الأسس الشرعية لنظام الخلافة الإسلامية بمناسبة مرور ثلاثة أرباع قرن على هدم الخلافة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
الأسس الشرعية لنظام الخلافة الإسلامية بمناسبة مرور ثلاثة أرباع قرن على هدم الخلافة الإسلامية
في 27 رجب 1342هـ ـ 3 آذار 1924م
منذ أن هدمت الخلافة الإسلامية سنة (1342هـ ـ 1924 م) أصبح المسلمون أضيع من الأيتام على مأدبة الطعام.
في صبيحة 3 آذار 1924 قام مصطفى كمال، اليهودي الأصل، الماسوني، عميل الانكليز بإلغاء الخلافة الإسلامية.
وكان المفروض في الأمة الإسلامية أن تسحب السلاح في وجه هذا العميل الخائن الذي حوّل دار الإسلام الى دار كفر، وحقق للكفار أغلى أمنية طالما تمنوها. ولكن الأمة الإسلامية كانت مغلوبة على أمرها، وفي وضع مزر من الانحطاط، فمرت الجريمة، وأحكم الكفار الحاقدون قبضتهم على البلاد الإسلامية والشعوب الإسلامية ومزقوها شرّ ممزق. مزقوا الأمة الواحدة الى قزميات وعنصريات وعصبيات، ومزقوا البلاد البلاد الواحدة الى أوطان وأقطار وأقاموا بينها الحدود والسدود. وبدل دولة الخلافة الواحدة أقاموا عشرات الدويلات الكرتونية، وأقاموا عليها حكاما عملاء ينفذون أوامر أسيادهم. وألغوا الشريعة الإسلامية من الحكم والاقتصاد والعلاقات الدولية والمعاملات الداخلية والقضاء، وفصلوا الدين عن الدولة وحصروا الدين الإسلامي في بعض العبادات والأحوال الشخصية على غرار الديانة النصرانية. وعملوا على إلغاء الحضارة واقتلاع الأفكار الإسلامية ليزرعوا بدلا من ذلك أفكار الغرب وحضارة الغرب. وقد نجحوا الى حدّ كبير في تضليل المسلمين وإبعادهم عن حقيقة الإسلام، وفي تزيين مفاهيم الغرب ومقاييسه وأخلاقه.
ولكن حكمة الله بالغة، وإرادته غالبة. وقد شاء سبحانه أن تعود الأمة الإسلامية الى صحوتها، وأن تنهض من كبوتها وأن تدرك أن خلاصها لا يتم إلا بإعادة الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة.
إن أهم أساس من أسس الإسلام بعد العقيدة الاسلامية هو الخلافة الإسلامية. بدون الخلافة الإسلامية تبقى دول الكفر المستعمرة تتحكم في رقابنا، وتنهب خيراتنا، وتوقع بيننا الشقاق.
بدون الخلافة الإسلامية سيبقى اليهود يحتلون مقدساتنا ويواجهوننا بالقتل والإذلال.
بدون الخلافة ستبقى الشعوب الإسلامية في البوسنة والشيشان وفلسطين ولبنان وكشمير وغيرها تقتّل وتشرّد وتهدّم معابدها وتدنّس أعراضها وليس من منقذ.
وبدون الخلافة يبقى المسلمون غير العاملين بجدّ لإقامتها، يبقون في الإثم وفي غضب الله، وإن صاموا وصلوا وحجّوا وزكّوا.
فالعمل لإقامة الخلافة هو الآن فرض عين في أقصى طاقة وأقصى سرعة.
فهيا أيها المسلمون ولبّوا نداء ربكم:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ }.
وجوب الحكم بما أنزل الله
ووجوب الإحتكام الى الشريعة الإسلامية وحدها
السيادة للشرع وليست للناس
قال تعالى:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً (61)} النساء.
وقال:{ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)} النور.
وقال:{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً (65)} النساء.
وقال:{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} المائدة.
وقال:{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} المائدة.
وقال:{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)} المائدة.
وقال:{ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} المائدة.
وقال:{ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} الأنعام.
وقال:{ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)} البقرة.
وقال:{ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3)} الأعراف.
وقال:{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} الحشر.
وقال:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} المائدة 3.
وقال صلى الله عليه وسلم:” من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” [رواه مسلم].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” [البخاري ومسلم].
وقال:” لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن” [البخاري ومسلم].
وعن ابن عباس قال:” كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث تقرأونه محضا لم يشب” [رواه البخاري].
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى مع عمر ابن الخطاب قطعة من التوراة ينظر فيها فغضب وقال:” ألم آت بها بيضاء نقية، ولو أدركني أخي موسى لما وسعه إلا اتباعي” [ أحمد والبزار وابن أبي شيبة].
