النظام الدولي القادم… دولة الخلافة الإسلامية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «..ثم تكون خلافةً على منهاج النبوة». النظام الدولي يتم تشكيله وصياغته من دولة عظمى تحمل مبدًأ يتكون من عقيدة ونظام، لأنها تكون قويةً وقادرةً على تنفيذ ونشر المبدأ الذي تعتنقه للدول الأخرى وشعوبها، وعليه فنظرة تاريخية غير بعيدة، تري الناظر والمفكر والسياسي وكل من له شأن، كيف كانت دولة الخلافة الإسلامية على مدى ثلاثة عشر قرنًا من الزمن ولغاية عام 1924م من القرن المنصرم الدولة الأولى عالميًا وبلا منازع بل حتى بلا شريك، وحال تآمرت الدول الأخرى عليها وبعض من أبناء جلدتنا، تم تقسيمها إلى دويلات سايكس وبيكو، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ظهرت أمريكا والاتحاد السوفياتي، وأخذ ينتظم النظام الدولي ضمن اتفاقات سياسية منها السري والعلني، وانقسم العالم إلى معسكرين: معسكر شرقي موالٍ للاتحاد السوفياتي الذي يحمل المبدأ الاشتراكي، ومعسكر غربي بقيادة أمريكا التي تحمل المبدأ الرأسمالي.
ومعلوم أنه في أواخر ثمانينات القرن الماضي تم انهيار الاتحاد السوفياتي، وتفككت دول المعسكر الشرقي، وبقيت روسيا أقوى دولة تتأرجح بين قوة وضعف حتى أقصتها أمريكا من المسرح الدولي العالمي، ووصل الأمر قبل عام تقريبًا بفرض عقوبات اقتصادية عليها في القضية الأوكرانية، وانفردت أمريكا بالنظام الدولي منذ أواخر تسعينات القرن الماضي، وأخذت تسوس العالم بنظامها الرأسمالي، ونشر الديمقراطية بأدواتها من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهيئة الأمم المتحدة، وقد كان من نتاج تلك القيادة أن حدثت الأمور الآتية:
• خاض العالم حربين عالميتين قتل على أثرهما ما يزيد على ستين مليون من البشر.
• وضعت قوانين جعلت من الدولار الأمريكي غطاءً ومرجعيةً لكل عملات العالم.
• أوجدت منظمة التجارة العالمية وفكرة تحرر السوق، حيث أكل القوي الضعيف، وتقلصت الطبقة الوسطى.
• أشعلت العديد من الحروب، وقتل الملايين من البشر، وهجر غيرهم، ودمرت أكثر من بلد (أفغانستان والعراق).
• تحكم أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى بمصير دول وشعوب (شركات النفط الأمريكية والإنجليزية).
• الدعوة للفجور والمجون والسفور وانتشار المخدرات تحت دعوى الحرية الشخصية وتحرر المرأة.
• ازدياد القتل والجريمة والتمييز العنصري وهجرة العقول وإشاعة الحروب الإقليمية والطائفية والتفجيرات.
• ازدياد الجوع والتشرد والفقر والأمراض المستعصية وغيرها.
• ازدياد الأسعار العالمية، واستعباد الناس بالقليل من الأجور وهضم الحقوق.
• وغير ذلك كثير من الأمور التي يطول تعدادها وبحثها.
وعليه فإن العالم بعد هذا الاستعراض لما سبق، حدث به العديد من التحركات التي تنذر بثورات عالمية وتنذر بسقوط وتنحي الدولة الأولى (أمريكا) عن عرشها وخصوصًا بعد دخولها بالأزمة المالية العالمية، وعدم القدرة على الخروج منها، وحصول تحركات عديدة كان أقواها وأشهرها ما سمي بالربيع العربي، وقلب أنظمة حكم جثمت فوق الصدور عقودًا من الزمن تتحكم بالشعوب، وقد كانت صنيعةً للغرب وأمريكا، وقد تلاها مظاهرات وول ستريت في عقر أمريكا نفسها، وقتل فيها العديد وتم التعتيم عليها، ومن ثَم مظاهرات إسبانيا واليونان ونيوزلندا..، وأخيرًا تحركات الفرنسيين ضد التقشف، ولم يستطع العالم إيجاد حل لأموره الاقتصادية التي تنذر بالهاوية جميع الناس غنيهم قبل فقيرهم، وكذلك لم تستطع أمريكا ومعها أوروبا من إيجاد حل لكثير من قضايا العالم مثل قضايا دول الربيع العربي، وأوكرانيا وأفريقيا وقضايا الأقليات العالمية، وقضية ثورة الشام التي امتدت للعام الخامس على التوالي، ومثلها ليبيا واليمن انزلقت للمحظور، فكل ذلك يدل على التخبط والفشل العالمي للدولة الأولى التي تتحكم بمصير الشعوب والعالم.
ومما يعلمه المتابع للسياسة الدولية وتاريخ الدول والشعوب، وكما يقول ابن خلدون: “إن أعمار الدول كأعمار الأفراد، فإنها تشيخ وتهرم..”.
