عن عمر تعليقاً، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ» أخرجه البخاري من طريق عائشة رضي الله عنها. وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ» أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد صححه ابن الجارود والزين. والأرض الميتة هي الأرض التي لم يظهر عليها أنه جرى عليها ملك أحد، فلم يظهر فيها تأثير شيء من إحاطة، أو زرع، أو عمارة، أو نحو ذلك. وإحياؤها يكون بأي شيء يدل على العمارة، من زراعة، وتشجير، وبناء، وغير ذلك. ومثل الإحياء أن يضع ما يدل على أنه وضع يده عليها، مثل سياج، أو حائط، أو أوتاد، أو غير ذلك.
وهكذا فإن كل فرد من أفراد الرعية يحيي أرضاً مواتاً فإنه يملكها وفق الأحكام الشرعية، سواء أكان المحيي مسلماً أم كان من أهل الذمة؛ لأن النصوص أعلاه عامة تشمل جميع أفراد الرعية.
وثانياً: الصيد ودليله قوله تعالى: ((وإذا حللتم فاصطادوا)) [المائدة 2] وقوله تعالى: ((أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ)) [المائدة 96]، ويكون الصيد مملوكاً لمن يصطاده وفق الأحكام الشرعية في ذلك.
وثالثاً: السمسرة والدلالة، ودليله ما روى قيس بن أبي غرزة الكناني قال: كنا نبتاع الأوساق بالمدينة وكنا نسمي أنفسنا السماسرة، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن مما كنا نسمي أنفسنا به فقال صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلْفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» أخرجه أحمد بإسناد صحيح.
ورابعاً: المضاربة (القراض) ودليلها ما روي أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه كَانَ إِذَا دَفَعَ مَالاً مُضَارَبَةً شَرَطَ عَلَى المُضَارِبِ أَنْ لاَ يَسْلُكَ بِهِ بَحْراً وَأَنْ لاَ يَنْزِلَ وَادِياً، وَلاَ يَشْتَرِي بِهِ ذَاتَ كَبِدٍ رَطْبِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ، «فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَحْسَنَهُ» ومع أن الحافظ قال عنه (رواه البيهقي بسند ضعَّفه) إلا أن المضاربة (القراض) ثابتة بإجماع الصحابة: قال ابن حزم في مراتب الإجماع عن القراض بعد أن ذكر أنه لم يجد دليلاً من السنة عليه قال (ولكنه إجماع صحيح مجرد. والذي نقطع به أنه كان في عصره صلى الله عليه وسلم فعلم به وأقره، ولولا ذلك لما جاز) كما نقله عن ابن حزم الحافظُ في تلخيص الحبير.
ومن أدلة إجماع الصحابة كذلك:
روى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة، فرحب بهما وسهّل ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت. ثم قال: بلى ها هنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون الربح لكما. فقالا: وددنا ذلك. ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال. فلما قدما باعا فأربحا. فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا. فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما. أديا المال وربحه. فأما عبد الله فسكت. وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو نقص هذا المال أو هلك لضمنّاه. فقال عمر: أدّياه. فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله. فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً. فقال عمر: قد جعلته قراضاً. فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال. (الموطأ) قال الحافظ إسناده صحيح، فهو هنا على ملأ من الصحابة.
وكذلك عمل بالقراض (المضاربة):
روى مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أن عثمان بن عفان أعطاه مالاً قراضاً يعمل فيه على أن الربح بينهما.
روى البيهقي في السنن الكبرى وقال الحافظ بسند قوي عن حكيم بن حزام أنه كان يدفع المال مقارضة إلى الرجل ويشترط عليه أن لا يمر به بطن واد، ولا يبتاع به حيواناً، ولا يحمله في بحر، فإن فعل شيئاً من ذلك فقد ضمن المال. قال: فإذا تعدى أمْره ضمنه من فعل ذلك.
وخامساً: المساقاة ودليلها ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «عَامَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» متفق عليه.
وسادساً: العمل للآخرين بأجر، ودليلها قوله تعالى: ((فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)) [الطلاق 6] وما روي عن عائشة أنها قالت: «اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيَلِ هَادِياً خِرِّيتاً وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ وَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ» أخرجه البخاري.
وسابعاً: الركاز ودليله قوله عليه الصلاة والسلام: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» متفق عليه من حديث أبي هريرة.
فهذه الأدلة للحالات السبع هي أدلة السبب الأول للتملك وهو العمل.
أما الســبب الثــاني فهو الإرث، ودليله قولــه تعــالى: ((يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)) [النساء 11] وسائر نصوص الإرث من آيات وأحاديث.
والسبب الثالث: هو الحاجة للمال لأجل الحياة ودليله دليل النفقة من كونها واجبة له إذا كان عاجزاً عن الكسب فعلاً، كمن كان صغيراً، أو لا يستطيع العمل، أو حكماً كمن لا يجد عملاً وهو قادر على العمل. والشرع فرض النفقة للأقارب الورثة قال تعالى: ((وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ)) [البقرة 233] بعد قوله: ((وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) ، وكل هذا يدل على أنه يملك هذا المال الذي يأخذه نفقة أي يأخذه لأجل الحياة.