روى أحمد والترمذي وابن جرير أن عدي بن حاتم الطائي ـ قبل إسلامه ـ دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية:{ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ} التوبة 31. فقال إنهم لم يعبدوهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” بلى إنهم حرّموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم”.
في إتباع الشرع العزة والهداية والفلاح
وفي البعد عنه الذل والضلال والشقاء
قال تعالى:{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} المنافقون 8.
وقال:{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)} طه.
وقال:{ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16)} المائدة.
وقال:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)} الأنفال.
وقال:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96)} الأعراف.
وقال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)} محمد.
وقال:{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} النور.
وقال:{ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً (115)} النساء.
وقال:{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)} آل عمران.
وقال:{ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (30)} الشورى.
وقال:{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)} آل عمران.
وقال:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} النور.
وقال:{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً (12)} نوح.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا: أمرا بيّنا، كتاب الله وسنة نبيه” [سيرة ابن هشام].
وقال:” أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة” [ مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه].
وقال:” حدّ يعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا” [النسائي وابن ماجه].
وقال صلى الله عليه وسلم:” إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تكون العامة تستطيع أن تغيّر على الخاصة، فإذا لم تغيّر العامة على الخاصة، عذّب الله العامة والخاصة” [ رواه أحمد والطبراني في الكبير].
لا يجوز شرعا أن يخلو المسملون في أي وقت من خليفة
ولا يجوز لمسلم أن يخرج من طاعته
قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)} النساء.
وقال:{ وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} النساء 83.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية” [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم:” من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية”. [رواه مسلم].
وقال:” إنما الإمام جنّة يقاتل من ورائه ويتقى به” [رواه مسلم].
وقال:” كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم” [رواه مسلم].
إجماع الصحابة رضوان الله عليهم:
لقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على لزوم إقامة خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر ثم لعمر ثم لعثمان ثم لعلي رضي الله عنهم جميعا.
وقد أجمعوا رضي الله عنهم على الاشتغال بمبايعة الخليفة فور وفاة الخليفة السابق.
وقد أجمعوا رضوان الله عليهم على أن المسلمين لا يحل لهم أن يظلوا أكثر من ثلاث أيام دون خليفة وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما طعن رشّح ستة للخلافة وحدد لهم ثلاثة أيام لمبايعة أحدهم، وأمرهم بقتل المخالف، ووكل خمسين رجلا بتنفيذ ذلك، وكان على مرأى ومسمع من الصحابة الذين لم يعترضوا.
قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به:
والقاعدة الشرعية: ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) تحتم وجود الخليفة، لأن إقامة الدين وتنفيذ أحكام الشرع ولمّ شعث المسلمين حول راية الامام لا تتم دون وجود الخليفة.
إتفاق الأئمة رحمهم الله:
قال صاحب كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) ج 5 ص 416: ( اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أن الإمامة فرض، وأنه لا بد للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين، وعلى أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين وفي وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان ولا مفترقان).
قال الإمام علي كرم الله وجهه: ( وإنه لا بد للناس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن. ويستمتع فيها الكافر. ويبلّغ الله فيها الأجل. ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو. وتأمن به السبل. ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به برّ ويستراح من فاجر) نهج البلاغة ج1/ ص91.
المسلمون أمة واحدة
ويجب أن تكون لهم راية واحدة
تحت راية خليفة واحد
قال الله تعالى:{ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} آل عمران 103.
وقال:{ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} الأنفال.
وقال:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الحجرات 10.
وقال:{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} آل عمران 110.
الأمة الإسلامية في وثيقة المدينة:
“بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم. إنهم أمة واحدة من دون الناس،.. وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا ـ أي المثقل بالدين والكثير العيال ـ بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل. وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه؛ وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظلم ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وإنّ أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم.. وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.. وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسلم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم.. وأنه لا يحلّ لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ـ أي عامل جريمة ـ ولا يؤويه.. وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مردّه الى الله عز وجل، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم” سيرة ابن هشام ج2/ ص 106.
الأخوّة في الإسلام وليس في القومية والوطنية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ههنا ـ ويشير الى صدر ثلاث مرات ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام مه وماله وعرضه” [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم:” مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى” [مسلم وأحمد].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم:” المسلمون تتكأفأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم” [أبو داود وابن ماجه].
وقد وردت في النصوص الشرعية عبارة: (أمة محمد)، وعبارة (أمتي)، وعبارة (أمتك)، وعبارة (أمتكم)، أي أن اتّباع المسلمين لرسولهم صلى الله عليه وسلم هو الذي جعل منهم أمة واحدة.