وحيث إن المبدأين اللذين سادا العالم وهما: “الاشتراكية والرأسمالية” قد ثبت فشلهما عقائديًا وتشريعيًا، وهما مبدآن من وضع البشر، فإن المبدأ العالمي الثالث وهو الإسلام عقيدة ونظام حياة، منذ قرابة القرن لا تمثله أية دولة في العالم كله، وقد هدمت دولته عام 1924م كما أسلفنا، وهو يشبه هذه الأيام بـ “مارد الخلافة” الذي يتململ ليخرج من القمقم، وقد امتاز عن غيره من المبادئ بالمميزات الآتية:
• مبدأ عقيدته ربانية، ونظامه رباني من جنسه.
• مبدأ أثبت وجوده قرابة الثلاثة عشر قرنًا، ولم يستعبد البشرية، ولم ينهب ثرواتها.
• مبدأ عالمي، يعالج جميع المشاكل لكل بني البشر بإنصاف سماوي، وعدل ورحمة.
• مبدأ الرحمة للعالمين، يقول تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. [الأنبياء: 107]
• مبدأ إنساني يهدي للتي هي أقوم، يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾. [الإسراء: 9]
• مبدأ لا يُكره الناس على اتباع دين معين يقول تعالى: ﴿لا إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِالله فَقَدِ استمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. [البقرة: 256]
• مبدأ حاكمه إنسان، ومحاسبة الحاكم فرض فرضه على الإنسان ربُّ الإنسان.
• مبدأ دولته دولة بشرية، لا دولة إلهية أو كنسية، وقوانينه إلهية لا قوانين إنسانية علمانية.
• مبدأ دولته خلافة على منهاج النبوة.
إن النظام الدولي القادم يتشكل بشكل طبيعي، وذلك بتقدم طبيعي ممن يحملون فكرة هذا المبدأ الإسلامي العالمي رحمةً للعالمين، فيحملونه بطريقة فكرية لا بطريقة القتل والتفجير والتدمير، ولا بطريقة أمريكا التي تستعمر وتستعبد الشعوب، وتمتص خيراتهم وثرواتهم لصالح أسياد المبدأ الرأسمالي أي أصحاب رؤوس الأموال وخدمهم من السياسيين الذين يتحكمون بمصير شعوب العالم، وكما يحلو لهم ولأهوائهم ورغباتهم وشهواتهم، نعم إنه فكر يسري بجسد الأمة الإسلامية من أدناها إلى أقصاها، حتى إذا جاء أوانها واستأهلت أمة الإسلام دولة الخلافة على منهاج النبوة جاءها نصر من الله تعالى وفتح مبين، وانهزم الأحزاب وأحلافهم وعملاؤهم.
وهذه ليست أحلامًا وتخرصاتٍ وأمانيَّ، بل نتاج عمل سياسي وفكري دؤوب وصبور وتضحيات جسام، ونتاج دراسات وأبحاث مراكز استراتيجية، فانظروا لمجلة الوعي – حيث نشرت موضوعًا تحت عنوان: “حتمية المصالحة مع دولة الخلافة الخامسة رسالة جون شيا إلى الرئيس أوباما”. ويمكنكم متابعته من خلال هذا الرابط: “…www.al-waie.org/issues/279/article.php?id=888_0_69_0_C“.
بسم الله الرحمن الرحيم مرة أخرى يعود مشروع «الخلافة» للتداول على المسرح الدولي بالرغم من وجود… الكاتب جون شيا للرئيس الأمريكي: “إن عليك أن تضع استراتيجيةً للتعامل مع الدولة التي ستقوم لكيفية التعامل معها….”. وحذر “محمد الإبياري” مستشار الرئيس الأمريكي للأمن الداخلي، من مواجهة قيام الخلافة الإسلامية، مؤكدًا أن الخيار الوحيد للولايات المتحدة هو احتواؤها لجعلها مثل الاتحاد الأوروبي، كتنظيم منظم على حد قوله.
وقال “الإبياري” في تغريدة له على موقع التواصل (الاجتماعي) “تويتر”، أثارت الجدل في أمريكا: “كما قلت من قبل: إن عودة الخلافة أمر حتمي… والخيار الوحيد لنا أن ندعم رؤيةً تجعلها مثل الاتحاد الأوروبي”، ومن يريد الاستزادة فليراجع دراسات المراكز الاستراتيجية، وأقوال المفكرين والسياسيين في العالم العربي والغربي.
وقبل النهاية ندعو المسلمين والمفكرين في العالم أجمع للعمل على تخليص شعوب العالم من جيفة النظام الدولي الحالي، والذي أزكمت رائحته الأنوف، وقتل الملايين من البشر، واستعبد البشرية لصالح قلة قليلة من أصحاب رؤوس الأموال من تجار السلاح والبترول ومافيا الدواء وأمثالهم…، وأن يستعدوا ليكون لهم دور في إنقاذ البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور، ومن جور النظام الرأسمالي إلى رحمة الإسلام، ومن الفقر والجوع إلى بحبوحة إطعام الجائع وابن السبيل، إلى ذلك ندعو المسلمين وكل البشر لاستقبال النظام الدولي الجديد القادم، ألا وهو نظام دولة الخلافة على منهاج النبوة. قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ وليد نايل حجازات
عضو لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير – ولاية الأردن