تشكيل الأحزاب السياسية
المادة 21: للمسلمين الحق في إقامة أحزاب سياسية لمحاسبة الحكام، أو الوصول للحكم عن طريق الأمة على شرط أن يكون أساسها العقيدة الإسلامية، وأن تكون الأحكام التي تتبناها أحكاماً شرعية. ولا يحتاج إنشاء الحزب لأي ترخيص. ويمنع أي تكتل يقوم على غير أساس الإسلام.
ودليلها قوله تعالى: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) [ال عمران: 104]. ووجه الاستدلال بهذه الآية على إقامة أحزاب سياسية هو أن الله تعالى قد أمر المسلمين بأن يكون منهم جماعة تقوم بالدعوة إلى الخير، أي الدعوة إلى الإسلام، وتقوم كذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقوله تعالى: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ)) أمر بإيجاد جماعة متكتلة تكتلاً يوجد لها وصف الجماعة من بين جماعة المسلمين. إذ قال: “منكم” فالمراد بقوله: “ولتكن منكم” لتكن جماعة من المسلمين. لان “من” في الآية للتبعيض وليست لبيان الجنس، وضابطها أن يصلح مكانها لفظ “بعض” فنقول: “وليكن بعضكم أمة” في حين لا يصلح وضع لفظ “بعض” في الأية: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ)) [النور: 55] فلا نقول “وعد الله الذين أمنوا بعضكم” ولذلك هي هنا لبيان الجنس أي لا يقصر الوعد على جيل الصحابة رضوان الله عليهم بل الوعد لكل الذين أمنوا وعملوا الصالحات. وعليه فما دامت “من” في الآية ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ)) للتبعيض فإن هذا يعني أمرين: أحدهما أن إقامة جماعة من بين المسلمين فرض كفاية وليس فرض عين، وثانيهما أن وجود كتلة لها صفة الجماعة، من المسلمين، يكفي للقيام بهذا الفرض مهما كان عدد هذه الكتلة ما دامت لها صفة الجماعة وما دامت قادرة على القيام بالعمل المطلوب منها في الآية. فلفظ “ولتكن” مخاطب به الأمة الإسلامية كلها ولكنه مسلط على كلمة أمة أي جماعة، أي المطلوب مطلوب من المسلمين جميعاً، والشيء المطلوب إيجاده هو جماعة لها صفة الجماعة، فيكون معنى الآية أوجدوا أيها المسلمون جماعة تقوم بعملين أحدهما أن تدعو إلى الخير أي الإسلام والثاني أن تأمر بالمعروف وتنهى عن النكر، فهو طلب بإيجاد جماعة، وهذا الطلب قد بين فيه عمل هذه الجماعة. وهذا الطلب وإن كان مجرد أمر “ولتكن” ولكن هناك قرينة تدل على أنه طلب جازم، فإن العمل الذي بينته الآية لتقوم به هذه الجماعة فرض على المسلمين أن يقوموا به كما هو ثابت في آيات أخرى وفي أحاديث متعددة فيكون ذلك قرينة على أن هذا الطلب طلب جازم، وبذلك يكون الأمر في الآية للوجوب. فالآية تدل على أنه يجب على المسلمين أن يقيموا من بينهم جماعة تقوم بالدعوة إلى الخير أي إلى الإسلام، وبالأمر بالمعروف والنهي عن النكر.
