المادة -187-
المادة 187 – القضية السياسية للأمة هي الإسلام في قوة شخصية دولته، وإحسان تطبيق أحكامه، والدأب على حمل دعوته إلى العالم.
معنى كلمة القضية السياسية هو الأمر الذي يواجه الدولة والأمة ويحتم عليها القيام بما يتطلبه من رعاية شؤون. وقد يكون هذا الأمر عاماً فيكون هو القضية السياسية، وقد يكون خاصاً فيكون كذلك قضية سياسية وقد يكون جزءاً من أمر فيكون حينئذ مسألة من مسائل القضية. فمثلاً الأمر الذي يواجه الأمة الإسلامية ويحتم عليها القيام بما يتطلبه من رعاية شؤون هو إعادة الخلافة إلى الوجود، فيكون هذا هو القضية السياسية، وما عداه من قضايا كقضية فلسطين وقضية بلاد القفقاس، هي مسائل في هذه القضية، وإن كانت من الأمور التي تواجه الأمة الإسلامية وتحتاج إلى رعاية شؤون، ولكنها جزء من إعادة الخلافة. وحين تقوم الدولة الإسلامية فإن قضيتها السياسية هي تطبيق الإسلام في الداخل، وحمل دعوته للخارج، فإذا استقر لها المقام صارت قضيتها السياسية هي ما ذكر في المادة، فإذا أحسنت تطبيق الإسلام وقويت شخصيتها دولياً تصبح القضية السياسية لها هي حمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، حتى يظهر الله الإسلام على الدين كله. فالقضية السياسية هي ما يواجه الدولة والأمة من الأمور الأساسية المهمة التي يوجب الشرع القيام بها. فيجب أن تعمل الدولة للقيام بها حسب ما يتطلبه الشرع بشأنها، وهذا لا يحتاج إلى دليل لأنه من جملة تطبيق أحكام الشرع على الأمور التي تحدث. ولهذا تختلف القضية السياسية باختلاف الأمور التي تحدث. وقد كانت القضية السياسية للرسول صلى الله عليه وسلم وهو في مكة في دور الدعوة هي إظهار الإسلام، ولذلك فإن أبا طالب حين قال للرسول صلى الله عليه وسلم: “إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق” ظن الرسول أنه قد بدا لعمه ما بدا، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه ضعف عن نصرته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا عَمُّ، وَاللهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ أَهْلَكَ دُونَهُ مَا تَرَكْتُهُ» سيرة ابن هشام. فهذا الكلام يدل على أن القضية السياسية للرسول صلى الله عليه وسلم كانت في هذا الوقت إظهار الإسلام. وحين كان في المدينة وأقام الدولة واشتبك في معارك عدة مع العدو الرئيسي رأس الكفر حينئذ قريش ظلت القضية السياسية له صلى الله عليه وسلم هي إظهار الإسلام، ولذلك فإنه صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى الحج قبل أن يصل إلى الحديبية بلغه أن قريشاً سمعت به وخرجت لحربه، فقد قال له رجل من بني كعب: “قد سمعت بمسيرك فخرجوا وقد لبسوا جلود النمور ونزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبداً” فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ! لَقَدْ أَكَلَتْهُمْ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ» إلى أن قال: «فَمَاذَا تَظُنُّ قُرَيْشٌ؟ وَاللَّهِ، إِنِّي لا أَزَالُ أُجَاهِدُهُمْ عَلَى الَّذِي بَعَثَنِي اللَّهُ لَهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ لَهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ» رواه أحمد عن المسور ومروان والسالفة صفحة العنق وكنى بانفرادها عن الموت أي حتى أموت. فالقضية السياسية في الحالتين واحدة، إلا أنه في الحالة الأولى أظهر التصميم على الدعوة للإسلام حتى يظهره الله، وفي هذه الحالة أي وقت قيام الدولة أظهر التصميم على الجهاد حتى يظهره الله. وبعد أن توصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصلح مع قريش، وكان بذلك الفتح الأكبر، لأنه هيأ لفتح مكة، وجعل العرب يأتون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يدخلون في دين الله أفواجاً، حينئذ صارت القضية السياسية للرسول ليس إظهار الإسلام فحسب بل إظهاره على الدين كله في غزوه دول أصحاب الأديان الأخرى، كالروم وفارس. ولذلك نزلت عليه سورة الفتح ونزل فيها قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)) [الفتح 28]. وعليه فإن الدولة الإسلامية إذا أحسنت تطبيق الإسلام، وقويت شخصيتها دولياً، تصبح القضية السياسية لها إظهار الإسلام على الدين كله، وذلك بجهاد دول أصحاب الأديان والمبادئ الأخرى لنشر الإسلام فيها.
ومن هنا أخذت هذه المادة.