جماعة المسلمين توجد بوجود إمام للمسلمين:
قال صلى الله عليه وسلم:” من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية. ومن قاتل تحت راية عمّيّة يغضب لعصبة أو يدعو الى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية. ومن خرج على أمتي يضرب برّها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه” [مسلم وأحمد والنسائي].
وقال صلى الله عليه وسلم جوابا لحذيفة بن اليمان حين سأله كيف يصنع في زمن الشر وفرق الشر، قال:” تلزم جماعة المسلمين وامامهم، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال فاعتزل تلك الفرق كلها” [رواه البخاري ومسلم].
وقد وضع النووي رحمه الله عنوانا ملخصا شرح هذه الأحاديث قال:
(وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج عن الطاعة ومفارقة الجماعة).
تحريم وجود أكثر من دولة واحدة للمسلمين:
قال صلى الله عليه وسلم:” من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر” يقول راوي الحديث عبدالله بن عمرو بن العاص: سمعته أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعاه قلبي. [رواه مسلم].
وقال:” إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما” [رواه مسلم].
وقال:” كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم” [رواه مسلم].
الإمارة في الإسلام (وفي الواقع) لا تكون إلا لواحد:
كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم كله على جعل الإمارة في الأمر الواحد لشخص واحد.
وقد أجمع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على أن الإمارة لا تكون إلا لواحد، ومارسوا ذلك عمليا.
وقال صلى الله عليه وسلم:” إذا خرج ثلاثة في سفر فليمّروا عليهم أحدهم” [رواه أحمد].
وقال صلى الله عليه وسلم:” لا يحلّ لثلاثة بفلاة الأرض إلا إذا أمّروا عليهم أحدهم” [رواه أحمد.
ونعيد هنا ما قرره كتاب ( الفقه على المذاهب الأربعة) 5/ 416: ( اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أن الإمامة فرض، وأنه لا بد للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين، وعلى أنه لا يجوز أن يكون المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان ولا مفترقان) وقال النووي في شرح مسلم ج12/232: ( واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أم لا).
السلطان للأمة الإسلامية
فالمسلمون كلهم يتحملون مسؤولية حفظ الإسلام وتطبيقه
لا يصبح أحد خليفة إلا إذا ولاه المسلمون:
قال الله تعالى:{ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38)} الشورى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع” [مسلم].
وقال:” فوا ببيعة الأول فالأول” [رواه مسلم].
وقال:” إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما” [رواه مسلم].
وإجماع الصحابة منعقد على أنه لا يتولى أحد الخلافة إلا إذا ولاه المسلمون ذلك. وقد وصل كل من الخلفاء الراشدين الأربعة بالبيعة. واستخلاف أبي بكر لعمر كان بتفويض من الصحابة لأبي بكر رضوان الله عليهم، ثم بايعه المسلمون.
وقال الإمام عليّ كرّم الله وجهه: ( ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس فما الى ذلك سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثمّ ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار) نهج البلاغة ج2/ ص86.
وقال رضي الله عنه: ( إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد ان يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماما كان ذلك رضى الله، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه الى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولّى) نهج البلاغة ج3/ ص7.
وجاء في كتاب ( الفقه على المذاهب الأربعة) ج5/ ص 417: ( واتفق الأئمة على أن الإمامة تنعقد ببيعة أهل الحلال والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم من غير شرط عدد محدد، ويشترط في المبايعين للإمام صفة الشهود من عدالة وغيرها. وكذلك تنعقد الإمامة باستخلاف الإمام شخصا عيّنه في حياته ليكون خليفة على المسلمين بعده). [ملاحظة: الاستخلاف من أبي بكر لعمر كان بناء على تفويض من الصحابة الذين هم أهل الحل والعقد. واستخلاف عمر للستة كان أيضا بناء على تفويض الصحابة. وبذلك ينحصر الأمر ببيعة أهل الحل والعقد].
الخليفة لا يكون مطلق التصرف بل يبايع على الكتاب والسنة:
قال تعالى:{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)} النور.
وقال:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً (61)} النساء.
وقال:{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً (65)} النساء.
وعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الى اليمن قال:” كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد وإني لا آلو. قال فضرب رسول الله صدري ثم قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله” [أحمد وأبو داود والترمذي].
وحين دعا عبدالرحمن بن عوف عليّا وعثمان للبيعة قال لكل منهما نيابة عن المسلمين: ( أتبايعني على كتاب الله وسنة رسوله كما فعل الشيخين) يعني أبا بكر وعمر.
لا طاعة في المعصية:
قال عليه الصلاة والسلام:” على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة” [رواه مسلم].
وقال:” لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف” [رواه مسلم].