هذا من جهة كون إقامة جماعة تقوم بهذين العملية المذكورين في الآية فرضاً على المسلمين يأثم المسلمون جميعاً إذا لم توجد هذه الجماعة. أما كون هذه الجماعة الوارد إقامته في الآية حزباً سياسياً فإن الدليل عليه أمرين: أحدهما أن الله لم يطلب في هذه الآية من المسلمين أن يقوموا بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن النكر، وإنما طلب فيها إقامة جماعة تقوم بهذين العملين. فالمطلوب ليس القيام بالعملين بل إقامة جماعة تقوم بهما. فيكون الأمر مسلطاً على إقامة الجماعة وليس على العملين. والعملان هما بيان لأعمال الجماعة المطلوب إيجادها، وليسا هما الأمر المطلوب فيكونان وصفاً معيناً لنوع الجماعة المطلوب إيجادها، والجماعة حتى تكون جماعة تستطيع مباشرة العمل بوصف الجماعة لا بد من أمور معينة حتى تكون جماعة وتظل جماعة وهي تقوم بالعمل، فحتى تكسب الجماعة الوصف الذي جاء في الآية وهو جماعة تعمل عملين لا بد لها مما يوجدها جماعة ويبقيها جماعة وهي تعمل. والذي يوجدها جماعة هو وجود رابطة تربط أعضائها ليكونوا جسماً واحداً أي كتلة ومن غير وجود هذه الرابطة لا توجد الجماعة المطلوب إيجادها، وهي جماعة تعمل بوصفها جماعة. والذي يبقيها جماعة وهي تعمل هو وجود أمير لها تجب طاعته. لأن الشرع أمر كل جماعة بلغت ثلاثة فصاعداً بإقامة أمير قال عليه الصلاة والسلام: (ولا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم” أخرجه أحمد من طريق عبد الله بن عمرو. لأن ترك الطاعة يخرج عن الجماعة قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه، واللفظ لمسلم: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية). فجعل الخروج على الأمير مفارقة للجماعة. وإذن الأمر الذي يبقيها جماعة وهي تعمل هو طاعة أمير الجماعة. وهذان الوصفان لا بد منهما حتى توجد الجماعة التي تقوم بالعملين وهي جماعة وهما وجود رابطة للجماعة ووجود أمير لها واجب الطاعة يدلان على أن قوله تعالى: ((ولتكن منكم أمة)) ولتوجد منكم جماعة لها رابطة تربط أعضاءها ولها أمير واجب الطاعة. وهذه هي الكتلة أو الحزب أو الجمعية أو المنظمة أو أي اسم من الأسماء التي تطلق على الجماعة التي تستوفي ما يجعلها جماعة ويبقيها جماعة وهي تعمل. وبذلك يظهر أن الآية أمر بإيجاد أحزاب أو جمعيات أو منظمات أو ما شاكل ذلك. وأما كون هذا الأمر هو بإيجاد أحزاب سياسية فلأن الأمر طلب إيجاد جماعة معينة بتعين العمل الذي تقوم به لا مطلق جماعة، فالأية قد بينت العمل الذي تقوم به الجماعة بوصف الجماعة وبهذا البيان عينت نوع الجمعية المطلوب إيجادها. إذ ذكرت الآية: لتوجد من المسلمين جمعية تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن النكر. فيكون هذا وصفاً لهذه الجمعية. وهو وصف محدد، فالجمعية التي تستكمل هذا الوصف هي الواجب إيجادها وما عداها فلا. أما الدعوة إلى الخير أي الدعوة إلى الإسلام فيمكن أن تقوم بها جمعية ويمكن أن يقوم بها حزب ويمكن أن تقوم بها منظمة. ولكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي جاء عاماً لا يمكن أن يقوم به إلا حزب سياسي. لأنه يشمل أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر، بل هو أهم أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو داخل في هذه الآية، إذ قد جاءت عامة: ((ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) فهو اسم جنس محلى بالألف واللام فهو من صيغ العموم. وهذا العمل من أهم أعمال الحزب السياسي وهو الذي يضفي السياسة على الحزب أو الجمعية أو المنظمة ويجعلها حزباً سياسياً أو جمعية سياسية. وبما أن هذا العمل وهو أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر هو من أهم أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أحد العملين المطلوبين في الآية ليكونا عمل الجماعة الواجب إيجادها، لذلك كان الأمر في الآية مسلطاً على جماعة معينة هي جماعة عملها الدعوة إلى الإسلام وأمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر وأمر سائر الناس كذلك بالمعروف والنهي عن النكر. وهذه الجماعة هي التي جعل الله إيجادها فرضاً على المسلمين، أي المستوفية جميع هذه الأوصاف الموجودة في الآية نعتاً لها. وهذه الجماعة التي بهذا الوصف هي الحزب السياسي. ولا يقال أن إيجاد جماعة تدعو إلى الإسلام وتأمر الناس بالمعروف وتنهاهم عن المنكر ولا تتعرض للحكام كاف للقيام بالفرض، لا يقال ذلك لأن القيام بالفرض لا يتأتى إلا إذا كانت الجماعة التي أوجدها المسلمون مستوفية جميع الأوصاف التي لها، أي مستوفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الدعوة إلى الخير لأن العطف جاء بالواو وهي تفيد المشاركة، ولأن لفظ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاء عاماً بصيغة من الصيغ العموم فيجب أن يظل على عمومه وأن يستوفي عمومه، فلا يتأتى القيام بالفرض إلا إذا كان عمل الجماعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاماً كما جاء في الآية لا يستثني منه شيء. فإذا استثني منه أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر، أي استثني العمل السياسي لم توجد الجماعة المطلوبة في الآية، وكانت هذه الجماعة ليست المطلوبة في الآية لأنها استثنت عملاً مهماً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو قد جاء في الآية عاماً فلا يتم لها الوصف إلا إذا كان أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر من أعمالها. ولهذا لا يتم القيام بالفرض كما جاء في الآية إلا بإيجاد جماعة سياسية. أي حزباً سياسياً أو جمعية سياسية أو منظمة سياسية. أي الجماعة التي يكون لديها القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاماً لا يستثني منه شيء، وهذا لا يوجد إلا بالحزب السياسي وبالجمعية السياسية وما شاكلهما.