والسبب الرابع: إعطاء الدولة من أموالها للرعية كإقطاع الأراضي، وكإعطائها مالاً لسداد الديون، أو لإعانة الزرّاع. ودليل الإقطاع ما روي عن بلال المزني: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَهُ العَقِيقَ أَجْمَعَ» أخرجه أبو عبيد في الأموال، وما روي عن عمرو بن شعيب قال: «أَقْطَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَاساً مِنْ مُزْيَنَةِ أَوْ جُهَيْنَةِ أَرْضاً» أخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج، وأما إعطاؤهم مالاً لسداد الديون، فالله جعل من أسهم الزكاة المدينين قال: ((وَالْغَارِمِينَ)) [التوبة 60]، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «فَمَنْ تَرَكَ دَيْناً فَعَلَيَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ» متفق عليه من حديث أبي هريرة، ومعنى قول الرسول «فَعَلَيَّ» أي على الدولة، أي على بيت المال. وأما إعطاء الفلاحين مالاً للزراعة فقد أعطى عمر بن الخطاب من بيت المال للفلاحين في العراق أموالاً أعانهم بها على زراعة أرضهم وسد بها حاجتهم دون أن يستردها منهم، ولم ينكر عليه منكر مع أنه مما ينكر فكان إجماعاً.
فهذه الأحوال الثلاثة: الإقطاع، وأخذ المال لسداد الدين، وأخذ المال إعانة للزراعة، من أسباب الملك. وكل ما كان من المباحات، وللإمام أن يصرف المال له برأيه واجتهاده، فإن من يصرف له المال يملكه بهذا الإعطاء.
أما السبب الخامس: هو الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد، فيشمل خمسة أحوال:
أحدها: صلة الأفراد بعضهم بعضاً، كالهدية، والهبة، والوصية. فقد روي عن أبي حميد الساعدي قال: «غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ تَبُوكَ… وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا» أخرجه البخاري، فهو دليل على جواز الهدية. وقال عليه الصلاة والسلام: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» أخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق أبي هريرة، وكذلك أخرجه البيهقي من طريقه، مما يدل على إباحة الهدية، وقال صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَرْجِعْ أَحَدُكُمْ فِي هِبَتِهِ إِلاَّ الْوَالِدَ مِنْ وَلَدِهِ» أخرجه ابن ماجه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وقال عليه الصلاة والسلام: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» متفق عليه من طريق ابن عباس مما يدل على إباحة الهبة. وقال عليه الصلاة والسلام لسعد بن مالك: «أَوْصِ بِالثُّلُثِ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» متفق عليه من طريق سعد. فهو دليل على إباحة الوصية.
وثاني الأحوال: استحقاق المال عوضاً عن ضرر، كدية القتيل، وديات الجراح، قال تعالى: ((وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ)) [النساء 92] وقال عليه الصلاة والسلام: «فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ» أخرجه البيهقي وصححه ابن حبان والحاكم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فِي دِيَةِ الأَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ عَشْرٌ مِنْ الإِبِلِ لِكُلِّ أُصْبُعٍ» أخرجه الترمذي من طريق ابن عباس، وقال: حديث حسن صحيح. وأخرج نحوه البيهقي في كتاب أبي بكر بن محمد. فهذه الدية للقتيل يملكها أهله ودية العضو يملكها صاحبه.
وثالث الأحوال: استحقاق المهر وتوابعه قال تعالى: ((وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)) [النساء 4] فتملك صداقها بمجرد العقد.
ورابع الأحوال: اللقطة فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: «مَا كَانَ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمِيتَاءِ أَوْ الْقَرْيَةِ الْجَامِعَةِ فَعَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَهِيَ لَكَ» أخرجه أبو داود من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص، والميتاء: الطريق المسلوكة. وعن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلْيَحْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَلاَ يَكْتُمْ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَإِنَّهُ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» أخرجه أحمد بإسناد صحيح، فاللقطة يملكها من التقطها بشروطها.
وخامسها: تعويض الخليفة، والمعاونين، والولاة، وسائر الحكام. فقد أخرج ابن هشام في السيرة، قال: بلغني عن زيد بن أسلم أنه قال: «لَمَّا اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِتَابَ بْنَ أُسَيْدٍ عَلَى مَكَّةَ رَزَقَهُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَماً، فَقَامَ عِتَابٌ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَجَاعَ اللهُ كَبِدَ مَنْ جَاعَ عَلَى دِرْهَمٍ، فَقَدْ رَزَقَنِي اللهُ دِرْهَماً كُلَّ يَوْمٍ، فَلَيْسَتْ بِيَ حَاجَةٌ إِلَى أَحَدٍ». وروى ابن سعد في الطبقات بإسناد مرسل رجاله ثقات، قال: «لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ أَصْبَحَ غَادِياً إِلَى السُّوقِ، عَلَى رَأْسِهِ أَثْوابٌ يَتَّجِرُ بِهَا، فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فَقَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي؟ قَالُوا: نَفْرِضُ لَكَ، فَفَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ شَطْرَ شَاةٍ» أخرجه ابن حجر في فتح الباري، وأخرج نحوه الزيلعي في نصب الراية. فكان ذلك إجماعاً من الصحابة على تعويض الخليفة. فهذا التعويض للخليفة، والولاة، والعمال، يملكونه. فهو من أسباب الملك وليس هو أجرة فلا يدخل في باب إجارة الأجير.
فهذه الأحوال الخمسة هي التي يشملها السبب الخامس من أسباب الملك. وهذه الأدلة على أسباب الملك الخمسة هي أدلة قد ثبت بالاستقراء أنه لا توجد أسبابٌ للملك غيرَها، وهي الإذن الشرعي بالتملك. وما عدا هذه الأسباب الخمسة فهي أسباب لتنمية الملك، كالتجارة، والصناعة، والزراعة، وليست أسباباً للتملك. وبهذا تظهر أدلة هذه المادة.