وقال أبو بكر رضي الله عنه حين بويع بالخلافة: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم ).
محاسبة أولي الأمر:
قال تعالى:{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} آل عمران.
وقال:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} التوبة 71.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”. [رواه مسلم].
وقال:” والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنّه فلا يستجاب لكم” [أحمد والترمذي].
وقال:” أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر” [احمد وابن ماجه].
وقال:” سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، ورجل قام الى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله” [رواه الحاكم].
هذا الأمر والنهي للحكام هو محاسبة لهم. وهو فرض من فروض الكفاية. وهو بالقلب واللسان وباليد، شرط أن لا تشتمل المحاسبة باليد على استعمال سلاح.
وقد حاسب سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ونزل عند رأيهما. وحاسبه الحباب بن المنذر يوم بدر ونزل عند رأيه. وحاسبه عمر بن الخطاب وجمع من الصحابة يوم الحديبية ولم ينزل عند رأيهم [سيرة ابن هشام]. وحاسبت امرأة عمر بن الخطاب في مسألة المهور فقال: ( أصبت امرأة وأخطأ عمر) [أنظر تفسير الآية 20 من سورة النساء في القرطبي وابن كثير]. وقال الإمام علي رضي الله عنه: ( فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني) نهج البلاغة ج2/ ص201. وقال عمر رضي الله عنه: ( لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها) يعني كلمة الحق في المحاسبة.
هؤلاء هم خير الناس وسادتهم وكان المسلمون يحاسبونهم، فكيف بغيرهم؟.
الثورة بالسلاح على الحاكم الذي يظهر الكفر البواح:
عن عبادة بن الصامت قال:” دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله. قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان” [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم:” ستكون امراء فتعمرون وتنكرون، فمن عرف بريء، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع. قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا” [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم:” خيار أئمتكم الذين تحبوهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم. قال: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة” [رواه مسلم]. وعبارة (ما أقاموا فيكم الصلاة) هي كناية عن تطبيق أحكام الإسلام، وهي من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه.
حين تكون الدار دار اسلام ويبدأ الحاكم في تحويلها الى دار كفر وذلك بإظهار الكفر البواح الذي لا شبهة فيه يجب على المسلمين أن يثوروا عليه بالسلاح لمنعه من ذلك بالقوة، ولكن هذه الثورة بحاجة الى تنظيم وأمير يطلب النصرة ويعدّ القوة من أجل إنجاح هذه الثورة وليس من أجل الثورة فقط. وهذه الثورة هي لخلع الحاكم وإرجاعه الى الشرع وأطره على الحق أطرا.
قال صلى الله عليه وسلم:” كلا والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأخذنّ على يد الظالم ولتأطرنّه على الحق أطرا أو تقصرنّه على الحق قصرا” [أبو داود والترمذي وابن ماجه]. فعندما ألغى مصطفى كمال الخلافة، وأدخل العلمنة كان يجب على المسلمين منعه بالسلاح.
أما حين تكون الدار دار كفر أصيلة، أو عادت الى الكفر واستقرت عليه، فهذه تحتاج الى جهد كبير من العمل الفكري والدعوة بالحجة لتهيئتها للتحول الى دار إسلام. فالرسول صلى الله عليه وسلم بدأ دعوته في مكة وكان يرى الكفر البواح ولم ينابذهم بالسيف. وقد أقر صلى الله عليه وسلم المسلمين على العيش في دار الكفر (في مكة والحبشة) مع وجود دار الاسلام. وكان المسلمون يرون الكفر البواح في دار الكفر ولم يثوروا بالسلاح على حكامها. إذ الأمر في مثل هذه الحال يحتاج الى الإعداد الفكري ثم طلب النصرة للأخذ بالسلطة.
قضية المسلمين الآن هي
إقامة الخلافة التي تطبّق الإسلام كاملا
وتحمل رسالته الى العالم
قال تعالى:{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} آل عمران 110.
وقال:{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} التوبة.
وقال:{ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} يوسف.
وقال:{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} النور.
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولا، القسطنطينية أم رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” مدينة هرقل تفتح أولا” يعني قسطنطينية. [أحمد والدارمي والحاكم وابن أبي شيبة].
وقال:” بشّر هذه الأمة بالسّنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض. فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب” [أحمد والحاكم والبيبهقي وابن حبّان].
اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة على منهاج النبوة تعزّ بها الإسلام وأهله وتذلّ بها الكفر وأهله وتجعلنا فيها من العاملين بطاعتك والداعين الى سبيلك.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين.
هذا الكتيّب هديّة من مجلة الوعي.
الطبعة الثانية ـ شهر شوال 1415 هـ ـ شهر آذار 1995 م.