وعلى هذا فإن الآية قد أمر الله بها بإقامة أحزاباً سياسية تقوم بحمل الدعوة الإسلامية، وبمحاسبة الحكام بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وبأمر سائر الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا هو وجه الاستدلال في هذه الآية على أنها دليل المادة.
ولا يقال إن الآية تقول “أمة” أي حزباً واحداً، وهذا يعني عدم تعدد الأحزاب. لا يقال ذلك لأن الآية لم تقل، أمة واحدة، فلم تقل جماعة واحدة وإنما قالت أمة بصيغة التنكير من غير أي وصف. فهو يعني إقامة جماعة فرض فإذا قامت جماعة واحدة حصل الفرض، ولكنه لا يمنع من إقامة جماعات متعددة أي كتل متعددة. فقيام واحد بفرض الكفاية الذي يكفي فيه واحد أن يقوم به لا يمنع غيره أن يقوم بهذا الفرض. وجماعة هنا اسم جنس يعني أي جماعة فيطلق ويراد منه الجنس وليس الفرد الواحد قال تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ)) [آل عمران: 110] والمراد منه الجنس. ونظير ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره) أخرجه مسلم من طريق أبي سعيد الخدري، فليس المراد المنكر بل جنس المنكر، ومثل ذلك كثير. فيطلب فعل الجنس وينهى عن فعل الجنس، ولا يراد به الفرد الواحد، بل يراد به الجنس. فيصدق على الفرد الواحد من الجنس، ويصدق على أفراد عدة من ذلك الجنس، فيجوز أن يوجد في الأمة حزب واحد ويجوز أن يوجد أحزاب عدة. ولكن إذا وجد حزب واحد فقد حصل فرض الكفاية إذا كان هذا الحزب قد قام بالعمل المطلوب في الآية ولكن لا يمنع من إنشاء أحزاب أخرى. فإن إقامة الحزب السياسي فرض كفاية على المسلمين فإذا قام حزب واحد وأراد آخرون أن يوجدوا حزباً ثانياً ليقوموا بذلك الفرض فلا يجوز أن يمنعوا، لأنه منع من القيام بفرض وهو حرام. ولذلك لا يجوز المنع من إقامة أحزاباً عدة سياسية. إلا أن ذلك في الأحزاب الإسلامية التي تقوم على ما نصت عليه الآية وهو الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبما في ذلك أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومحاسبهم. أما غيرها فينظر فيها فإن كانت للقيام بمحرم كالدعوة إلى القومية، وكنشر الأفكار غير الإسلامية أو ما شابه ذلك كان القيام بهذه التكتلات حراماً وتمنع من قبل الدولة، ويعاقب كل من يشترك فيها، وإن لم تكن للقيام بحرام بأن كانت للقيام بمباح وقائمة على أساس مباح كانت مباحة، ولكنه لا تكون قياماً بالفرض الذي فرضه الله بنص هذه الآية إلا إذا كان حزباً سياسياً مستوفياً جميع ما جاء في الآية.
ولما كان القيام بالفرض لا يحتاج إلى إذن الحاكم، بل إن جعل القيام بالفرض متوقفاً على إذن الحاكم حرام، لهذا كان قيام الأحزاب السياسية وإنشاؤها لا يحتاج إلى ترخيص.